عندما سرني مصطفى الجبزي بوضعه المتردي جراء عمله كدبلوماسي نزيه في سفارتنا ببارس، قلت له حاول أن تتخلص!
بدافع الصداقة التي تزيد عن عقد من الزمن، وبدافع الزمالة في النضال من أجل الحلم الجمعي منذ 2011، نصحته بأن يبحث له عن مخرج مؤقت كأن يستفيد من علاقاته ولغته في البحث عن فرصة عمل، أو أن يقدم لجوء كمخرج إجباري حزين لكنه ملائم للشرفاء في زمن بلا شرف.
قلت له: أنت بإمكانك وسمعتك لست مؤهلا للعمل مع مجموعة "مرتزقة" بالمعنى الشعبوي الأدق.
هذه الكلمة لم أكن أذكرها هنا لولا علمي أن عدد من المعينين في السلك الدبلوماسي مؤخرا، بعضهم سفراء وآخرين ملاحق، ليس لديهم أي مؤهلات سواء أنهم خرجوا من دائرة واحدة !
في زمن بلا شرف وشرعية بلا معايير وضوابط، يستطيع مسؤول كبير في رئاسة الوزراء أن يعين قريبته سفيرة، ويستطيع موظف كبير في مكتب جلال هادي أن يعين صديقته هو الآخر، وبالمقابل يتغاضى وكيل كبير لأنه سيوظف شقيقة زوجته، ووزير آخر مرتبط في الدائرة يعين قريبه وآخر من خريجي مقيل ابن الرئيس النؤوم يضمن إسم قريبته، وأخيرا الوزير المعني يضطر أن يسكت لأنه حجز مكانا لأولاده الأربعة.
بالمحصلة، ليت هذا العبث كله أنتج شيئا يذكر للقضية اليمنية في مواجهة الانقلابيين، بالعكس، لم يقوى هذا "السكس الدبلوماسي" سوى على إدارة ملفات أعضائه الساخنة، أو لنقل استثماراتها وصفقاتها البينية.
إذ أن الفساد في الخارجية اليمنية واحد من أهم ملفات الفساد بعد فساد الجيش وقد تكفل الزميل نبيل الأسيدي ومعه آخرين بتعرية ما أمكن تعريته خلال الفترة الماضية.
مصطفى الجبزي واحد من أكفأ الدبلوماسيين اليمنيين، ويتفوق حتى على سفيره الذي خرج حين ترك كرسي الخارجية، بمبلغ خرافي دفع أحد المسؤولين السعوديين للاعتقاد وعنده حق، بأن المسؤولين اليمنيين جميعهم مرتزقة.
لمصطفى الذي يتقن الفرنسية، دائرة علاقات واسعة، ولديه تشبيك مع مراكز بحثية ومع منظمات دولية، وغير مرة جمعتنا منصة واحدة في جنيف، نتحدث للعالم عن آهاتنا الجمعية.
مصطفى واحد من جيلنا الذين يؤمنون بعدالة القضية، يحلمون باليمن الجديد المعافى من تركة صالح، تلك التركة التي تفوقت عن تاركها، في الفساد وفي العمل ضد اليمن واليمنيين.
منذ تسعة أشهر يعمل مصطفى بلا رواتب، ويوعد كباقي الموظفين الذين انتهت فترة عملهم ويحق لهم التمديد في ظل الوضع غير الاعتيادي، لكنهم يكابدون الظروف الاقتصادية المتردية، وقد سمعت من زملاء لمصطفى يعلمون في دول أوروبا أيضا نفس المعاناة.
القصة المؤلمة أن عائلة الصديق مصطفى تعاني ظروفا صحية ومادية منذ أشهر ويواجه صعوبات دفع مستحقات المشفى والسكن بينما الشرعية مشغولة بقرارات ترقيات وتعيينات لكائنات على غرار الغباري والشرفي.
يستطيع هادي ورجالاته إن كان ما يزال حوله رجال، أن يستفيدون من هؤلاء بدل من يركنوهم جانبا وقد يستفيد منهم الخصم. وخصوصا غير المحسوبين على أحزاب وليس لهم سند سوى ذواتهم وإمكاناتهم الخاصة.
أعرف الكثير منهم وهم وطنيون وفي صف الشرعية، ولن ينجروا للعمل المضاد، لأنهم يؤمنون باليمن، بأبنائها، ولن يأبهوا للفساد الذي تحرسه عيون الجارة الكبرى في فنادق الخمسة نجوم.