صانع أوجاعنا يحتفي !!
الأحد, 20 أغسطس, 2017 - 08:22 مساءً

علي عبدالله صالح ، حكم هذه البلاد مدة زمنية نيفت الثلاثة عقود ، ومع طول الفترة لا يريد الرجل الرحيل الامن الذي يجنبه مال الرؤساء مبارك وبن علي والقذافي .

 السنوات الخمس الفارطة ، كشفت وبجلاء حقيقة السلطة المطلقة باعتبارها مفسدة مطلقة ، فتصرفات صالح التالية لتوقيعه على مبادرة ، منحته الحصانة واتباعه من المساءلة ، تؤكد وتبرهن بان السلطة مكسبا ومغنما عظيما ، وليس مغرما ، مثلما حاول الرئيس الأسبق مرارا وتكرارا ظ ، تسويق ذاته ككبش فداء اتى برجليه الى مقصلة الحكام .

تخيلوا حاكما ظل رئيسا قرابة عقود اربعة ، وكل مؤهلاته لا تزيد عن افساد الحياة السياسية ، وتدمير ممنهج ليس للدولة ومؤسساتها وتشريعاتها وقوانينها وانظمتها فحسب ، وانما امتد هذا التخريب لكل شيء ، الاحزاب والاعلام والقيم والافكار والاخلاق والثقافة ، وحتى الاعراف والتقاليد القبلية الاصيلة التي لم تسلم من عبثه .

نعم ،اذا كان هنالك من نجاح للرئيس المخلوع ،فهو نجاحه في افساد الحياة السياسية ، وتدمير عرى ووشائج المجتمع اليمني الذي ظل حصينا وموحدا في زمن الاستعمار الاجنبي ، وفي كنف الدولتين الشطريتين . 

كما ونجح الرجل في مهمتين اساسيتين ، الاولى انه اعتمد مبدأ التآمر كطريقة للإيقاع بمناوئيه السياسيين وطنيا واقليميا ، فيما المهمة الاخرى قدرته على شراء الموالين واستقطابهم ، وذلك من خلال إغداقهم بالهبات والعطايا والمناصب ، وهذه جميعها اسباب وجيهة لتدمير حرية أي شعب وفق منظور وفلسفة " بلوتارك " .

صعوده إلى سدة الرئاسة ، كان بمؤامرة ومكيدة خبيثة ، وعلى رجل نبيل عصامي كإبراهيم الحمدي ، الرئيس المحبوب النزيه الذي من مساوئه الفادحة والكارثية انه رفع ورقى الضابط الخطأ . قفزة او قولوا وثبة عالية نقلت صالح من قاع الهامش الى فضاء الظهور والبروز ولأول مرة وعلى حساب قيادات عسكرية ومدنية اختلفت وقتها مع الرئيس الحمدي وثورته التصحيحية التي كانت غايتها سامية ، تمثلت بتطهير الجيش من القيادات القبلية ذات الولاء القبلي الضيق .

وكوجه كالح وبدن منهك هزيل وعقل لا يفقه الا حبك المكايد وصناعة الازمات وانفاق المال العام ، قدر لصالح تجاوز طابور طويل من القيادات العسكرية او المدنية المعروفة في الساحة الوطنية .

صنع المؤتمر الشعبي العام ، كتنظيم هلامي مطاطي زئبقي ، بهدف احتواء خصومه واستقطابهم الى كيانه السياسي ، العجيب الغريب بكونه جامعا لفسيفساء الافكار والايديولوجيات والرؤى السياسية والدينية والقبلية والتي قدر لها نظريا الاتفاق والتصالح على موائد ومكرمات ومغانم الرجل المعجزة الجامع لها تحت سقف واحد وقائد واحد .

اتفاق اعلان دولة الوحدة لم يكن ايضا سواء مؤامرة سياسية اثبتت التجربة الممارسة التالية ليوم 22 مايو 90م ان الرئيس الأسبق وقعها ليس اقتناعا بمضامينها النبيلة او باعتبارها غاية اصيلة وعادلة ستدخله التاريخ السياسي من بوابته الواسعة ، وانما مثلت الوحدة وسيلة للبقاء والاستئثار بالحكم . 

ليس هذا فحسب ، فحتى مبادرة الخليج التي صيغت في الاساس لأجل انتقال امن للسلطة ، ولطالما تباهى الشخص بكونه هو من اعد بنودها ، ومع كل ما قيل وسيقال عن مبادرة الخليج ، لم تسلم بنود المبادرة من التفخيخ لمضامينها ، فبدلا من تحقق الانتقال السياسي المرحلي المزمن ، رأيناها تبقي على صالح كزعيم لتنظيم المؤتمر الشعبي ، بل واكثر من ذلك اذ انه ولأول مرة في التاريخ يخرج حاكم من السلطة ليعود اليها كرئيس على الرئيس الخلف .

المؤتمر الشعبي العام المحتفى به اليوم بذكراه الخامسة والثلاثين – 24 اغسطس 1982م – هو ذاته  المؤتمر الذي اريد له ان يكون تنظيما خاصا بالرئيس وحاشيته ، بل انه المؤتمر الذي طالما استخدمه صالح كمطية لركوب السلطة وكذا لإخضاع خصومه واجبارهم على الانضمام له كتنظيم جامع لكل الفرقاء المناوئين لحكمه .

سينجح صالح بما يملكه من مال ، ومن شبكة علاقات مصلحية فاسدة ،في حشد انصاره الى ساحة السبعين .

 طبعا هذا النجاح ما كان سيتحقق لصالح واتباعه لولا عاملين اثنين ساعداه على الظهور ثانية ، العامل الاول كامن بحلفائه الحوثيين الذين فشلوا في اثبات ذاتهم كحركة سياسية هدفها بناء الدولة والقضاء على منظومة الفساد ، على اعتبار ان اسقاط حكومة التوافق حينها كان منطلقه الاساس اسقاط الجرعة ومحاربة الفساد .

اما العامل الاخر فيتمثل بضعف السلطة الشرعية وحلفائها الداعمين لها ، ففشل السلطة الشرعية ودول التحالف في القضاء التام على قوى الانقلاب وبطرفيه الحوثي وصالح بدوره ساهم في عودة الروح الى راس النظام السابق " صالح " ، فلولا هذين العاملين المهمين لكان الرجل الان اما ميتا او سجينا او منفيا او على الاقل في مصحة نفسية يعالج فيها أمراضه المنهكة والمثقلة لكاهل اليمنيين التواقين رؤية وطنهم وقد تحرر قولا وفعلا من صالح وتنظيمه ومهرجاناته وخطبه ومكايدة وحتى جنونه ..

التعليقات