الحياد والحرب
الخميس, 24 ديسمبر, 2015 - 09:06 مساءً

فكرة الحياد في هذه الحرب تبدو جذابة جدا، فالحرب أي حرب قبيحة تسبب دمار وقتل، والحياد  فكرة فيها تعفف أخلاقي وتبرئة ضمير من ويلات الحرب، كما أنها فكرة تداعب مشاعر كثيرين يشتاقون لعهد السلم وهم ليسوا بقلة.
 
 طرفي الحرب باليمن يتشابهان في عدم انحيازهما لأي قيمة انسانية ونفاق دعواهما، فلا يملك أي يمني صاحب ذاكرة مخرومة الثقة بنوايا السعودية التي تدعي الدفاع عن شرعية حكومة أسقطت شرعيتها بنفسها عدة مرات، ومن سخرية الاقدار أنها حكومة شرعية بسبب انتخابها ديمقراطيا حسب الدعوى السعودية و بالطبع السعودية لا علاقة لها بالديمقراطية.
 
في المقابل الحوثي يدافع عن اليمن بصفته طرف يمني، الحوثي بتركيبته وتفكيره العنصري الواضح في تمييز اليمنيين حسب العرق والمنطقة والمذهب لا يمكن أن يكون مكون وطني يمثل اليمن، وهذا النمط من الحركات مصممة خصيصا للاحتراب الداخلي، وهذا ما فعله الحوثي الذي قتل من اليمنيين أضعاف مضاعفة مما قتل واستهدف من سعوديين. هنا سوف أبتعد عن طرف المقاومة الشعبية وهو الطرف الذي يتجاهل وجوده اصحاب نظرية الحياد.
 
إذن أسباب وجيهه لادعاء الحياد وهو ادعاء حسب ظني، لأن غالبيتهم إن لم يكن كلهم بينه وبين نفسه يتمنى عودة الحكومة أو هزيمة مذلة للسعودية، نحن بشر وفكرة الحياد في الغالب تتجاوز قدراتنا وسط الحروب.
 
الحياد فكرة جذابة لكنها تقع في مأزقين دوما يجعلها خيار نخبوي للمتفرجين الذين ينتظرون نهاية الصراع بأي شكل، هي ليس خيار بل رغبة في راحة البال والضمير لكنها ليست خيار للتطبيق والواقع.
 
المأزق الأول أنها فكرة لا تنحاز للسلم بالضرورة لأنها تسعي لوقف الحرب دون معالجة أسبابها لانها فكرة لا تتطرق لسبب الحرب حتى تنجح في وضع نفسها بالحياد، فمثلا بالحالة اليمنية الفكرة هذه تتجاهل حقيقة أن الحوثي جرف العملية السياسية بالكامل عندما لجأ للسلاح في وقت كان هو مشارك بالعملية السياسية في مؤتمر الحوار تحديدا وكان عدد مشاركيه يساوي عدد مشاركي أحزاب أكبر منه عددا وأقدم تاريخا غير شرعية وجودها قانونيا، إضافة أن مطالب الحوثي لم تكن تستدعي كل هذا التصعيد العسكري، باختصار الحوثي وضع الجميع أمام خيار الحرب كخيار بديهي عندما تنقطع سبل السياسة وهو أمعن بهذا الخيار حتى يناير من هذا العام عندما هاجم قصر الرئاسة.
 
ثم زاد في الامعان عندما قرر اجتياح الجنوب باعلان التعبئة العامة، رغم كل التحذيرات المحلية والإقليمية  الدولية من مغبة هكذا خطوة. 
 
بالتأكيد  الطرف الخارجي لا يمتلك بالضرورة حق التدخل لكنه لا يتدخل إلا عندما يجد المساحة لهذا التدخل  والحوثي وفر هذه المساحة.  طرف المقاومة الشعبية للحوثي بكل دوافعها المذهبية و المناطقية والأيديولوجية كانت رد فعل ضد طبيعة الحوثي وتركيبته، وهي جماعة لا تمتلك أي شرعية في دخول هذه المناطق.
 
إذن يقع أصحاب نظرية الحياد في مأزق عدم إدانة سبب الحرب وبالتالي لا يسعون لمعالجة سببها، وكذلك في المساواة بين الطرف المعتدي والمعتدي عليه، وهذا عمل ليس أخلاقي في جوهره.
 
ثانيا يقع أصحاب نظرية الحياد في مأزق العجز، لأنهم  لا يحاولون وضع حلولا للناس ويطالبونهم بالتفرج حتى تحدد مصائرهم قوى اقدر على الأرض.
 
عادة السياسة ليست مفاضلة بين الجيد والسيء بل في الغالب هي مفاضلة بين السيء والاسوأ، في الحرب العالمية الثانية كانت المفاضلة بين حركة عنصرية نازية قامت بهولوكوست بشع مقابل دول تحالف قامت بجرائم أبشعها إلقاء قنبلتان ذريتان في اليابان، يا هل ترى الحياد حينها سيخدم التحالف أم النازية؟ بالتأكيد النازية ليكون مصير العالم أبشع بكثير من الان.
 
خيار الفعل المدني الذي يحاول طرحه البعض غير ممكن التطبيق في اليمن اولا هذا الخيار هو نتاج التجربة الغربية بعد عدة حروب، وأيضا تراكم للفعل المدني والعمل الديمقراطي لعشرات السنوات في دول معظم سكانها يسكنون المدينة اصلا وهذه حالة تتناقض كليا مع اليمن.
 
ثانيا كيف يمكن لهذا تطبيقه مع حالة القمع الشديدة والواسعة التي يرتكبها الحوثي بل وإغلاقه كل مساحات الفعل المدني من خلال تعطيل جميع وسائل النشر والإعلام المعارضة له أو حتى المختلفة، واصراره الشديد على السيطرة على الحرم الجامعي بصنعاء. 
 
في ظل هكذا ظروف كيف يمكن أن يقوم أي عمل مدني مستمر او التنسيق له؟ لا أظن المحايدون يملكون قدرة على الإجابة لأن منافذ العمل المدني مغلقة فعلا.
 
لا أرى لنفسي سوى خيارين خيار العنف واللاسياسة الذي يطرحه الحوثي الذي فشل حتى الآن بتشكيل حكومة بديلة. وهذا الخيار يعني عزلة عن العالم تعيدنا مئات السنوات للوراء فوق اصلا تخلفنا الحاصل عن العالم، إضافة لقمع شديد يخنق أي فعل مدني وسياسي ليكون البديل ضمن الحالة الطائفية التي يشكلها الحوثي هي القاعدة وداعش التي ستجد حاضنة اجتماعية في عمليات سيرى فيها الكثيرين تعويض عن فارق القوة العسكرية بينهم وبين الحوثي. 
 
وعادة هذه الجماعات المغلقة لا تنتهي إلا بحرب أهلية أو تدخل خارجي حسب ما يقول التاريخ، اقربها حالة طالبان في أفغانستان. 
الخيار الثاني هو خيار المقاومة ولن اقول الحكومة الغير شرعية وان كانت أراها مهمه كآخر خيط رفيع للسياسة والدولة. تظل المقاومة خياري الأهم هي إفراز المجتمع اليمني باطيافه المختلفة وتحمل هذه الأطياف لمسؤولية الدفاع عن نفسها أمام الحوثي، سيكون هو ذاته الدافع لها في تحمل مسؤولية تمثيل مصالح مجتمعها وتأمينه من جماعات دينية متطرفة. اليوم الجنوب أبعد عن حكم داعش مقارنة بالوقت الذي كان فيه الحوثي بالجنوب.
 
الخيار الثاني يعني فوضى ووسط الفوضى ستظهر جماعات دينية متطرفة لكنها لن تتحكم تماما، لأن الفوضى غير الاستبداد الديني  سوف تترك مساحة للفعل المدني والسياسي الذي يصد هذه الجماعات على الاقل على مستوى المدن. بخصوص التدخل  الخارجي، التدخل الخارجي له حساباته الخاصة به  لذا كلما زاد كلما تعقدت الأمور داخليا ضف لهذا التخبط السياسي والعسكري لكل الأطراف المتدخلة في اليمن.
 
لذا يظل تعويلي على الحراك الشعبي وانحاز للخيار الذي يعطي مساحة لهذا الحراك يتشكل ويتخلق.

التعليقات