بالأمس القريب خرج عبدالملك الحوثي ليقول أن الرئيس هادي يتحكم فيه الإخوان المسلمين، وأنهم هم من يسيرون كل شؤون الدولة والرئاسة، وبعد ذلك خرج المخلوع ليكيل للرئيس نفس التهم، وزاد عليها أن الرئيس عضواً في تنظيم الإخوان المسلمين، وأنه يمشي وراء توجيهات الحزب.
هذه التهم كانوا يريدون من خلالها ارسال رسائل لبعض الحلفاء الذين أعلنوا قبل سنوات حربهم على تنظيم الإخوان المسلمين، وأعلنوا الجماعة والتنظيم تنظيم إرهابي، وهذا شأنهم ولا يتدخل أحد فيه، لكن هذه الشماعة اعتدنا عليها من المخلوع والحوثي لأنهم أعداء، ويخوض الرئيس ضدهم حرب بسبب انقلابهم على الشرعية.
لكن الغريب والجديد في الأمر أن يخرج لنا بعض ناشطي الحراك الجنوبي ويرددون نفس الاسطوانة وبنفس العبارات، (الإخوان يتحكمون بقرارات الرئيس هادي ومسيطرين على تفكيره ومكتبة وتحركاته و ....الخ)، فهل يمكن لعاقل أن يصدق هذه الهرطقات؟ وهل الرئيس ساذج إلى هذه الدرجة حتى يترك مهامه الدستورية والشرعية ويسلمها لتنظيم الإخوان المسلمين الغير موجود في حقيقة الأمر، وإنما نكاية بحزب الاصلاح الذي يعتبر ثاني أكبر أحزاب البلد، والذي أعلن أكثر من مرة عدم علاقته بتنظيم الإخوان، مؤكدا أنه حزب يمني وطني.
وبحسب المعلومات فالمملكة العربية السعودية التى أعلنت الإخوان كتنظيم إرهابي استثنت حزب الإصلاح اليمني وحركة النهضة التونسية وقيادة الاصلاح يتواجدون في أرض المملكة، فهل يعقل لو كانوا إرهابيين أن تستقبلهم المملكة وتحتضنهم في بلدها.
المشكلة كلما اتخذ رئيس الجمهورية قرارا لا يعجب أو لا يتماشى مع أهواء الحراكيين أو أطراف أخرى، يهرولون إلى نسب هذه التهمة للرئيس والنيل منه، فحينما تم تعين الفريق الركن نائب لرئيس الجمهورية قامت قيامه الكثيرين وكتب الكثير عن الرجل، وقالوا إن القرار جاء بطلب من الاخوان المسلمين، فهل يصدق ذلك عاقل؟ وهل مثل هذا القرار يأتي بطلب حزب دون التشاور مع الحلفاء؟ وهل الرئيس اتخذ القرار دون النظر إلى عواقب اذا كان فيه خطورة عليه وعلى الدولة، وعلى معركة التحرير التي تخوضها الدولة مع التحالف العربي ضد الانقلابيين، قليل من العقل وقليل من المسؤولية واحترموا عقول من يتابعكم ويقرأ ما تكتبون وما تتحدثون به.
ما حصل في عدن خلال اليومين الماضيين جعل الجميع يتابع بقلق بالغ تداعيات تمرد أحد القيادات العسكرية المسؤولين عن مطار عدن، بعد قرار رئيس الجمهورية إقالته وتعين شخص آخر من القيادات العسكرية في قوات الحماية الرئاسية، والشخص المعين هو خال المقال، لكن الموضوع أخذ طابع آخر ودخلت فيه المناطقية وحرب النفوذ القائمة منذ تحرير المناطق الجنوبية.
وتابعت كثير مما كتب عن الموضوع وكان هناك شبة إجماع على ضرورة تنفيذ قرارات رئيس الجمهورية وعدم الاعتراض عليها أو التمرد عليها كون الرئيس هو الرجل الأول في البلد، وهو من يمتلك الشرعية والقرار الأول في اليمن في السلم والحرب، لكن أطراف أخرى دخلت في الموضوع لإشباع رغبتها في تعميق الخلافات والاستفادة من أي مشكلة وتضخيمها وخدمة أجندة أطراف داخلية وخارجية، وارتفعت حدة الإشاعات والأكاذيب والتحريض، أحدهم يقول: هناك صفقة أسلحة وصلت للمطار وهي تابعة لأشخاص محسوبين على الفريق محسن (وهل يعقل أن تتم صفقة أسلحة بدون علم الرئيس والتحالف العربي عليها هذا أن سلمنا جدلاً انها حقيقية).
وآخر يقول هو حرب نفوذ بين أبين والضالع وان هناك صراع محموم وشديد بين الرئيس هادي، يقود هذا الصراع حسين عرب من جهة وبين تيار الضالع المدعومين من الإمارات، بزعامة بن بريك الوزير وعيدروس المحافظ، وآخر يقول ان هذا صراع بين المملكة وبين الإمارات على النفوذ في العاصمة المؤقتة عدن، وآخر يقول ان كل ما يحصل في الجنوب بشكل عام هو بسبب علي محسن الأحمر والاخوان المسلمين، وهكذا أصبح المتابع للمشهد تائه في حرب الإشاعات والمعلومات المغلوطة والاراجيف وخدمة مشاريع غير وطنية في مرحلة حساسة تحتاج من الجميع التعامل وفق حس وطني بعيد عن الأجندة الضيقة.
مرحلة ما بعد التحرير عاده ما تكون محملة ومفخخه بإرث الحرب وانتشار السلاح خارج إطار الدولة الواحدة يساعد على الفوضى ولذلك كان قرار رئيس الجمهورية بدمج المقاومة في إطار الجيش والأمن وحل كل الكتائب والمجموعات تحت أي مسمى ويبقى فقط جيش وأمن هو من يحمل السلاح يأتي ذلك بكل تأكيد بعد حل مشكلة الرواتب واستمرارها وفرض سلطة القانون والدولة التى لا أعتقد أن أحد يريد أن يكون خارجها.
استهداف الشرعية من أبنائها ومكوناتها التى قاتلت تحت لواء الشرعية شي مخيف ويحتاج إلى مراجعة جادة، فأصل مشكلة اليمن هي أن الحوثيين وصالح انقلبوا وتمردوا على قرارات الرئيس، وهذا جعل من الرئيس يستخدم صلاحياته وطلب المساعدة من الأشقاء في دول الخليج لاستعادة الشرعية والدولة واستهداف المتمردين، فهل يعقل أن يحدث تمرد آخر ونصمت ويصمت الجميع.
ما حدث في عدن يجب أن ينتهى واستهداف الرئيس ونائبه ورئيس الوزراء وإيكال التهم لهم والتقليل من دورهم مرفوض، واي استهدف لأحد رموز الدولة العليا هو استهدف للشرعية والدولة التي نناضل من أجلها، ولا ينسى بعض القيادات المتسببة فيما يحصل انهم جاءوا بقرار من رئيس الجمهورية، وإذ رأى الرئيس أن المصلحة تأتي بإقالتهم، فسيحدث ذلك، وقد غادر المشهد من كان أكبر منهم، وكان يحظى بدعم كبير إقليمي ودولي، ورحل في نهاية المطاف بعد قرار من الرئيس، و في الاخير الشرعية هي من تمتلك القرار، ويحق لها اتخاذه، ولا تستطيع اي قوى إقليمية أن تعترض عليها لكنها تستطيع إرباك المشهد المربك أصلاً.
يحدث كل هذا الضجيج وكل هذه الكوارث والمشاكل ونحن في خضم معركة مقدسة لم تنتهى بعد، فكيف سيكون المشهد بعد التحرير، دول التحالف العربي التي جاءت بطلب من الرئيس هادي لدعم الشرعية ضد تمرد وانقلاب الحوثي.
لا أعتقد أن أي دولة من دول التحالف ستكون مشاركة في تأزم الوضع في المناطق المحررة، فهي لم تأتي لغزو اليمن او انتقام من الشعب، إنما جاءت لإنقاذ اليمن والدولة من مليشيات مسلحة استخدمت القوة للوصول للسلطة، وأعتقد أن دول الخليج تعرف وتعي جيدا تفاصيل المشهد في اليمن، لذلك لن تكون إلا بجوار الدولة والشرعية، وهذا ما يجب أن يحدث.
والأحاديث عن حرب نفوذ إماراتية سعودية لا أعتقد أنه حقيقي إنما تناولات وتحليلات إعلامية وما يجب عليهم الا ان يكونوا بجوار الشرعية في تنفيذ المشروع الوطني والمساهمة في إعادة بناء الدولة ومؤسساتها.
العاصمة المؤقتة عدن يجب أن تكون نموذج راقي للمناطق المحررة وان يشارك جميع أبنائها في بناء ما دمرته الحرب وتعود الحياة إلى طبيعتها ويعم الأمن والاستقرار كل ربوع الجنوب الحبيب وانا على ثقة أن هناك من يسعى لذلك وبمساعدة الأشقاء سوف تعود عدن مدينة آمنة مستقرة مزدهرة و باقي مناطق اليمن أيضا سوف تتنفس الصعداء وسيتلاشى الانقلاب ويندثر ويكون جزء من الماضي.
*مختار الرحبي سكرتير سابق في الرئاسة اليمنية.
*مستشار في وزارة الاعلام حالياً.