حوارات سياسية في واشنطن لم تنته
الجمعة, 21 أكتوبر, 2016 - 07:03 مساءً

بدعوة كريمة من المركز العربي في واشنطن للمشاركة في أعمال مؤتمر المركز السنوي الأول عن حال الديمقراطية في الوطن العربي ومراجعة إرث الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الشرق الأوسط مع قرب انتهاء ولايته.
 
(2)
 
احتلت منطقة الشرق الأوسط في السنوات الخمس الأخيرة اهتماما عالميا، نظرا لانتفاضة الشعب العربي في أكثر من دولة عربية، طالب المنتفضون في بادئ الأمر بإجراء إصلاحات جوهرية، وإقامة نظام ديمقراطي، ولما لم تتخذ القيادات السياسية في تلك الأقطار العربية إجراءات تبدي نيتها في أعمال إصلاحات سياسية واجتماعية يكون للمواطن دور في ذلك، وأخذت تواجه تلك المطالب المشروعة بالعنف المسلح، راح الشارع العربي في تلك الأقطار يصعد مطالبه فهتف قائلا "الشعب يريد إسقاط النظام" وأسقط الشعب المصري الرئيس حسني مبارك، وتمكن الشعب التونسي من إسقاط نظام زين العابدين بن علي، وأسقط الشعب اليمني نظام علي عبدالله صالح، وكذلك فعل الشعب الليبي، واستجاب السلطان قابوس لمطالب الشعب العماني.
 
في سوريا الحبيبة استعصى على الشعب السوري تحقيق هدفه بإسقاط نظام بشار الأسد أو إجراء إصلاحات، ووجوبه ذلك الشعب العظيم بأقسى أنواع القوة المسلحة من قبل قوات بشار الأسد، مستخدما كل أنواع السلاح ضد الشعب الأعزل بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل، مستعينا بجيوش روسيا الاتحادية البحرية والجوية، وكذلك جحافل التنظيمات الشيعية الطائفية التي أعدتها إيران لمهمة مواجهة الشعب السوري وحماية نظام بشار الأسد. في اليمن خرج على إنجازات الشعب اليمني بعد إسقاط نظام علي عبدالله صالح، فئة بغت على السلطة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور وجرّت البلاد إلى حرب أهلية ما برحت رحاها دائرة على صعيد اليمن الشقيق.
 
(3)
 
في ظل هذه الظروف التي تمر بعالمنا العربي، عقد المركز العربي في واشنطن مؤتمرا دعا له كوكبة من المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط في الولايات المتحدة والأمريكية وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية ومن المشرق العربي أيضا، وكان من أبرز المتحدثين في هذا المؤتمر الدكتور عزمي بشارة المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ورئيس مجلس أمناء معهد الدوحة، كانت كلمة الدكتور عزمي في المؤتمر عبر الأقمار الصناعية (فيديو). وجاء في كلمة الدكتور عزمي بشارة "أن بعض الحكام العرب اعتقد أن رحيل حسني مبارك في مصر، وعلى زين العابدين في تونس تعود إلى أسباب عدم تدخل الجيش لقمع المتظاهرين وعدم استخدام العنف الكافي لمنع تزايد الحشود الشعبية في الشوارع والميادين المطالبة بإسقاط النظام وليس بسبب المظاهرات الشعبية الحاشدة. وراح يدعو المجتمع الدولي للتدخل في سوريا لحماية المدنيين من قهر النظام وجبروته وتدخل القوى الأجنبية روسيا وإيران في مساعدة نظام بشار الأسد لقهر الشعب السوري وإخضاعه لإيراداته.
 
ومن أبرز المتحدثين في المؤتمر فرنسس فو كوياما، صاحب كتاب نهاية التاريخ وصاحب القول الديمقراطية نهاية التاريخ، وقدم قراءة للتحولات السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط ودور الإسلام في ذلك والأداء السياسي للإدارة الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما.
 
(4)
 
كان أول المتحدين من الباحثين الدكتورة لينا الخطيب من مركز شتم هاوس الشهير، قدمت دراستها عن أسباب فشل التحول العربي نحو الديمقراطية مستثنية تونس من ذلك الفشل حتى الآن، وتناولت في ورقتها أخطاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما غير المبررة في سوريا، وخاصة عندما منع تسليح المعارضة السورية ولم يقدم أي مساعدة لحماية الشعب السوري من نظام دكتاتوري استخدم ضد شعبة كل أنواع السلاح بما في ذلك السلاح المحرم دوليا. أما الدكتور عماد شاهين فركز عن الحالة المصرية وكيف استطاع الجيش إنهاء فترة التحول الديمقراطي وإزاحة أول رئيس منتخب من الشعب وتنصيب ضابط من ضباط الجيش على هرم السلطة السياسية.
 
أما الباحثة ميشيل دون من مركز كيرنجي للسلام، فكانت ورقتها تدور حول تونس والتي وصفتها بالحالة الاستثنائية في الربيع العربي، وسنحت بنجاح الانتفاضة الشعبية في تونس إلى توافق القوى السياسية حو الانتقال الديمقراطي بما في ذلك التيار الإسلامي "النهضة" وعدم تدخل الجيش التونسي في الصراع على السلطة.
 
الدكتور عبد الوهاب القصاب، من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فقد تناول في ورقته بالشرح والتحليل أسباب فشل التجربة الديمقراطية في العراق، ومن بين تلك الأسباب صعود النزعة الطائفية السياسية التي فرضها نوري المالكي على العراق الذي لم يعرف التحزم الطائفي قبل الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، ولقيت دعوته وممارساته الطائفية تجاوبا غير محدود من إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ومن بعده الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وبدعامة الإدارتين الأمريكيتين تجذرت العقيدة الطائفية في العراق وسيبقى الشعب العراقي يعاني منها لحقب تاريخية طويلة.
 
(5)
 
في الجلسة الأخيرة، تحدث فيها كل من الدكتور مروان قبلان من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، وكذلك الدكتور رضوان زيادة من المركز العربي في واشنطن، فكان هناك تناغم في الفكر عند المتحدثين قبلان وزيادة بدعوتهما للإدارة الأمريكية القادمة بضرورة تطبيق فرض حظر جوي كوسيلة وحيدة لحماية المدنيين وحماية البنية التحتية من الدمار والعمل المخلص من أجل الوصول لحل سياسي ينقذ ما تبقى من البلاد. أما الباحث دنيال برمبرج من جامعة جورج تاون فتحدث عن مبدأ أوباما في السياسة الخارجية والذي هو أقرب للواقعية من العشوائية كما قال. أما الدكتورة أماني جمال من جامعة برنستون فكانت ورقتها تدور حول الاضطرابات الاقتصادية التي ولدت الربيع العربي، ودعت إلى تبني سياسة اقتصادية لمكافحة الفقر وخلق فرص عمل.
 
أستطيع القول إن الجمهور الكثيف الذي حضر هذه الفعالية البحثية أمعن في المناقشات العامة، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى إثراء الأوراق البحثية وجعلها في متناول يد الإدارة الأمريكية القادمة أيا كانت جمهورية أم ديمقراطية. لا شك عندي بأنه سيكون لها أثر في دوائر صانعي القرار في الإدارة القادمة.
 
وخلاصة القول: لا بد من الإشادة بإدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة التي فكرت وعملت على تنفيذ فكرة إيجاد فرع للمركز في أكبر عاصمة عالمية واشنطن، فهناك تصنع السياسات ولا بد أن نكون قريبين منها ولا بد من دعم ذلك المركز المتقدم في الجبهة الأمامية في واشنطن بكل الإمكانات من أجل طرح قضايانا أمام مؤسسات المجتمع المدني الأمريكي مراكز البحث المتخصصة لكي تصل إلى مركز صناعة القرار في الإدارة الأمريكية، ولا بد من الإشادة بجهود أعضاء مركز واشنطن المعني برئاسة الأستاذ خليل جهشان لحسن اختيارهم محاور المؤتمر والباحثين وحسن التنظيم والإدارة.

* عن الشرق القطرية

التعليقات