فيصل علي

فيصل علي

إعلامي وأكاديمي يمني.

كل الكتابات
الإصلاح اليمني.. تنازل عن الأيديولوجيا لأجل المستقبل
الثلاثاء, 18 أكتوبر, 2016 - 07:08 مساءً

يبدو أن التجمع اليمني للإصلاح -ثاني أكبر حزب على مستوى اليمن من حيث الحصول على أصوات الناخبين اليمنيين منذ 1993، وأكثر الأحزاب اليمنية تنظيما والأبرز حضورا في الساحة اليمنية- قد حسم أمره أخيرا وقرر الخروج من التصنيف الإسلامي الذي "طارده" منذ نشأته في 13 سبتمبر/أيلول 1990، والتحول إلى حزب مدني.
 
في أحدث رؤية صادرة عن قيادته الحالية يؤكد الإصلاح على وضوح الرؤية لديه وفقا للمشروع الوطني الذي تعاد صياغته بعد كل الأحداث التي مرت بها البلاد بدءا من الثورة في 2011 وانتهاء بالحرب التي تشنها الحكومة اليمنية بمعية قوات التحالف لاستعادة الدولة بعد أن سقطت في انقلاب الحوثيين وصالح في 21/9/ 2014.
 
هذه الرؤية بحسب قيادات في الحزب ليست وليدة اليوم بل نتيجة لنتيجة تسعة أشهر من النقاشات. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا لماذا في هذا التوقيت بالضبط خرجت هذه الرؤية ؟ وما أهمية ونوعية التغيير الذي ستحدثه هذه الرؤية في أوساط الحزب والمجتمع؟
 
حزب الإصلاح الذي خاض ستة انتخابات بفاعلية واشترك في الثورة السلمية 2011 بكل ثقله، عاد ليعرف بنفسه بعد مرور 26 عاما على تأسيسه، وليجيب عن سؤال: هل الإصلاح حزب سياسي أم جماعة دينية؟ فجاء في رؤيته الجديدة أنه "حزب سياسي" وهذا التعريف من ناحية موجه للجمهور الداخلي للحزب، فإذا كان جمهور وأعضاء الحزب بعد أكثر من عقدين ونصف من الزمن مازالوا يجهلون الكيان الذي ينتمون إليه فهذا يدل على وجود خلل تنظيمي كبير لا يكفيه فقط إعادة التعريف، قد يتطلب الأمر إعادة تأهيل كوادر الحزب وأفراده وقياداته حتى يكونوا على وعي تام بطبيعة العمل الذي يقومون به، إن كان الحزب بهذه الرؤية يخاطب أفراده فهي معضلة عليه تداركها قبل فوات الأوان.
 
أما إن كانت إعادة تعريف الحزب لنفسه موجهة للإقليم فهو تأخر كثيرا، ويوضح للمراقبين عمق المأزق الذي يمر به الإصلاح حاليا، فكيف به يؤيد عاصفة الحزم والكثير من أفراده يشاركون في مختلف الجبهات لاستعادة الدولة اليمنية إلى جوار الجيش الوطني وقوات التحالف، ومن يقاتلون معه ويساندونه في حربه الوطنية يجهلون ما إن كان حزبا سياسيا أم جماعة دينية.
 
على المستوى الإقليمي الرسمي هناك تهميش لدور الإصلاح، وهذا ربما أيضا ما جعل الحزب يعيد تعريف نفسه لأصدقائه الجفاة، لكن لا أحد في الداخل أو الخارج يستطيع التشكيك في الحزب أو في أدواره الوطنية أو أن يصفه بغير صفته السياسية.
 
أكثر ما أثار الجدل في أوساط النخبة اليمنية هو تعريف الحزب لنفسه بطريقة تتناغم مع ارتفاع "الروح الوطنية" لدى مختلف مكونات المجتمع اليمني، والتي باتت حديثا للنخبة منذ حدوث انقلاب 21 سبتمبر/أيلول 2014، فالانقلاب مصنف يمنيا بأنه ذو هوية معادية ومغايرة لهوية الشعب اليمني، وهذه مسألة أحيت ثأرا تاريخيا مخزونا في الذاكرة اليمنية مع ما بات يعرف "بالهاشمية السياسية" والتي ظهرت مع قدوم (حسين قاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الهاشمي القرشي، والذي جاء إلى اليمن متشردا في عام 288 هجرية).
 
ولذا جاء في تعريف الحزب لنفسه بأنه "حزب يمني المنبت والجذور، وهو امتداد لحركة الإصلاح اليمنية التاريخية ".
 
ويبدوا أن شباب الإصلاح الذين طالبوا بالتغيير في الحزب قد استطاعوا أن يؤثروا على قيادتهم في إحياء الذات اليمنية والهوية في حزبهم، ولذا أعلنها الحزب بانتسابه للمدرسة "الإصلاحية اليمنية"، والتي بدأها لسان اليمن الهمداني الذي وضع الأسس النظرية للقضية اليمنية في كتابه الإكليل، وأرسى قواعدها نشوان بن سعيد الحميري المتوفي في سنة (573 هـ - 1178 م) والذي أنكر حصرية "الإمامة والخلافة في قريش" وفندها فقها ومنطقا وجغرافيا، وأصل لها شيخ الإسلام القاضي محمد بن علي بن محمد الشوكاني (1173 هـ - 1250 هـ) والذي دعا للمساواة بين الناس، و دعا للعودة لفهم الإسلام إلى الكتاب والسنة وفتح باب الاجتهاد المغلق منذ القرن الرابع الهجري، ووضع أطرها الفكرية والنظرية الأستاذ محمد أحمد نعمان (1909م - 1996م) وهو أبرز رواد النهضة في اليمن وعُرف بالصانع الأول لقضية الأحرار اليمنيين، وأول رواد التنوير اليمني في العصر الحديث، وجمعها في إطار تنظيمي موحد الأستاذ الشهيد عبده محمد المخلافي (1937م - 1969م).
 
 
في النقاشات اليمنية لرؤية الإصلاح قيل: "لو أن الإصلاح قد تغير قبل هذه الفترة" ولو فعل ذلك لكان هذا التغيير سيتم اعتباره من باب الترف لا أكثر، ولا شك أن الظروف التي مرت بها اليمن والمنطقة هي التي استدعت هذا التغيير، والحاجة أيضا هي التي دفعت لهذا التغيير، ونستطيع القول إن التغيير الذي يمر به الإصلاح اليوم ناتجا عن حراك سياسي وثقافي داخلي، وعن ضغط كوادره الشابة الواعية التي تريد الذهاب إلى المستقبل متخلية عن الأيديولوجيا.
 
أتت رؤية الإصلاح ولدى قادته وأفراده العديد من المخاوف المحلية والإقليمية والدولية، فلديه تاريخ سيئ من عدم استمرارية الشراكة مع المكونات السياسية المختلفة، بدءا من المؤتمر والذي أداره صالح بطريقة المستبد الذي يريد أن يسير الجميع وفقا لما يريده شخصيا، وانتهاء بتكتل اللقاء المشترك الذي كانت أحزابه تخشى فوز الإصلاح في انتخابات قادمة، وكذلك الحال بالنسبة لدول التحالف العربي التي من بينها من يناصب الإصلاح العداء بناء على مواقفها من الربيع العربي، واعتبار أنه امتدادا لحركة الإخوان المسلمين.
 
ولذا شملت الرؤية مفاهيم وحملت رسائل واضحة العيان لدول التحالف لجرها إلى مربعات الشراكة الإستراتيجية القائمة على أسس الأمن القومي العربي، والوقوف أمام الأخطار المحدقة بالمنطقة من كل جانب، والشراكة ومصالح الشعوب، ولذا ورد في رؤيته أنه لا علاقة تربطه بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين والذي تعاديه بعض دول الخليج، لقد خطى الإصلاح إلى الأمام متخليا عن الأيديولوجيا التي يراد له الالتصاق بها، والبقاء في إطارها.
 
إن التخلي عن الأيديولوجيا المستوردة في مرحلة استعادة الدولة فعل عظيم يجب أن تحذوه كل الأحزاب اليمنية وليس الإصلاح وحده، فليس بعد السطو على الدولة من قبل المتمردين إلا الطوفان، ويجب أن يستمر مثل هذا الهدف العظيم في المرحلة القادمة بعد استعادة الدولة، وهي مرحلة إعادة بناء الدولة ومؤسساتها، حتى وإن كان هذا التخلي عن الأيديولوجيا هو مطلب نخبوي داخل الإصلاح إلا أنه من المفترض أن يغدو واقعا على مستوى كافة الأطر التنظيمية للحزب، ولا مناص من اتخاذ نفس خطوة حركة النهضة في تونس بفصل العمل السياسي عن العمل الدعوى، بل والذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك وأكثر واقعية، في الفصل التام بينهما على مستوى الدولة، وأن يحكم ذلك بقواعد الشراكة والتعاون في العمل بين مكونات المجتمع السياسية والاجتماعية والدعوية والسياسية والثقافية والاقتصادية والعمالية.. لبناء الدولة وخدمة الشعب.
 
هذا الفصل في إطار الحزب يحتاج إلى برامج مكثفة من قبل نخبته الواعية لتكريس الفكر الجديد لدى الكتلة الراديكالية الصلبة فيه، ومن المتوقع أنها سترفضه في البداية، فهي مازالت بحاجة إلى الخروج من وهم أن حزب الإصلاح هو حزب الدعوة وحلق الذكر، التابع للعلماء، فهذه مجرد عواطف، والأحزاب تبنى على المصالح لا على العواطف.
 
إن ترك الأيديولوجيا توجب على الحزب أن يحدد له نوعين من الخطابات: خطاب موجه للداخل يتسم بالإقناع والعاطفة، حتى لا يضعف الحزب أو يتعرض للانشقاق والتمزق، خطاب قريب من المشروع الوطني، معبر عن روح وهوية الشعب، ومرتبط بالبرنامج السياسي للحزب. وخطاب موجه للخارج، يعتمد على أسس الخطاب السياسي البرغماتي، ويحترف اللغة الديبلوماسية التفاوضية المُطمئنة، على أن يبتعد هذا الخطاب عن لغة الإنشاء ولغة الخطابة التقليدي، وعن المفردات المعادية والمستفزة، منطلقا من مصالح الشعب اليمني، وعلاقة الأمة اليمنية بالأمم الأخرى.
 
كما أنه من الواجب أن لا تكون الرؤية الجديدة مجرد ترضية لجزء من النخبة في الحزب، ولا لتحسين صورة الحزب أمام المجتمع الدولي والتحالف والخليج، بل بداية لتطوير وتحسين أداء الحزب على كافة المستويات، والتهيئة للمؤتمر العام الخامس، والذي سيحدد مصيره؛ فإما أن ينهض وفقا لأسس هذه الرؤية، أو أن يذهب إلى الأرشيف كغيره من الأحزاب العتيقة.
 
على المستوى المحلي فإن الحفاظ على النظام الجمهوري والشراكة مع القوى السياسية والحفاظ على التجربة الديمقراطية أبرز ما جاءت به رؤية الحزب، وهذا شيء جيد مقابل حالة التيه التي صنعتها ظروف الحرب على المستوى السياسي، ويبدو أن الحزب ينظر للشراكة نظرة إستراتيجية بعيدة المدى وليست مرحلية أو مجرد تكتيك.
 
أما على المستوى الإقليمي فقد تم التأكيد على ضرورة تعميق الشراكة بين اليمن والسعودية وبقية دول مجلس التعاون، وضرورة ضم اليمن إلى المجلس والتأكيد على قدرة اليمن على لعب دور في إرساء الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، بما ينعكس على المنطقة في محاربة القرصنة والتهريب والإرهاب.
 
ومع أن النظرة الإقليمية للحزب تبدو سلسة في هدفها، لكن من صاغوا الرؤية تناسوا أنهم يتحدثون عن حزب مازال يعرف بنفسه بأنه "حزب سياسي"، وأنه مازال بعيدا عن التحدث بلغة الحزب حاكم، إلا أنه يستطيع القول إنه سيضمن هذه المفاهيم الإقليمية في برنامجه الانتخابي القادم، وذلك سواء كان الأمر يتعلق بالنظرة إلى دول الخليج أو القرن الأفريقي.
 
ومن الملاحظات على رؤية الحزب التأكيد على أن "قضية فلسطين هي القضية المركزية" هذا الحديث يعود للحقبة الماضية، حيث كان الحكام يتمسحون بقضية فلسطلين لدغدغة العواطف الشعبية والقومية وتثبيت شرعيتهم، الإصلاح اكتسب شرعيته من الميدان وليس بحاجة إلى شرعية من قضية فلسطين، واليمن اليوم قضيتها لا تقل سوء عن قضية فلسطين، وهي القضية المركزية للشعب اليمني المشرد في الداخل والخارج. عندما تعود الدولة اليمينة على من سيحكم من الأحزاب صياغة مثل هذه المواقف.

نقلا عن الجزيرة
 

التعليقات