القطران الأخضر!
الاربعاء, 14 ديسمبر, 2016 - 07:01 مساءً

بملابس ملونة بالأخضر خرج أنصار الحوثي للاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام..
 
ليس مستغربا أن تجد أناسا يتجمعون للاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى وإن تم تحويل ذلك الاحتفال إلى فعالية سياسية بحتة؛ لكن من غير الطبيعي أن تجد الكثير من هؤلاء المشاركين قد لونوا أجسادهم وثيابهم بالأخضر كنوع من التعبير عن حب النبي صلى الله عليه وسلم.
 
الفكرة قديمة بعض الشيء ولكن بلون آخر، فإبان حكم الإمام أحمد حميد الدين طلب من حاشيته أن يذيعوا في الناس أن الجن قد تمردوا عليه وأمر الشعب بالقطرنة "دهن الجسم بقطران الإبل الذي كان يستخدم لوقايتها من الجرب" كي يقوا أنفسهم من الجن حتى يستعيد الإمام السيطرة عليهم مجدداً فهو زعيم الجن حيث كان يلقب بـ "أحمد يا جناه"؛ وبالفعل أصبح الناس في اليوم التالي وقد صبغوا أجسادهم بالقطران فيما عرف حينها بالقطرنة ما خلف خيبة أمل كبيرة لدى الثوار الذين أدركوا أن الشعب لا زال بعيدا عن الوعي الكافي للقيام بالثورة.
 
لا تختلف الصورة اليوم كثيرا.. فقط غُيّر القطران الأسود بالدهان الأخضر، وليست المشكلة في التلوين فقد كان على ألأقل فرصة لحركة سوق الدهانات الذي ظل راكداً منذ بداية الانقلاب حيث توقفت تقريبا كل أعمال البناء عدا تلك الفلل الفارهة التي بنيت لقيادات حوثية أو تلك التي اشتريت جاهزة وأعيد ترميمها.
 
المشكلة حين يكون القطران على شكل شعارات يرددها البسطاء الذين يذهبون لمحارق الموت في الحدود ويقتلون بالعشرات فقط كي يحصل إعلام الانقلاب على لقطات قصيرة ترفع من معنويات مقاتليه.
 
وهناك صور أخرى للقطرنة؛ فحين يغالط الانسان نفسه فيذهب إلى تعز ومأرب والبيضاء والجوف كي يقتل الأبرياء ويفجر منازلهم بحجة أنهم دواعش وعملاء لأمريكا وإسرائيل، وأنه هناك على طريق القدس، يكون هذا أيضا قطرنة.
 
وحين تصرف الملايين لإحياء فعالية سياسية غطاؤها الاحتفال بالمولد النبوي بينما يموت الناس جوعا في تهامة والمخا وتعيش البلد حالة اقتصادية متردية يكون هذا قطرنة.
 
وحين يتم اقناع المواطنين بالتبرع بالفتات الذي يقتاتون عليه لدعم المجهود الحربي أو لإحياء فعاليات باسم الرسول وآل البيت ويقال للمشاركين أيضا "أنتم هنا في ضيافة محمد صلى الله عليه وسلم"  يكون هذا قطرنة.
 
وحين يضيع طفل ذهب إلى المدرسة وبعد شهر من البحث توصله مليشيا الانقلاب إلى والده جثة هامدة مباركين له استشهاده في سبيل الله يكون هذا قطرنة.
 
وأخيرا:
صحيح أن الشعب اليوم يختلف كثيرا عن ما كان عليه فقد أصبح اليوم أكثر وعياً وأصبح جل أبناء الشعب اليمني ينبذون الفكر الإمامي السلالي ولــكن:
 
ستظل القطرنة مقياسا لمستوى الجهل ومفهوماً قديما حديثا من مفاهيم استغفال الشعوب، نال براءة اختراعه الأئمة قديماً، وأعاد انتاجه في قوالب حديثة الأئمة الجدد.

 

التعليقات