من ليس معي فهو عدوي
الجمعة, 28 أبريل, 2017 - 05:38 صباحاً

هو قول ساقط وشعار سخيف، والغريب حقاً أن يرتفع الآن على ألسنة البعض دون خجل وفي عصر يدّعون أنه عصر الحريات والتعددية الحزبية واتساع الفضاء للرأي والرأي الآخر. والأغرب أن يتردد هذا القول مراراً على ألسنة من يسمون أنفسهم بالنخب السياسية التي تزعم أنها تناضل من أجل الإنسان وحريته السياسية والاجتماعية.
 
وشعار كهذا وغيره من المسكوكات اللفظية القائمة على التعصب تسهم - دون شك - في كثير مما وصلت إليه شعوب العالم الثالث من بؤس وتخلف، وفيما أدّى إلى التمزق الروحي والمادي الذي تعاني منه مجتمعاتنا العربية، وما أنتجته في بعض الأقطار من قيادات أنانية مفرطة في ذاتيتها، وبائسة في شعاراتها وأوهامها. «من ليس معنا فهو عدونا» صيحة خائبة ومضللة ولا تكشف عن الموقف الصحيح الذي يقول «أنا لست معك لكني لست عدوك، ويجمعنا العمل المشترك في محاربة التعصب والفساد والظلم وهي مساحة تكفي لتجعل ما لا يحصى من الناس الذين يظنون أنهم أعداؤنا هم في واقع الحال شركاؤنا في المواقف الجادة والمصير الواحد».
 
من حق أي إنسان أن يختار الطريق أو المنهج الذي يقوده إليه تفكيره، في إطار الحريات المكفولة، وليس لأيٍّ كان أن يعترض على اختياراتنا أو نعترض على اختياراته، ولا حق لنا في فرض وجهة النظر التي نلتزمها أو أن يكون له مثل هذا الحق الذي يجعله يرى في الآخرين خصوماً وأعداء إذا لم يقبلوا بوجهة نظره لما في ذلك من عدوان على خصوصية الإنسان الحر، وعدوان على حقه في أن يختار النهج الذي يريد.
 
وفي استطاعة كل شخص أن يكسب الآخرين إلى صفه من خلال مواقفه وسلوكه وأسلوب تقديم منهجه إلى الآخرين بعيداً عن افتعال الخصومة والتشكيك في النوايا، ومن هنا، من هذا الموقف البائس فقدت الأحزاب العربية والتاريخية منها خاصة حضورها الفاعل، وبدلاً من أن تتفرغ لخدمة المجتمع ومتابعة الإصلاحات المطلوبة تفرغت لخلق مزيد من التشظيات والخلافات في داخلها وفي داخل الأحزاب المنافسة، الأمر الذي أفرغ جهودها جميعاً وجعلها في وادٍ وقضاياها الأساسية في واد آخر.
 
لقد تحوَّلت الأحزاب العربية -كما تطبق في الوطن العربي- من قوى سياسية اجتماعية تسعى إلى التنافس في تطوير المجتمعات والارتقاء بها إلى التنافس المدمِّر فيما بينها، ولم يعد التخلف والفساد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي هو العدو، إنما الأحزاب التي تقاوم هذا التخلف هي الخطر الأولى بالمقاومة والتغيير.
 
وهكذا تساقطت الأحزاب الواحد بعد الآخر في سلسلة من المواقف التراجيدية بالغة السوء والمأساوية. وكان ذلك هو مصيرها الطبيعي، كما أرادت لنفسها وخططت له منذ بداياتها المغلوطة والقائمة على حب الانفراد بالسلطة والتعالي والاستعداء والاندفاع في ابتكار الخلافات والاستغناء عن الحوار واحترام الآخر، وهو ما أدى إلى صراع لا يقتصر على الكلام والتراشق بالألفاظ الحادة وإنما بالأسلحة والأسلحة الثقيلة، كما حدث هنا وهناك من أرض العرب الطيبة المنكوبة.
 
وكأني بالذين يأملون أن تصلح هذه الأحزاب من حالها بعد هذا الركام الهائل من الإشكالات، كأني بهم يحاولون المستحيل وينفخون في القِرَبِ المقطوعة.
 
نقلا عن الخليج الاماراتية

التعليقات