سرقة الحضارات.. اليمن نموذجاً
الجمعة, 09 فبراير, 2018 - 12:16 صباحاً

الملاحظة التى لم نتوقف أمامها طويلاً هى أن كل دول المنطقة التى أصابتها لعنة الهرج والمرج والمواجهات الدامية تحت أى اسم، سواء كانت ثورات أو انتفاضات أو دماراً وخراباً، كانت جميعها من الدول صاحبة التاريخ والحضارة، على غرار العراق وسوريا واليمن وحتى ليبيا، إذا اعتبرنا أن مصر قد حفظها الله سبحانه وتعالى من هذا الكابوس، رغم ما شهدته ومازالت تشهده من بعض المنغصات، بما يشير إلى أن الفوضى الخلاقة المعلن عنها صراحةً استهدفت التاريخ والحضارة بشكل خاص، لذا كانت الآثار العراقية هدفاً أمريكياً، وليس احتياطى الذهب أو النفط فقط، فقد تمت سرقة آلاف القطع الأثرية، معظمها وصل الأراضى الأمريكية، والبعض الآخر مازال فى أيدى التجار ببعض عواصم المنطقة.

على الجانب الآخر، كانت الآثار الثابتة- إن صحت التسمية- غير القابلة للنقل هدفاً لتنظيم داعش، تم محو بعضها من على وجه الأرض، وتشويه البعض الآخر، فى الوقت الذى كانت فيه الآثار السورية هدفاً للقصف الأرضى والجوى من القوات الأجنبية بمختلف ألوانها، الروسية والأمريكية بشكل خاص، وحتى من الفصائل المسلحة التى من المفترض أنها سورية بالدرجة الأولى، حتى وإن كانت تضم مسلحين أجانب من هنا وهناك، فى الوقت الذى شهد فيه عام ٢٠١١ على أقل تقدير عملية تهريب غير مسبوقة للآثار المصرية، حيث تحدثت التقارير الرسمية فيما بعد عن اختفاء نحو ٣٤ ألف قطعة من المخازن، بخلاف ما لم يتم تحديده.

الآن وفى هذه اللحظة، يمكن أن نقول صدّق أو لا تصدّق، حضارة اليمن يتم نقلها على مراكب وطائرات، الآثار، الشعاب المرجانية، الخناجر، السيوف، الطيور النادرة، كل ما يتعلق بالتاريخ والتراث، حتى الأشجار المعمرة، ناهيك عن شراء العقارات والأراضى، خصوصاً فى تلك الجزيرة (سقطرى) المكونة من ٦ جزر على المحيط الهندى، قبالة سواحل القرن الأفريقى بالقرب من خليج عدن على بعد ٣٥٠ كلم جنوب شبه الجزيرة العربية.

الجزيرة تم تصنيفها كأحد مواقع التراث العالمى فى عام ٢٠٠٨، ولُقبت بأكثر المناطق غرابة فى العالم، كما صنفتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية كأجمل جزيرة فى العالم لعام ٢٠١٠، نظراً للتنوع الفريد والأهمية البيئية لها وانعكاسها على العالم، تبلغ مساحة الجزيرة نحو ٣٦٥٠ كلم مربعا، بساحل إجمالى ٣٠٠ كلم، ويبلغ طولها ١٢٥ كلم، وعرضها ٤٢ كلم، كما يبلغ عدد السكان هناك نحو ١٧٥ ألف نسمة.

الرئيس اليمنى عبدربه منصور هادى يبدو أنه قد فطن لذلك متأخراً، أصدر قراراً نص على وقف التصرف بأراضى وعقارات الدولة اليمنية فى مختلف المحافظات المحررة، تحت أى ذريعة أو اسم، إلا عبر الجهات المخول لها قانوناً وذات الاختصاص، ممثلة فى الهيئة العامة للأراضى والتخطيط العمرانى، وطلب الرئيس اليمنى من رئيس الهيئة العامة للأراضى الإسراع باستكمال دراسة الخطة الاستراتيجية لجزيرة سقطرى تحديداً، والتى تكفل الحفاظ على أراضى الجزيرة بمحمياتها المختلفة، وإيقاف أى تصرفات فيها تحت أى اسم.

إلا أن هذا القرار كما يبدو جاء بعد خراب مالطا، ذلك أن التقارير تشير إلى أن الحضارة اليمنية خضعت لعملية ممنهجة من التدمير والنهب فى آن واحد، أصبح واضحاً أن هناك بعض الأنظمة تسعى إلى محو هذه الحضارة، وأنظمة أخرى تسعى إلى إنشاء حضارات مصطنعة من خلال حضارات الآخرين الموغلة فى القدم، الشعب اليمنى لم يعد يلتفت إلى التاريخ بقدر البحث عما يسد به الرمق، لم يعد منتبها لحضارته بقدر البحث عن علاج أو دواء للأمراض المستشرية هناك، وفى مقدمتها الكوليرا التى أصابت نحو مليون شخص على الأقل.

حسناً فعل الرئيس عبدربه منصور، إلا أن السؤال هو: هل يستطيع المسؤولون فى اليمن تنفيذ مثل هذا القرار أو هذه التوجيهات، فى ظل عدم وجود سيطرة على الأرض، حيث وجود ما يسمى قوات التحالف؟ بالتأكيد لا، وهو ما يجعل القرار عديم الجدوى، إلا أنه بدا واضحاً أن هذا القرار قد أزعج بعض القوات هناك، ذلك أنه فى أعقاب صدوره، قرأنا خبراً يجب التوقف أمامه، وهو أن طائرات التحالف قصفت (بالخطأ!!) رتلاً عسكرياً لقوات الرئيس اليمنى، مُوقعةً قتلى وجرحى، ثم توالت الأخبار المشابهة، بما يعنى أن صدور القرار فى حد ذاته كان مغامرة.

كنت أود مناشدة الدول العربية التى لم يصبها الدور فى الفوضى أن تحمل على عاتقها حماية آثار أو تاريخ المنطقة بشكل عام من العبث والسرقة والتدمير، ذلك أن هذا التاريخ بمثابة رصيد استراتيجى لكل دول المنطقة، إلا أنه للأسف سوف نجد بعض هذه الأنظمة متورطة حتى النخاع فى هذه الكارثة الأخلاقية والإنسانية، بما لا يجعل الدعوة ذات معنى، كنت أتمنى مناشدة المنظمات الدولية، وفى مقدمتها الأمم المتحدة واليونسكو، إلا أنها للأسف أيضاً لا تستطيع أكثر من إصدار بيانات وتقارير، وقد فعلت ما بوسعها، كنت أتمنى مناشدة الضمير العالمى، لكن بدا واضحا أنه لم يعد له وجود.

كل ما نستطيع فعله هو التنبيه إلى أن الهدف هو الحضارات، وفى الوقت الذى كنا نعتقد فيه أنها الأزمة النفسية للدول حديثة الاكتشاف، كالولايات المتحدة الأمريكية، وجدنا أنها أيضاً أزمة الأنظمة حديثة التكوين بالمنطقة، وهى الطامة الكبرى!!.

*نقلا عن المصري اليوم.

التعليقات