الحوالات المنسية.. ما وضع شركات الصرافة في اليمن وكيف تعمل وما سبب انتشارها؟ (تقرير)
- خاص الثلاثاء, 14 فبراير, 2023 - 07:52 مساءً
الحوالات المنسية.. ما وضع شركات الصرافة في اليمن وكيف تعمل وما سبب انتشارها؟ (تقرير)

[ أثارت الحوالات المنسية جدلا كبيرا في اليمن مؤخرا ]

تفاجأ اليمنيون الاسبوع الماضي بسجلات لأرقام حوالات مالية منسية أو غير مستلمة من قبل أصحابها، تقدر بعشرات الآلاف، وبإجمالي مبلغ وصل إلى مليارات الريالات ،منذ أكثر من 4 أعوام لشركة صرافة واحدة.

  

ناشطون تداولوا كشوفات مسربة قالوا إنها لشركة صرافة الامتياز، تكشف عن ستين ألف حوالة غير مستلمة لم يستلمها أصحابها، وبمبلغ يتجاوز 6 مليارات ريال يمني.

 

فجرت هذه القضية وهذه المبالغ موجة غضب شعبي، وشكلت ضغط لدى الرأي العام، مما أستدعى هذه الشركة لنشر كشوفات لتلك الحوالات، مطالبة الاشخاص الذين ورد اسمائهم إلى سرعة التوجه لفروع الشركة لاستلام حوالاتهم، بينما بادرت شركات اخرى الى دعوة المواطنين إلى زيارة مواقع الشركة للتأكد من حوالاتهم، وخصصت رابط الكتروني يسهل عليهم  البحث عن اسمائهم.

 

فما حقيقة تلك الحوالات؟ هل هي حقا منسية ام منهوبة؟ وما وضع شركات الصرافة في اليمن؟ وما سر تزايد أعدادها وانتشارها في ظل الحرب الدائرة في البلاد؟ وكيف هو وضع إجراءات الرقابة عليها من قبل الحكومة؟ وكيف تعمل؟ هذه الاسئلة وغيرها سنجيب عليها في هذا التحقيق بالاستعانة بجهات ذات علاقة وشخصيات متخصصة في هذا الجانب.

 

لماذا التسريب؟

 

قبل أيام قام رئيس نقابة الشبكات "أحمد العليمي" بتسريب ملف للحوالات غير المدفوعة لدى شركة صرافة كان يعمل فيها، مؤكداً أن هناك أضعاف المبالغ المرصودة لدى الشركات الأخرى.

 

ووفقاً للعليمي فإن الكشف يعود لشركة "الامتياز" من بين عشرات الشركات التي لديها "أكثر من 60 ألف حوالة غير مستلمة ومنسية منذ سنوات تقدر قيمتها بـ 6 مليارات ريال يمني (10 ملايين دولار بحسب سعر الصرف في صنعاء) حسب وصفه.

 

 برر العليمي تسريبه بأنه رداً على الإجراءات الانتقامية التي تشنها ضده أجهزة المخابرات الحوثية عبر ملاحقة عدد من أفراد أسرته بتهم منوعة، وتوعد بكشف مزيد من الحوالات المعلقة لدى شبكات الصرافة الأخرى، مؤكداً أنها 22 شبكة.

 

وقال إنه أنجز دراسات وعمليات تقييم لأنظمة شبكات الصرافة في صنعاء قبل هروبه إلى خارج البلاد بسبب ملاحقة المليشيات الحوثية له.

 

وهدد العليمي أربع شبكات تحويلات مالية بكشف قوائم حوالاتها غير المدفوعة، محذراً من أن لديها حوالات تائهة تبلغ مليارات الريالات اليمنية، وأخرى بالدولار تتجاوز المليون.

 

علقت شبكة الامتياز على تلك التسريبات والاتهامات بالقول: "إن الشركة ملتزمة بحوالات عملائها والذين لا يأتون لها بسبب عدم وصول الرسالة او نسيانها وقد نشرت الشركة كشوفات بتلك الحوالات ودعت المواطنين للتوجه إلى مقر الشركة لاستلام حوالاتهم رغم أن بعض الشركات تسترجع هذه الحوالات إلى حسابها" جاء ذلك على لسان نائب مدير عام الشركة صالح القوامي.

 

وتابعت بالقول: طلب البنك المركزي من جميع شركات الصرافة تحويل الحوالات المعلقة إلى حساب لهم بنفس الاسم للبنك المركزي حتى يطلبها صاحبها.

 

نزاهة متأخرة

 

 عقب تلك التسريبات والسخط الشعبي نشرت الشبكة المتهمة بياناً على صفحتها في "فيسبوك" الأسبوع الماضي وجهت خلاله دعوة لكل أصحاب الحوالات غير المستلمة للتوجه إلى مقر الشبكة في محافظات عدة لاستلام حوالاتهم شرط إحضار الوثائق الرسمية.

 

وفور إعلان شركة الصرافة بدأ اليمنيون بالبحث عن أسمائهم في تلك الكشوفات لسحب أي مبالغ ممكنة قبل تحويلها للمركزي، وفعلاً توجه من اكتشف وجود حوالة باسمه إلى فروع تابعة للشركة المعنية ونجحوا في تسلم أموالهم المتأخرة والمتراكمة بعد تقديم البيانات المطلوبة

 

من بينهم الكاتب سلمان الحميدي الذي قال إنه اكتشف اسمه صدفة بعد أن تفاجأ بوجود مستحقاته المالية المتراكمة منذ عام 2019 لدى الموقع الاخباري الذي كان يكتب له وكانت عبارة عن 4 حوالات، وعن سبب عدم تسلمه مستحقاته، يقول الحميدي إن ذلك يعود "لعدم وصول رسائل بأرقامها" ونظراً إلى علاقة الصداقة التي تربطني بالعمل

 

وعن المبلغ الذي جاء متأخراً يقول سلمان في منشور له على صفحته في فيسبوك  إن "قيمة الريال هبطت عما كانت عليه في تلك الفترة، ولهذا فالمبلغ لم يعد ذا قيمة كبيرة ولكنه قضى عني بعض الديون".

 

وبموازاة ذلك نشرت معظم شبكات التحويل الرئيسة في صنعاء بيانات ماثلة على صفحاتها بمواقع التواصل لتسلم حوالاتهم لكنها لم تصدر أي تعليق يوضح سبب تأخر هذه الحوالات ولماذا أصلاً تأخر هذا التعميم  كل هذه الاعوام إلى حين ظهور هذه التسريبات.

 

 وعمم البنك المركزي الخاضع للحوثيين منشوراً نشرته البنوك وشبكات التحويل المالي، تقول بأن على المرسل إبلاغ المستلم بوجود حوالة وإرسال رقم الحوالة للمستلم.

 

وكان صحفيون قد كشفوا معلومات حول مطالبة مليشيا الحوثي البنوك والصرافين بإرجاع المبالغ لهم عندما يمر الوقت على عدم تسلمها بـ شهرين، غير انهم غيروا المدة لشهر واحد، أي ان الحوالات الغير مسلمة بعد مرور شهر تعود للمليشيات.

 

بدوره وجه قطاع الرقابة على البنوك بالبنك المركزي بالعاصمة عدن شركات الصرافة، بضرورة رفع كشوفات بالحوالات المتأخر دفعها ( المنسية) وطالب البنك من شركات الصرافة بتسليمه نسخ تفصيلية لكافة الحوالات غير المسلمة ولكل العمولات، وكلف مفتشين بتسلم تلك التقارير، وحذر بالوقت نفسه الشركات المخالفة من عدم التعامل مع التوجيه  وهددهم بعقوبات.

 

وحول خلفيات أزمة التحويلات المالية، قال الصحافي اليمني المتخصص في الشأن الاقتصادي، ماجد الداعري إن "التحويلات المنسية " هي تسمية من قبل شركات الصرافة المتورطة لمحاولة التخفيف وتبرير فضيحة سرقة تحويلات عملاء بطرق مختلفة، وأخرى عبارة عن عمليات غسيل وتهريب أموال تواطأت أغلب شبكات ومنشآت الصرافة باليمن في محاولة تمريرها إلى الداخل.

 

وأشار الداعري في حديثه لـ "الموقع بوست" إلى أن نتيجة تطورات الأوضاع وتداعيات الحرب في اليمن وغياب الرقابة والإشراف والتفتيش على تلك الشبكات وانقسام القطاع المصرفي والبنك المركزي، فقد فضلت أغلب شبكات الصرافة التحفظ على تلك الأموال وتشغيلها في عملياتها المصرفية وجرائم المضاربة بالعملة المحلية لتحقيق فوارق صرف بالمليارات، حيث تعتبر اليوم المصدر الأساسي لتمويل تلك الشركات، وتزايد شركات الصرافة المتوالدة أكثر من البقالات والتي تسبب  بانتعاش تلك  الشركات وتكوين رؤوس أموال هائلة نتيجة التلاعب والسمسرة بتلك التحويلات التي وصلت في شركة "الامتياز" حديثة الإنشاء فقط إلى ستة مليارات لعدد 60 ألف حوالة فقط تم الكشف عنها.

 

فوضى عارمة

 

وصف  الداعرى وضع شركات الصرافة في اليمن بانها تعيش في فوضى عارمة، وأنها تقف حجر عثرة امام ايجاد أي حلول لاستقرار صرف العملة. وطالب الداعرى بإغلاق شركات الصرافة وتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة عليها وربطها بشبكة ربط الكتروني موحدة، يديرها بنك مركزي حقيقي واحد باليمن وفق سياسة نقدية موحدة وعملة واحدة.

 

وأشار إلى أن هناك فوضى عارمة في عملية إنشاء وعمل شركات الصرافة في اليمن، ولا يمكن إيجاد أي حلول لاستقرار صرف العملة المحلية؛ مالم يتم إغلاق كل الشركات والمنشآت ودكاكين الصرافة، التي أنشأت ما بعد الحرب وهي الغالبية وتتبع مليشيات وتجار أزمات ونافذين، سواء لدى جماعة الحوثي أو تحت مظلة الحكومة الشرعية.

 

وافقه في ذلك الباحث في الشأن الاقتصادي اليمني عبد الواحد العوبلي الذي قال إن "وضع شركات الصرافة في اليمن أصبح مظهر للنهب والاحتيال ولتحقيق أغراض شخصية معينة، والأمر طبيعي ومنطقي في وضع كاليمن الذي تحكمه مليشيات، والتي تحاول عبر هذه الشركات الهروب من البنوك والهروب من عدسة الرقابة، حسب قوله.

 

وفي حديث لـ "الموقع بوست" يضيف العوبلي أن "شركات الصرافة في اليمن تعمل بعيدا عن النظام المصرفي    بضوابطه وشروطه، حيث أنها تشتغل لوحدها وتصرف، تستلم لوحدها تحول لوحدها دون أي تتبع ودون أي رقابة وبدون أي ضمان لأموال المواطنين".

 

وتابع: عملت المليشيا في اليمن على تهميش وتعطيل المنظومة المصرفية للبلد وعملت على استبدال البنوك الرسمية  بالصرافين الذين يعتبرون سوق سوداء، لأن هذه المليشيات أصبحت تحصل على تمويلات خارجية وأصبحت تستولي  على ايرادات الدولة التي كانت من المفروض أن تورد إلى خزينة البنك المركزي.

 

أسباب الانتشار

 

 أرجع صبحي باعفار الناطق باسم جمعية الصرافين اليمنيين السبب في تزايد أعداد الشركات المصرفية في اليمن خصوصا في ظل الحرب إلى كونها تعد نشاط مالي مربح خصوصا في ظل الحرب التي أدت إلى ضعف الرقابة على أدائها ونشاطها وسيطرة نافذين على هذا القطاع الهام.

 

وفي تصريح لـ "الموقع بوست" قال باعفار إن "انتشار وتعدد شركات الصرافة أمر مرفوض مالم يكن هناك سيطرة ورقابة واشراف عليها والقدرة على متابعة عملياتها وشؤونها.

 

وأرجع الباحثان في المجال الاقتصادي العوبلي والداعري تزايد شركات ومنشآت الصرافة اليوم إلى مكاسبها المهولة من فوارق الصرف الناتجة عن مضاربات الغالبية منها بالعملة المحلية وغياب الرقابة عليها من البنك المركزي واجهزة التفتيش والرقابة الحكومية الأخرى، والتي كانت لها انعكاساتها على أداء البنوك والاقبال عليها.

 

تعطيل ممنهج للمنظومة المصرفية

 

وعن سؤالنا عن سبب اقبال المواطنين على شركات الصرافة بدلا عن البنوك، أجاب العوبلي أن ذلك يعود إلى توفير تلك الشركات للسيولة المطلوبة والعملات الاجنبية المختلفة مقارنة بالبنوك التي عمل القائمون على تلك الشركات على تعطيلها وتهميشها على حساب محلات الصرافة، هروبا من الرقابة التي تفرضها عليهم تلك البنوك، مما أجبر المواطنون والتجار إلى التوجه واللجوء إلى محلات الصرافة بدلا من البنوك للحصول على الأموال والعملات الأجنبية.

 

يقول باعفار "القطاع المصرفي هو إحدى الحلقات الاقتصادية بالغة الأهمية والتي تغطي الفراغ والفجوات في التمويل للاستيراد وهي بدورها تقدم التسهيلات في كافة عمليات التحويلات المالية وتسليم المرتبات للقطاعات الحكومية العسكرية والمدنية".

 

وأشار باعفار الى أن عمل شركات الصرافة  يجب أن يكون مشروط وتراعى فيه عدة امور تنظم  عملها   من اهمها" :ان يكون تحت اشراف البنك المركزي وبترخيصه  وان يكون تحت متابعة فرق التفتيش ووحدة جمع المعلومات في البنك المركزي وان يسمح القانون بذلك عند استيفاء شروطه وان يتمتع افراده بالخبرات الكافية ذات الطبيعة المختصة والقانونية والامتثال و ان تراعى فيه كافة التحديثات المواكبة لتطور المؤسسات المالية. 

 

 ونوه باعفار الى دور البنك المركزي في تنظم عمل هذه الشركات حيث قال: "لاشك أن البنك له دور فاعل ونشاط ملحوظ يتمثل بنزول فرق التفتيش والرقابة على المصارف والبنوك وبصورة دورية لمتابعة عمليات الصرافات والتحويلات وتقييمها وفق معايير معتمدة دوليا للمساهمة في تماسك القطاع وتحسين أدائه وصورته.

 

فيما يرى الباحث العوبلي أن تزايد وانتشار شركات الصرافة في اليمن خلال سنوات الحرب كان نتيجة طبيعية لسياسة ممنهجة تهدف لتعطيل وتهميش المنظومة المصرفية للبلد من قبل مليشيات ونافذين.

 

وأشار إلى أن هذه المليشيات أصبحت تحصل على تمويلات خارجية وتستولي على ايرادات الدولة الذي كان من المفروض أن تورد إلى خزينة البنك المركزي وتتحرك ضمن المنظومة المصرفية وقطاع البنوك ويخضع للرقابة والمسائلة. وتابع "كل العمليات والتحويلات وعملية الاستلام يتم تتبعها ورقابتها ليس فقط من البنك المركزي، وانما من انظمة الرقابة الدولية.

 


التعليقات