قصتي مع حزب الإصلاح
الإثنين, 06 مارس, 2017 - 12:45 صباحاً

منذ بدأت استوعب الحياة في عمر ما بعد الطفولة أبصرت عيني على كيانين هامين في اليمن: الأول، حزب التجمع اليمني للإصلاح، والثاني جمعية الحكمة اليمانية الخيرية.
 
كان شقيقي الأكبر ماجد عضواً فاعلاً في جمعية الحكمة ومن المقربين للشيخ محمد المهدي رئيس فرعها في إب وقبلها كان له حضور في المراكز السلفية بدماج ومعبر وماتر ودخلت السلفية إلى بيتنا ومن بعدها إلى القرية من بوابة شقيقي ماجد ولا زلت أتذكر كراتين التمر القادمة من إب والصحن الذي نُقش فيه اسم جمعية الحكمة عندما قدم به ماجد وقال هذا مشروع إفطار الصائم لمسجد قريتنا.
 
أما حزب الإصلاح فقد كان الشيخ الشهيد نايف الجماعي رحمه الله هو الأكثر حضوراً في القرية ومن بعدها في عزلة المنار حتى ترشح على مستوى المديرية وفاز بالانتخابات المحلية عام 2003 وغادر بعدها إلى صنعاء وأصبح أسمه متداولاً في الشرق والغرب.
 
كان الشيخ نايف يُعلم أبناء القرية رقصة (البرع) والخطابة والشعر وأفكار حزب الإصلاح.. كنت أحد المستهدفين وللأسف اني خيبت ظنه في كل الأمور فلم أصبح شاعراً ولا بارعاً ولا إصلاحياً، لقد أصبحت صحفياً بنكهة سلفية. قال لي يوماً انه لم يحب الصحافة رغم شغله الطويل في صحيفة الناس بعد وفاة الفقيد حميد شحرة.
 
قبلها كنت اراوح مكاني بين دروس الإصلاح التنظيمية في القرية برفقة الأستاذ عبده شهبين وبين مغرب وعشاء لم أكن افارق درس الرحيق المختوم الذي يلقيه الأستاذ محمد العطاب وهو من السلفيين المتأثرين بفكر الشيخ المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله ومن بعده جماعة الشيخ يحيى الحجوري.
 
بقيتُ أراوح مكاني بين السلفية والإخوان ولم أكن أجد الفارق كبيراً بين التيارين من وجهة نظري فكلاهما يتقاربون في الأفكار باستثناء بعض الخلافات في قضايا ثانوية خصوصا قبل أن يدخل السلفيون موجه الانتقال إلى العمل السياسي.
 
انتقلنا للسكن من القرية إلى المدينة وواجهني حزب الإصلاح وجمعية الحكمة مجدداً.. كان ذلك في قمة الصراع والمناوشات على المساجد بين السلفيين والإصلاح، وأتذكر أن شاباً إصلاحياً سحب المكيروفون من أمام شيخ سلفي أثناء إلقاء خاطرة دينية، وأتذكر أيضا أن شاباً سلفياً سحب إماماً إصلاحياً من منبر الصلاة في أحد المساجد المتنازع حولها.
 
كنا في جامع عمر بن الخطاب ندرس بين مغرب وعشاء في حلقات التحفيظ في ملتقى شباب الدعوة الذي لا يزال حتى الآن يخرج العشرات من الحُفاظ ، ولم نكن نفارق درس الشيخ محمد المهدي يوم الثلاثاء وبشكل مصادف كان درس الشيخ يتزامن مع حلقة الإصلاح التنظيمية الذين اعتادوا عليها تقليداً لدرس الشيخ حسن البنا رحمه الله وكانوا يطلقون عليها "حديث الثلاثاء".
 
بالنسبة للسلفيين فلم أكن أجد حرجاً من التهرب من بعض الدروس واللقاءات لأنهم لا يعملون بروح التنظيم ولا يحاسبون على عدم الحضور، على عكس الإصلاح فقد وجدت نفسي محاطاً بالأغلال داخل هذا التنظيم الذي يحرص فيه على الفرد أشد الحرص، وبالتالي لم أستطع أن أتقبل التقييد على حركتي.
 
كنت أبحث عن فضاء أوسع وحرية غير مقيدة وخروج عن التوجيهات وتكرار النسخ المتشابهة فوجدت نفسي متطابقا مع نهج جماعة الحكمة وسعتها وعدم وجود قيود تنظيمية فيها وكذلك حرية التحرك في نوافذها المتعددة وفوق ذلك أعجبني بساطة مشايخها وحضورهم داخل المجتمع من منظور تطوعي إصلاحي بعيدا عن حضور السياسة والحملات الانتخابية والمهرجانات الجماهيرية، مع أن هذا الأمر لا يوجد عليه مآخذ من وجهة نظري.
 
انتقلت بعدها للدراسة في العاصمة صنعاء وأول ما وطئت قدمي كلية الإعلام لتسجيل القبول واجهني طلاب الإصلاح من اتحاد طلاب اليمن أخذوا أوراقي من دون أن يعرفوني أو أعرفهم سهلوا عملية التسجيل والقبول وقالوا نحن بخدمتك، وما هي إلا أيام حتى وجدتني داخل الحلقة التنظيمية مجدداً ولسوء حظهم فقد استمرت معي مشكلة عدم الالتزام بالتنظيم والسوابق والخلفية السلفية وكان القرار الأخير بالنسبة لي ان شخصيتي لا تتناسب مع تنظيم الإصلاح.
 
في الحقيقة لقد تعلمت من تلك التجربة كثيراً، واستطعت أن أدمج بين التجربتين وأن أكون قائمة علاقات جيدة في الحزب وتعلمت منهم الكثير في الصحافة والسياسة، وعملت في صحف الإصلاح كالأهالي واليقين والناس والعاصمة والخبر.
 
وبالنظر إلى تلك التجربة المدمجة بين كيانين كبيرين، فقد أصبحت حينها في نظر السلفيين إصلاحياً، وفي نظر الإصلاحيين سلفياً، وأزعم أني قد أخذت من الإصلاح ما أجد فيه نفعاً وفائدة وتركت الكثير من الأشياء التي أراها مخالفة للصواب، لكن في النهاية وجدت أرجلي تسير بشكل تلقائي نحو طريق السلفية الوسطية المعتدلة، السلفية التي وجدتها في فكر الكثير من العلماء الفضلاء أمثال الشيخ عمار بن ناشر العريقي والشيخ عقيل المقطري وعبدالله بن غالب الحميري، والشيخ محمد بن موسى العامري والشيخ محمد عيضه شبيبه، والشيخ أبو الحسن المأربي، والشيخ محمد المهدي الذي لا يزال يخوض خلافات وبيانات متبادلة مع بعض الإصلاحيين سببها تراكمات تاريخية قديمة وأفهام شخصية بين الطرفين.
 
في يناير 2014 أسس تيار الحكمة حزباً جديداً أطلق عليه "حزب السلم والتنمية" كنت في عداد المؤسسين لهذا الحزب الوليد وعضواً أساسياً في الأمانة العامة ورئيساً لدائرتها الإعلامية، وكان الحزب نتيجة طبيعية لحجم التغيرات الداخلية في التيار السلفي على المستوى الفكري والمنهجي والتطبيقي ونتيجة لمشاركة جانب واسع من السلفيين في ثورة الشباب السلمية عام 2011م، وبعد حوارات طويلة ونقاشات داخلية تأسس الحزب الوليد ولم تمر سوى أشهر معدودة حتى سقطت صنعاء تحت سلاح الحوثي.
 
اليوم أجدني مقاتلاً في الصفوف الأولى مدافعاً عن الإصلاح في معاركة الوطنية والأخلاقية والوطنية، وناقداً لهم وناصحاً في قضايا السياسة والتحالفات القائمة و بعض التناولات الإعلامية ومعركة التهم المتبادلة ضد السلفيين وغيرهم من القوى الوطنية، وقبل ذلك طريقة الاستحواذ والاحتواء في بعض الأمور الدنيوية.
 
وبعد كل ما حدث من أحداث أجد أن طريق الإصلاح والسلفيين يتجه في خط متقارب في كل كثير من الأولويات والمفاهيم العامة، وفي رأيي المتواضع أن أي تكامل مشترك بين الإصلاح والتيارات السلفية المعتدلة وهي (جماعة الحكمة- الإحسان- الرشاد- النهضة – دار الحديث في مأرب) ضمن برنامج سياسي أو اجتماعي معين سيشكل قوة ضاربة تعكس الوجه الحضاري للمجتمع اليمني، وتؤسس لمرحلة جديدة من التحالفات الاستراتيجية في المستقبل القريب.

التعليقات