كثيرة هي الأفكار التي تتحول إلى مشاريع حقيقية في الحياة.. وكثيرة هي الأفكار التي دارت بخلد أناس وكانت في نظر الكثيرين أحلاما بعيدة المنال هي اليوم واقع معاش وفكرة تمشي على الأرض،
بعد أن كانت حديثا خافتا لنفس صلبة، وأصبحت في إحدى تجلياتها كما قال أبو الثوار الأحرار محمد محمود الزبيري:
إن الأنين الذي كنا نردده سرا... غدا صيحة تصغي لها الأمم
وليست ببعيد عن ذلك أحلام جيل الثورة.. الذين حلموا في الغرف الصغيرة والبدرومات والقبو بأفكار كانت كبيرة في حقيقتها، وأصبح "البوست" الذين كان يكتب في محلات الإنترنت خفية ضد نظام صالح بات اليوم قناة ترفد ملايين اليمنيين بمستجدات الشأن السياسي وباتت صوتا مهما لليمنيين،
لاسيما في هذه المرحلة التي مثلت فيها القناة رافعة إعلامية للجيش الوطني والمقاومة الشعبية في ظل شتات وضعف قوى الشرعية الوطنية على مستوى الجبهات، وفي ظل تفكك قوى ثورة فبراير،
كما أنها صوت مئات الآلاف من المقهورين والنازحين ومن يعيشون على هامش الحرب، تنقل تفاصيلهم وأناتهم، وأوجاعهم.. تنقل عزمهم، ترافق حياتهم، تنقل صور أبناء عدن في شوارعهم وأبناء تعز وهم يكسرون حصارهم، وهم يصنعون من الجبال ممرات لنجدة أبناء المدينة الذين تمدد جلدهم على خارطة الجغرافيا الوطنية.
هكذا بدأت الأفكار الكبيرة.. كان الزبيري قبل أكثر من نصف قرن مع قلة قليلة ممن يؤمنون بالحرية في زمن يتجه إجباريا نحو التقسيم الطبقي والجهل المتعمد..
في نظر الكثيرين كانت الحرية والجمهورية وحكم دستوري وغيرها من المصطلحات التي خلدتها ثورة سبتمبر فوق الخيال وأبعد من السماء الثامنة.. كان ذلك الحديث يدور سرا في واقع كل ما فيه ينطق
باسم الإمام يحيى حميد الدين الذي تشيع له كل شيء حتى الحجر كما يقول الزبيري، لكن الأفكار التي سكنت نفوسا قوية غادرت العتمة لتولد في النهار، أمام مرأى ومسمع من العالم.
اليوم لدينا قناة باسم اليمنيين.. قناة تقض مضجع المخلوع صالح وترفع الصوت المدني عالياً، وتنحاز لقيم الإنسان والذات اليمنية.
تذكرت هذه الخواطر بعد أن اتصل بي أحد أصدقائي في تعز، ليقول لي إننا هنا في المدينة نستدين قيمة البترول لنشاهد قناة بلقيس.