[ أضاحي العيد ومعاناة اليمنيين في ظل الحرب ]
لا فرق بين فقير ومحدود الدخل وميسور الحال في اليمن، الوضع الاقتصادي الكارثي وانهيار قيمة العملة المحلية أمام العملات الأخرى حيث تخطى سعر الدولار في محال تداول العملات في العاصمة المؤقتة عدن الاثنين حاجز الألف ريال للدولار الأمريكي الواحد، حشر الجميع في مفرمة غلاء لا يرحم، وحوّل أفراح العيد السعيد أتراحاً ومآسي.
الشكوى من الغلاء الفاحش لمختلف السلع بات هو الصوت الطاغي في الشارع اليمني، ومع حلول عيد الأضحى المبارك، حيث يقبل اليمنيون على شراء الأضاحي، وملابس العيد لأطفالهم، تحول التذمر والشكوى من الغلاء إلى أنينٍ تتصاعد وتيرته المحزنة كلما اقترب العيد.
يقبل اليمنيون هذه الأيام على شراء أضاحي العيد من ماعز وأغنام وأثوار، وهي الأخرى بلغت أسعارها رقماً غير مسبوق بنسبة زيادة تجاوزت 70% عن أسعارها في الفترة نفسها من العام الماضي.
في تقرير استطلاعي تجول معدا التقرير لـ"الموقع بوست" في أسواق مدينتي عدن وتعز المحررتين (تحت سيطرة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف به دوليا)، ورصدا انطباعات بعض المواطنين واستعداداتهم لاستقبال عيد الأضحى.
عبد الغني سعيد، تاجر مواشي من مدينة تعز، يقول إن أسعار المواشي تختلف بحسب عوامل كثيرة وتتفق في أسعارها المرتفعة، فهناك مواشٍ تُستورد من اثيوبيا وأخرى تُستورد من الأسواق المحلية، وانخفاض قيمة العملة أمام الدولار ضاعف أسعارها التي تتراوح ما بين 120 ألف و150 ألف ريال للرأس الواحد، بينما وصل سعر الثور المستورد مليونا و200 ألف ريال، وهذا المبلغ قابل للزيادة باقتراب العيد.
في حديثه لـ"الموقع بوست" يشير سعيد إلى أن الحال بالنسبة للمواشي المحلية التي تضاعفت أسعارها نتيجة الانقسام الحاصل في العملة المحلية ما يجعل تجار المواشي يشترون بضاعتهم بأسعار مضاعفة خصوصًا وأنّ أغلبها تأتي من مناطق سيطرة الحوثيين (تهامة، الحديدة، إب، ذمار).
ويستطرد سعيد قائلاً: "ما يزيد في أسعار المواشي أكثر هي الجبايات التي تُفرض على عربات النقل في كل منطقة تمر منها، فلا تكاد تخلو نقطة عسكرية واحدة لا تأخذ أموالا من عربات نقل المواشي".
وفي الشأن ذاته، توفيق نبيل (24 عاماً) من مدينة تعز، مستاء جداً من أسعار الملابس المرتفعة، ويقول: "ذهبت لشراء بدلة واحدة فقط ماركة هندية ليست فاخرة فكلفتني 40 ألف ريال، وهناك أصناف أغلى من ذلك بكثير، فالأسعار كل يوم في ازدياد ولا توجد أي مؤشرات لانخفاضها مع استمرار الانهيار المتسارع لقيمة الريال طول أمد الحرب".
وتساءل توفيق بحسرة: "كيف سيتمكن رب الأسرة البسيط من شراء ملابس لأطفاله مع هذه الأسعار الخيالية؟'.
وتشارك ربة البيت إلهام عبده (35 عاماً) الرأي توفيق وتقول: "تثقل ملابس العيد كاهل الأسر في المدينة خصوصاً مع انخفاض قيمة العملة، فالراتب الذي يحصل عليه الموظف لا يكفي لإطعام أسرته، فكيف سيكفي لشراء ملابس جديدة للعيد لهم؟".
"من أجل توفير قيمة الملابس لأطفالنا اضطررنا للاقتراض، لكن ذلك ليس حلاً فالغلاء وسع رقعة المحتاجين، وصار الفقر هو لسان حال الغالبية من المواطنين"، كما تقول إلهام لـ"الموقع بوست".
الوضع لا يحتمل السكوت
أم أوسان، ربة بيت من عدن، عبرت عن سخطها من أسعار الملابس المرتفعة، فقد كلفتها بدلة ابنتها ذات الأربع السنوات 15 ألف ريال.
تقول أم أوسان لـ"الموقع بوست" إن شراء ملابس العيد لجميع أفراد أسرتها المكونة من ثلاث بنات وولدين كلفها ما يقارب 150 ألف ريال ناهيك عن بقية مستلزمات العيد كالأضاحي والجعالة وغيره.
من جهته يرى المواطن العدني سلطان الحبيشي (54 عاماً) أن انهيار قيمة العملة المحلية الذي نشاهده يعد الأخطر في تاريخ اليمن، وقال: "لم يعد السكوت عليه مبرراً، فغالبية الأسر أمست على شفا المجاعة، فيما الحكومة الشرعية ودول التحالف المسؤولون عن هذا الوضع الكارثي لم يحركوا ساكناً وكأن الأمر لا يعنيهم".
وتوقع سلطان في حديثه لـ"الموقع بوست" حدوث ثورة جياع في اليمن إذا استمرت موجة الغلاء في التصاعد، مشيرا إلى أن الأضحية أصبحت حلماً بعيد المنال، علاوة على الملابس الجديدة.
دعوة لإنقاذ الريال
على منصات التواصل الإجتماعي نفذ ناشطون حملة لإيقاف تدهور العملة وطالبوا حكومة بلادهم الموزعة في منافي الشتات بسرعة التدخل لإنقاذ الريال اليمني من حالة التدهور الكارثي التي يعاني منها.
على وقع سخط وغضب شعبي عارمين، ومن وسط لهيب غلاء تزداد ناره اضطراماً، وتحت رحمة سبع سنوات من حرب مدمرة، يستقبل اليمنيون عيد الأضحى المبارك لهذا العام وكل المؤشرات تنذر بتفاقم مأساتهم الإنسانية والاقتصادية فيما يلهوا صانعو تلك المأساة بلعب ورق السياسة غير مكترثين بشعب تقاسموا أدوار تمزيق أوصاله ونهب ثرواته وتجويعه إشباعا لنزواتهم الحاقدة.