ترسم الصين بهدوء ملامح وخطوط نفوذها من خلال مشاريع ستغير قواعد النظام الاقتصادي العالمي، خلال السنوات المقبلة، ضمن "إستراتيجية الحزام والطريق"، الذي أطلقها الرئيس الصيني في 2013..
ولعل أبرز مشاريع هذا الاستراتيجية هو مشروع "طريق الحرير" ومشروع "الممر الاقتصادي مع باكستان" الذي يصب إلى ميناء غوادر الباكستاني المطل على بحر العرب، والذي ظل تحت النفوذ العماني لما يقارب 200 عام..وهذا المشروع الذي بدأ العمل فيه نهاية 2015 من شأنه أن يجعل من باكستان (الدولة النووية) نمرا آسيويا جديدا، ومركزا اقتصاديا، لإنها محاطة بعدة دول لا تملك منافذ بحرية كافغانستان وبقية جمهوريات آسيا الوسطى، حيث سيربطها بطرق جديدة سريعة وخطوط سكك حديدية وأنابيب لنقل الطاقة... وسيكون ميناء جبل علي الإماراتي من أكبر المتضررين من تطوير ميناء غوادر، لذلك دعمت الامارات وحاولت منذ عام 2014 إسقاط نواز شريف، عبر دعم اعتصامات واحتجاجات المعارضة الباكستانية، لكن جهودها باءت بالفشل..قبل ان يعزل الرجل الجمعة الفائتة بحكم قضائي على خلفية تهم فساد..
أما "طريق الحرير التاريخي" الذي تعهدت الحكومة الصينية أن تجعل منه واقعاً خلال سنوات قليلة، والذي سيربط أوصال العالم ببعض، بسكك حديدية عابرة للقارات، لنقل مستوعبات بضائعها وتجارتها براً، من شأنه أن يرسم خريطة جديدة للعالم، وسيوثر سلباً بالتأكيد على كل الموانئ والممرات العربية وخصوصاً المستفيدة من تجارة الترانزيت الصينية الهائلة عبرها.
وطريق الحرير، هو طريق تاريخي كان يربط الشرق بالغرب، عبر وسائل نقل قديمة وتقليدية، وتحديدا بين القرنين السادس عشر والثامن عشر..وكانت المدن العربية كبغداد وحلب وطرابلس والبصرة من محطاته الرئيسية في تلك الحقبة..
مايحفز الصينيين لهذا المشروع الذي لو نجح سيغير وجه العالم، بأسره، هو الطموح والرغبة في السيطرة على العالم اقتصاديا، وكذلك تحكم الولايات المتحدة الأمريكية بالتجارة البحرية عبر حمايتها، في المحيطين الهادىء والهندي وفرض قوانينها، وبالتالي تستطيع معاقبة الصين وعزلها عن هذا التجارة متى أرادت..كما كان يفعل الأوروبيين مع العثمانيين
كما ينهمك جيراننا العمانيين بالشراكة مع الصينيين منذ عام ونصف على إنجاز مشروع عملاق سيمثل جزء كبير من مستقبل سلطنة عمان الاقتصادي، وهو مشروع منطقة "الدقم" الاقتصادية الصناعية المطلة على بحر العرب، والمسار البحري للتجارة الدولية..
هذا المشروع الحيوي بمينائه الذي يجري العمل عليه لا يمثّل مفتاح نهضة سلطنة عمان المقبلة فحسب، بل يمثل مدى الرؤية العمانية واستفادتها من موقعها الاستراتيجي..وربما يتحول إلى مصب للنفط الخليجي في المستقبل..ففي الماضي كانت الولايات المتحدة وكذلك السعودية ترى في موقع اليمن على البحر العربي والمحيط الهندي والبعيد نسبيا عن مضيق هرمز وعن مضيق باب المندب أي سواحل حضرموت وشبوة منافذ ملائمة لصب النفط الخليجي وربما كان الآن مشروع قائم لو كانت السلطة في اليمن محترمة..الآن وبعد المشروع العماني في الدقم القريبة لصلالة والمطل على البحر العربي فمن المستبعد التفكير بمشروع كهذا في اليمن..
كما أن أحد أبرز اسباب عدم انهيار الاقتصاد السوداني خلال الفترة السابقة من الحظر الامريكي المفروض على السودان، كان بسب التعاون الكبير مع دولة الصين، ومساهماتها الكبيرة في استخراج النفط السوداني وتمويل عدد من المشاريع الاقتصادية في مجالات مختلفة..
وفي جيبوتي نمو وإزدهار كبير، تقف خلفه الصين، وخلال سنوات قليلة ستصبح أحد أهم الدول الأفريقية إذا لم تكن الأهم، لموقعها الاستراتيجي عند مدخل عدن..وباب المندب، أحد الممرات البحرية الأكثر استخداما في العالم بين المحيط الهندي وقناة السويس..
في جيبوتي تعمل الصين على بناء أكبر منطقة للتجارة الحرة في إفريقيا وتشيد البنية التحتية لهذا البلد الذي لا يتجاوز تعداد سكانه المليون، مطارات وموانىء وفنادق، حيث سيكون لها أكبر مطار في افريقيا تم البدء في بنائه منذ عام 2015 على أن تبدأ تشغيله في 2018..
بالإضافة إلى أن الصين تبني 6 موانىء متخصصة، (للمعادن، المواشي، النفط، الغاز)، كما أقامت قاعدة عسكرية..كما أبرمت جيبوتي مع الصين أيضا اتفاقية تقضي بتنمية التعاون بين البلدين وجعل جيبوتي مركزا ماليا على المستوى الإقليمي..