غياب المثقف
السبت, 16 سبتمبر, 2017 - 07:41 مساءً

حين تواجه الدول أقدارا قاسية وتحولات صعبة وتصبح على حافة الانهيار والانزلاق نحو فوضى لا حدود لها ويغيب دور المثقف أو يصبح دورا سلبيا فإن خللا جسيما قد أصاب البنية الثقافية وأحال النخبة الى عاهات في جسد المجتمع المنهك.

المثقف الذي يسقط في مستنقع الايدلوجيا وينجر وراء العصبيات ويتنكر للانسان والوطن أو ينتفخ ويتعالى على عامة الناس يُصبح تلقائيا مثقف يحترف العهر .

في المجتماعات التي تحترم وجودها وكينونتها لايمكن أن ينحدر مثقفوها بها للهاوية حتى حين تكون على الحافة لأنهم يدركون أن بقاء الثقافة كقيمة حضارية مرهون ببقاء المجتمع وقيام الدولة وسيادة القانون والقيم والأخلاق لذلك يحرصون على أن يكون دورهم الأهم هو تعزيز هذه المبادئ والأخلاقيات في الواقع والمحيط .

أما حين تصبح النخب الثقافية عبارة عن مرتزقة ومأجورين في مجتمع مأزوم وملغوم بالصراعات الايدلوجية والفكرية والعنصرية فإن الدولة ستكون أضعف من كل العصابات التي يعمل معها ولها هذا المثقف العاري من كل معاني النبل وقيم الانسانية .

في الوقت الراهن ومع وجود توكنولوجيا الفضاء المفتوح أصبح كل مثقف منفوخ ومنحرف مكشوفا للرأي العام بعد أن ظل يمارس دور الرجل الحكيم والنبيل لزمن على المواطن العادي .

في الشارع العام سيكون المواطن البسيط على موعد مع المثقف المغرور ولأن الأول أصبح مواكبا للحياة العامة وتفاصيلها عبر المواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي وصار مدركا لأبعاد ماكان يدور في كواليس المطابخ الاعلامية والسياسية والثقافية فإنه سيحتقر أو ربما يبصق في وجه هذا الدعي الذي ظل يمارس دور المصلح بينما هو في الواقع يبيع الزيف ويعمل لحساب عصابات ومافيا الحياة .

ولعل متابعة ما يجري في واقعنا من انكشاف لمثقفين بالغوا في المزايدة بالوطنية والمثالية وادعاء الحكمة حد القرف ومع أول اختبار لهم سقطت ورقة التوت عنهم وأصبحوا عرايا من الاخلاق في نظر المجتمع بعد انحيازهم لمشاريع صغيرة وحقيرة على حساب بناء الدولة وسيادة القانون ومصلحة الوطن .

لا مبرر لمثقف يتبنى فكر جماعة شاذة عن المجتمع تدعي الحق الإلهي في التسلط و تعمل على تقويض الكيان الوطني ممثلا في الدولة مهما كانت هذه الدولة فاشلة وساقطة وبلا أخلاق و شرف , وبدلا من أن يكون المثقف أداة ضغط على الدولة بنشر الوعي وكشف الخلل وإقلاق منظومة العبث بكل الأدوات التي يمكلها سواء كان أكاديميا أو شاعرا أو صحفيا أو مفكرا فإنه وللأسف صار داعية حرب ومنظرا للعنف ومبشرا بانهيار المجتمع وبالحروب الطائفية مالم تصبح عصابته هي الحاكم المطلق .

قبل أيام كنت مع أحد أصدقائي الشعراء نتبادل الحديث حول المشهد الشعري كنموذج لتردي المشهد الثقافي عموما وكلما توقفنا عند شاعر وجدناه أبعد عن الوطن والانسان وأقرب لعصابة من العصابات التي تعبث بهذه البلاد من مختلف الانتماءات .

بالتأكيد هناك شعراء فوق كل انتماء وأكبر من كل أيدلوجيا ولكنهم أقلية مخنوقة في بيئة تعج بالمتزلفين وأبناء بطائق الائتمان والدفع المسبق .

وفي المقابل فإن آخرين يلوذون بالصمت ويتهربون من المواقف ويزعمون الحياد وهؤلاء ينتظرون مآل الأمور ليختاروا مع من سيكونون وهم في الواقع أسوأ المثقفين ..

يقول مارتن لوثر " أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهولاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة " .
أعتقد أن الاستحمار الثقافي هو أن تكون على دراية بما سينتج عن الفوضى من حولك وأنت تلتزم الحياد أو تتنتمي للكائنات اللزجة التي تتكاثر في المستنقعات .

لا تحتاج المجتمعات الى مثقف مثالي أو مستلب أو ضعيف ولا الى أولئك المتحولون والممسوخون الذين يسقطون تحت أقدام الأقوى أو يقدمون الانتماءات على الوطن .

المجتمعات القابلة للحياة تحتاج الى مثقف لا يصالح السلطة ولا يعادي الوطن ولا يوالي الفوضى او ينتمي اليها .

وفي الأخير أتمنى أن يتحرر المثقف من كل القيود ويتجاوز كل الصعوبات ويكون بحجم التحديات التي تواجهها البلاد دون أن يكون تابعا أو مستلبا أو خانعا لأحد مهما كان قويا ونافذا فالأقدار هي من تصنع مصائر الرجال على حد قول الكاتب والروائي محمود ياسين.

من حائط الكاتب على فيسبوك

التعليقات