لعنة بالجوار اسمها السعودية
الإثنين, 23 أغسطس, 2021 - 02:32 مساءً

تخيل أن تحيطك اللعنة من كل الإتجاهات، وإن فكرت بالهرب منها فليس أمامك إلا البحر. هذا حال اليمن واليمنيين مع جارتهم الشمطاء المتخمة بالنفط وبالنوايا والأفعال السيئة.
 
قال لي صديق سويسري مطلع على أوضاع الشرق الأوسط ما مفاده: اليمن كانت بمثابة نقطة مضيئة وسط صحراء شبه جزيرة العرب، في إشارة إلى نظامها الجمهوري وديمقراطيتها وسط مجموعة أنظمة رجعية (ممالك وسلطنات وإمارات).
 
قلت له هذا طرحا قديما ومتداولا ويؤدي بشكل أو بآخر إلى ملخص مأساتنا اليوم.
 
فتخيل أن تشعل دولة جارة في بلدك حربا قبل الحرب، تدعم المليشيات المتمردة سرا وعلانية وتأتي بهم من الكهوف، تدعم حلفائهم، وتشجع على عدم المساس بهم حتى يصلوا صنعاء، ثم تدعوا لتحالف عسكري لمحاربتهم، وتدمر آلتها العسكرية كل المنشئات الحيوية من مطارات ومستشفيات ومدارس وطرق وجسور، وفيما تشتد ضرباتها على الأخضر واليابس،  وتتسبب بموجات نزوح كبيرة تغلق أبوابها في وجه العاديين الهاربين من نيرانها، فيما تفتحه فقط للمسؤولين الذين ستجعلهم لاحقا شماعة وسخة تعلق عليهم كل تدخلاتها اللئيمة.
 
مئات اليمنيين ينامون في العراء لأيام في المنفذ الوحيد لليمن مع السعودية، قبل دخولهم أرض الجارة بكل ذل ومهانة أو عودتهم خائبين.
 
في يوليو  2015 بقيت مع رفيق لي لخمسة أيام كاملة في المنفذ، هي أسوا خمس أيام في حياتي.
 
كانت الخطة عبور المملكة لدولة ثالثة، ولم يسمحوا لنا بالدخول طبعا إلا بعد  أن جاء صديق من الرياض إلى المنفذ ليتعهد بأننا لن نبقى في المملكة. ليت الأمر توقف عند هذا. كنت أرى غرور الجنود وتعاملهم الصلف مع العاديين ومع النساء والأطفال وكنت ألعن اليوم الذي وضعنا فيه القدر بمجورة هذه كائنات.
 
استقطبت الجارة جل التافهين من الساسة اليمنيين ومن النخب وعينتهم في مصفوفة إسمها الشرعية، الشرعية التي من المفترض أن تكون عصاة اليمنيين التي يتوكأون عليها في خط سيرهم نحو استعادة الجمهورية.
 
أقدمت السعودية على مسخ هذا الشيء المسمى شرعية، وبمخصصاتها وفلوسها أفسدت الجميع، جعلت الناس تتهافت على الفتات، تدخلت اللجنة الخاصة في تعيينات الوزراء والوكلاء والمحافظين وحتى مدراء العموم.
 
من كان يعرف "بزر" في المخابرات السعودية، جاء بمذكرة أو عبر إتصال لضرورة تعيينه.
شجعت على إفساد رجالات الشرعية، ظلت توزع المخصصات كل على حده. كل نصيبه ليده، الأهم أن يكون لديه من يسنده في اللجنة الخاصة.
 
كل مسؤول لديه مشروع عسكري أو مدني تمنحه السعودية ميزانية دون المرور عبر القنوات الشرعية والرسمية. هذا أضعف دور قيادات الشرعية إلى جانب ضعفها أصلا.
 
لاحقا ستتحول الشرعية كلها إلى مجرد ظل للسفير السعودي. سيتدخل في تعيين حتى رئيس الوزراء، ولن يجرؤ هادي ذاته على تعيين أحد في منصب حساس دون موافقة السفير الجابر. هذه الشرعية وهذا الرئيس الذي جاء مجلس الأمن كله ليجتمع في صنعاء بعد انتخابه كجزء من التعبير عن دعمه، أصبح من الركاكة لأن نخجل أن نقول أن هذا ممثل الشرعية الأول.
 
عوضا عن إفساد رجالات الشرعية وإثرائهم غير المشروع وضجرهم عند الحديث عن حسم المعركة والعودة لليمن، تشجع على تمزيق جبهة الداخل. تكونت مليشيات كثيرة في ظل حمايتها ودعمها وتم تقسيم اليمن  عسكريا وأمنيا إلى كانتونات، وسمحت لحلفاء جائت بهم هي الى العبث والسيطرة على الموانئ  والجزر.
 
في ظلم دعم السعودية تحولت المحافظات التي تسطير عليها الحكومة والجيش الوطني إلى غابة من الفوضى والقتل والتناحر. حتى بات البعض يقارنها بالوضع في المحافظات التي تحت سيطرة الحوثي والتي تعد أقل سلبية وسوءا مما في مناطق الشرعية.
 
السعودية التي بدأت تضايق المغتربين اليمنيين وتقوم بترحيلهم في اوضاع كهذه هي ليست إلا عدو متلبس في لبلس حليف.
 
سأني أحدهم كيف تقرأ قرار ترحيل اليمنيين من الحد الجنوبي للسعودية؟
 
قلت له أن السعودية على مشارف اتفاق نهائي مع الحوثي على مايبدو وتفكر بانسحاب كلي من أزمة اليمن بعد أن أرهقتها سياسيا وماليا وعسكريا، ستحمى بالتالي حدودها وتحول مناطق الحد الجنوبي إلى مناطق عسكرية رغم الاتفاق المفترض مع الحوثي، وبالتالي درءا لأي خيانات/اختراقات قادمة مفترضة أيضا، ستجتث كل ما هو يمني من تلك المناطق.
 
أمر آخر له بعد إقتصادي فالسعودية تفكر بأن عوتهم لليمن سيضغط على الحوثي إقتصاديا وسيجعل الجماعة مشغولة بمشاكلها مع المواطنين.
 
أضغفت السعودية الشرعية حتى وصلت لقناعة ان هذه التي تدعمها أثبتت ضعفها وستبيعها في أقرب فرصة وقد تشجعها تجربة أمها أمريكا مع حكومات أفغانستان الفاسدة والركيكة والتقرب من مليشيا دينية كطالبان.
 
الجارة المتكرشة أيضا ستفكر بالتقرب من خصم قوي خير من حليف ركيك وفاسد، أرهقها دون تقدم على الأرض.
 
الشرعية وأفرادها بالمقابل يخافون أن يفصحوا عن الحقيقة، ويقولون أن كل تأخر في الحسم العسكري إنما هو مرتبط بقرار غرفة العمليات المشتركة التي تديرها السعودية، ما يعني أن قرار الحرب والحسم سعودي بإمتياز. لكن هذا لا يضرهم شيء طالما وهناك فلوس ومبالغ وإعتمادات لم تتوقف كما أهاليهم ينعمون بجنة الحياة في الشقق والقصور الفارهه.
 
في كل الحالتين سيعود الأمر إن حدث في رمته لصالح اليمن واليمنيين، صدقوني. أنا متفائل. مثلما كانت نسبة النصر على مليشيا الحوثي ممكنة أكثر قبل تدخل السعودية والتحالف.
 
المال السعودي أفسد الجيش والساسة والإعلام، وجعل القبائل نكاية بقبائل أخرى تتسلم مالا سعوديا أن تقف في صف الحوثي، عوضا عن غارات الطيران السعودي والإماراتي، التي بعمد أو بدون قتلت ودمرت وخلفت أحقادا لن تحمى مع الأيام.
 
حين وصلت الشرعية الرياض فتحت لكل أفرداها، كبارا وصغارا، منافذ للإرتزاق والفساد من قبل سلطة متخمة بالنفط والغرور وفاسدة أيضا وتعتقد أن كل شيء بإمكانه أن يحل بالمال.
 
هذا كله شجع على المزيد من الكسب غير المشروع على حساب القضية، طالما وهناك منفذ يدر مالا دون حسيب أو رقيب. تقريبا كل مسؤولي الشرعية لديهم استثمارات وشقق في غالبية عواصم العالم، وحتى حين تتحدث عن عودة لليمن أو لوقف الحرب يتألمون قلقا وهلعا من ذلك إن تحقق.
 
في هذه الجزئية حتما نقطة إيجابية إضافية إن حدث وانسحبت السعودية، لأن الركون إلى شرعية رخوة مسلوبة قدمت كل التنازلات من أجل رضا الحلفاء اللؤماء، كان ومازال علتنا الأولى في هذه الحرب التي يفترض أن يكون الحوثي قد انتهى فيها بعد دخوله صنعاء بعام واحد على الأكثر.
 
لست من كائنات "نظرية المؤامرة" لأن ما نعيشه للأسف هو بسبب نخبنا الفاسدة والهشة منذ زمن، والتي لولاها ما حدث لنا ماحدث ويحدث، لكن الحقائق التأريخية تقول السعودية لم تقف في صف أي مشروع إلا وأفسدت هذا المشروع وانتهى أصحابه بالهزيمة.
 
لقد قاتلت السعودية إلى جانب الملكية بعد ثورة سبتمبر 1962 وفشلت هي والملكية في النهاية،
 
كانت السعودية في صف اليمن الجنوبي في حرب 1994 وشعرت بالغبن عندما وصلت قوات صالح عدن بالتزامن مع وصول شحنة أسلحة كانت قد أرسلتها لعلي سالم البيض.
 
اليوم تقف شكلا في معسكر الجمهورية وهي تدرك في قرارة نفسها أنها بإضعافها للشرعية وتشجيعها للعملاء والمرتزقة واستضافتها للفسدة وتحالفاتها مع الأغبياء وحمايتها لعبثهم في اليمن، إنما تتجه نحو إنهاء مدامك الجمهورية وترسيخ الأمامية والملكية من جديد.
 
 
 

التعليقات