توكل كرمان

توكل كرمان

ناشطة يمنية، حائزة على جائزة نوبل للسلام. رئيسة منظمة "صحفيات بلا قيود"

كل الكتابات
الشرعية والتحالف
الخميس, 02 أغسطس, 2018 - 05:02 مساءً

سنبدأ بطرح هذا السؤال:
 
هل تتطابق أهداف الشرعية مع أهداف وأجندة التحالف من الحرب في اليمن ؟!
 
قراءة سريعة للأوضاع التي أنشأها التحالف في المحافظات التي لم تعد تحت سيطرة الحوثي تقول إن للتحالف أجندته الخاصة التي لا علاقة لها باستعادة الدولة ولا إعادة الشرعية.
 
كل منطقة من تلك المناطق لم تسلم للشرعية، بل سُلِّمت لميليشيات وجماعات مسلحة توالي التحالف ولا تعترف بالشرعية.
 
قوات التحالف وميليشياته هي صاحبة السلطة والسيطرة في تلك المناطق، والشرعية هي الغائب الأبرز عنها، هذا هو المشهد العام تقريباً في كل محافظة من المحافظات التي يقال عنها "محررة".
 
لكن، هل هذه حالة مؤقتة، ستؤول بعدها الأوضاع إلى سيطرة الشرعية كما يُمني البعض نفسه، أم ستترسخ أجندة التحالف وستعمم الحالة على أي منطقة يتم تحريرها من الحوثي مستقبلا وستتلاشى الشرعية في النهاية؟
 
دعونا نُجِب عن هذا التساؤل لنحدد هل هي حالة مؤقتة أم لا، من يحقق أجندة الآخر؟ الشرعية أم التحالف؟
 
الأمر يتوقف على من يقود الآخر؟ هل الشرعية هي من تقود التحالف، فتقود كافة تفاصيل الحرب، وتضع كافة الخطط والسياسات والقرارات، ويقتصر دور التحالف على مساندتها ومساعدتها ؟!
 
أم أن التحالف هو من يقود تفاصيل الحرب، ويتخذ كل القرارات، ويضع الخطط وينفذها، ويقتصر دور السلطة الشرعية على إضفاء صفة الشرعية على أفعال التحالف وما يحققه من أجندة منحرفة على الأرض؟
 
الأكيد أن التحالف هو الذي يقود كل شيء، وتستأذنه الشرعية وكل قواها بكل شيء، بما في ذلك مقابلتهم للشخصيات، وتصريحاتهم لوسائل الإعلام، بل وحتى رسائل الواتساب.
 
واضحٌ إذاً ماهي المآلات في ظل قيادة مطلقة للتحالف وانحراف كامل لأجندته!
 
بعيداً عن الأماني والأحلام والأوهام التي يصر البعض على التعلق بها حتى آخر نفَس، يمكننا رؤية هذه النتيجة التي ستؤول إليها الحرب بوضوح:
 
سيحقق التحالف أجندته في يمن فاشل، دويلات متقاتلة وتحت الوصاية، ولن يتمكن من إسقاط الحوثي في بقية المناطق إذ أن الانقلابيين يستمدون من بعضهم عوامل القوة ومشروعية البقاء.
 
لكن، هل هذه النتيجة البائسة سيطويها شعبنا بعد حين أم سيطول بقاؤها؟
أعتقد أن اللاحق، وبعد أن يشعر التحالف أنه قد حقق كامل أجندته، سيجد نفسه في أتون مستنقع لن يستطيع الفكاك منه إلا بسقوط حكوماته.
 
هذه النتيجة ستبدو كما لو أنها لصالح الحوثي، وفي تقديري أن العكس هو الصحيح فقوى الشرعية ستجد نفسها وقد تحررت من القائد السيء، وهو هنا التحالف، ذو الأجندة والأهداف الضارة والمنحرفة، الذي يتحكم بكل تفاصيلها، لاحقا، وبعد سقوطه سيكون بإمكانها قيادة الصراع مع الحوثي، حتى تفرض خيار دولة جميع اليمنيين كما سبق وأن توافقوا عليها.
 
ستكون المواجهة، حينها، متسلحة بالغطاء الأخلاقي وبالمشروعية الكاملة في مواجهة لاشرعية كاملة، وسيجد الحوثي نفسه بين خيارين، إما الإذعان لمشروع جميع اليمنيين، أو الهزيمة في الميدان أمام جماهير الشعب الرافضة للحكم بالغصب والقهر.
 
هناك من يتبنى هذه الإستراتيجية لاستعادة الدولة اليمنية: إسقاط الحوثي أولاً وبعد سقوطه سنطرد الاحتلال والميليشيات التابعة له ونبسط نفوذ الشرعية.
 
من يقولون هذا مستمرون في دفن رؤوسهم في الرمال، وتجاهل صوت واحد من المجتمع الدولي يقول صراحة وضمنا: بل المناطق التي لم تعد تحت سيطرة الحوثي أولاً، ابسطوا سيطرة الشرعية عليها ثم طالبوا الحوثي بالتسليم طوعا أو كرها، ويضع خطوط حمراء كبيرة أمام اقتحام بقية المدن، ولا يملك التحالف -الذي يقود تفاصيل المعركة - إلا السمع والطاعة للمجتمع الدولي ولا تملكون بدوركم إلا الخضوع لما يقوله التحالف.
 
ستقولون: المجتمع الدولي متواطئ مع الحوثيين.
 
وجهة النظر هذه غير صحيحة، فالمجتمع الدولي أعطاكم أكثر من سبعة قرارات دولية ضد الحوثي، وضد معيقي العملية الانتقالية، والتحالف حين أعلن تدخله كان يفعل ذلك بتفويض ضمني من مجلس الأمن لتنفيذ قراراته، لكن التحالف وعوضا عن إسقاط الانقلاب وإعادة الشرعية استنسخ منقلبين جُدُد وكُثُر، ومكَّن نفسه وميليشياته بدلا عن الشرعية!
 
بعد كل ذلك، ليس بإمكان المجتمع الدولي الاستمرار بالقول: استمروا فأنتم تعيدون الشرعية وتنتصرون للمشروعية، المجتمع الدولي لا يتقاضى راتبه من اللجنة الخاصة وليس موظفا مع الهلال الأحمر الإماراتي.
 
أصحاب منطق إسقاط الحوثي أولاً فريقان، منهم فريق يقوله بخبث وسوء نية يعملون لصالح مطابخ التحالف الإعلامية وغرف استخباراته، يقولون الحوثي أولاً ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة لإسقاطه، اسكتوا عن التحالف، وغضو الطرف عن أي ترتيبات داخل المناطق المحررة حتى يسقط الحوثي، حتى إذا ما سقط وجاء اليوم الموعود نكتشف أننا قد صحونا على يمن ذهب بعيدا في طريق لا عودة منه، حقق فيه التحالف كل أجندته المنحرفة فجعله بلدا مقطع الأوصال رهن الاحتلال والوصاية والهيمنة والدويلات المتصارعة.
 
وفريق آخر يضعون فكرة إسقاط الحوثي أولاً بحسن نية، لتبرير جبنهم أو عجزهم في مواجهة انحراف التحالف، لكنهم، وهذا أسوأ ما يفعلونه، ينخرطون في لعبة تزييف الوعي بطريقة خطرة للغاية، يفعلون ذلك حتى وإن بحسن نية.
 
ولهؤلاء نقول: حتى لو نجحتم في إسقاط الحوثي وفق أجندة التحالف المنحرفة تلك، سنكون قد فقدنا كل أوراق الضغط على التحالف لتمكين السلطة الشرعية، والمتمثلة بمقايضة إضفاء الشرعية على حرب التحالف ضد الحوثي بتسليم التحالف المناطق المحررة للشرعية، لكن بعد سقوط الحوثي لن يكون هناك حرب يخوضها التحالف حتى يحتاج منا أن نشرعن لها.
 
ستنكشف المعركة عن ميليشيات وجماعات مسلحة موالية للتحالف تسيطر على كل البلاد، وشرعية حبيسة في قصر المعاشيق، من سيقرر مصير اليمن حينها هي تلك المليشيات المسيطرة عمليا وليس السجناء في قصر المعاشيق، والأسوأ أن هذه الإستراتيجية لن تفضي إلى سقوط الحوثي، بل ستبقي لنا الاحتلال الداخلي والخارجي معاً.
 
سيجد الحوثي كامل الدافع والعقيدة القتالية لمواجهة تحالف جاء يحاربه بحجة إعادة الشرعية، لكنه يستخدمها فقط كقفاز وكغطاء لتمكين من لا يعترفون بالشرعية.
 
بالمقابل، حرب التحالف ذات الأجندة المنحرفة على هذا النحو، ستفقد الحماس والاصطفاف الشعبي خلفها، حماس المقاومة والقوى السياسية المساندة للشرعية وغيرها من أنصار الشرعية، سيكون لسان الحال ما الذي يضطرنا للحماس مع حرب لاجتياح مدن جديدة لا نستطيع دخولها، ومن دخلها فالاغتيال مصيره، والإقصاء والإبعاد ينتظره؟
 
ذلك ما رأيناه سلوكا متبعا من قبل التحالف في كل المحافظات التي حررها من سيطرة الحوثي. سيتذكرون ببساطة مصير حمود سعيد المخلافي ونائف البكري قائدي مقاومة تعز وعدن وسيفقدون أي حماس للمضي في تحرير محافظاتهم.
 
للعلم، المخلافي منفي في تركيا، والبكري ممنوع من دخول عدن، هذا مجرد مثال وقطرة من بحر.
 
هل هذا مصير حتمي؟ أقصد مآلات الحرب على ذلك النحو، أم أن بالإمكان عمل شيء يغير النتيجة، شيء يستعيد الدولة، ويبسط سلطة الشرعية على كامل البلاد، أو كما يعبر عنه البعض بإصلاح طبيعة العلاقة بين التحالف والشرعية؟
 
نظريا، ذلك ممكن جداً، لكن في حالة واحدة وفي طريق أوحد وشرط وحيد وهو أن تغدو الشرعية هي من تقود وتتخذ القرار، ويتموضع التحالف كمساند لها فقط.
 
وذلك يتحقق على مرحلتين متتاليتين، أولا في المناطق المحررة، وتاليا في المناطق غير المحررة، في المناطق المحررة، تغدو الشرعية صاحبة القرار بالضغط على التحالف بتسليمها كاملة للشرعية وحل كافة جماعاته وميليشياته المسلحة، هذه هي المرحلة الحاسمة، إذا بسطت الشرعية سلطتها على كامل المناطق المحررة، ستبسطها على كامل التراب اليمني، بالنتيجة وبالمحصلة سيحدث ذلك، وإن لم تبسطها في عدن فلن تبسطها في صنعاء، هذه بديهية وحدهم الحمقى من يجادلون حولها.
 
بعد ذلك، تأتي المرحلة الأسهل، وهي التعامل مع المناطق غير المحررة بأن تفرض الشرعية على التحالف بأن تقود هي تفاصيل المعارك لتحرير بقية المناطق التي ما زالت تحت سيطرة الحوثي، بجيش ومقاومة تدين لها ولمشروعها بالولاء، ويقتصر دور التحالف على تقديم الدعم والمساندة.
 
الطريق على هذا النحو، وبهذا التتالي سيفضي حتما لاستعادة كامل الدولة وبسط سلطة الشرعية على كامل البلاد، هذا ما يقوله المنطق والعقل، وغير ذلك محض هذيان، وضجيج بلا معنى يردده الواهمون ومن يجبنون عن مواجهة الحقائق.
 
هذا هو الإصلاح الوحيد المقبول والعادل لطبيعة العلاقة بين الشرعية والتحالف، وما عدا ذلك هو انخراط في المؤامرة وتزييف للوعي، وتعبيد الطريق أمام المحتلين ليعبثوا باليمن.
 
لكن، هل يستطيع هادي وقوى الشرعية أن يفرضوا هذا على التحالف ؟!
 
نعم يستطيعون، إذا تحلوا بقدر من الشجاعة والنزاهة الوطنية وخاضوا قليلا من المغامرة المحسوبة.
 
البدء بالقول الواضح، أن يقولوا بوضوح للتحالف سنبلغ العالم صراحة أنكم لا تمكنون الشرعية بل تستخدمونها للشرعنة لتحقيق أجندتكم المنحرفة في اليمن، وسنعلن أن كل المناطق التي تم تحريرها ليست تحت سيطرتنا، بل سلمت لميليشيات لا تعترف بالشرعية وموالية للتحالف.
 
والتلويح بالبحث عن حلفاء دوليين جدد، ويستمر هذا الضغط حتى يذعن التحالف ويسلم كامل المناطق ويحل المليشيات الموالية له.
 
على الشرعية ان تمضي فعلا في البحث عن شركاء جدد، بديلين أو إضافيين، عليها أن تتخاطب مع دول العالم مباشرة لا أن تكون السعودية بوابتها الوحيدة للحديث معهم، أن تقيم علاقة مع مختلف دول العالم وفق المصالح المشتركة، لليمن موقع جيوسياسي هام، يكاد يكون في قلب العالم وكل الدول ستخطب ودها، وتقدم أضعاف ما يقدمه التحالف دون انتهاك للسيادة، ودون الوقوع في مهانة المن والأذى.
 
سوف يظهر التحالف في البداية الرفض والغضب، لكنهم سيذعنون في النهاية فهم لا يستطيعون المقامرة بسحب غطاء الشرعية عن حربهم لأن ذلك سيجر عليهم تبعات يعلمون ان لا قبل لهم بها.
 
الخطوة التالية ستكون هي الأسهل وتحصيل حاصل، وسيتقبلها التحالف بسهولة، أعني ان تكون الشرعية من يقود معارك تحرير بقية المناطق وصاحبة القرار، والمتحكم بالتفاصيل والتحالف مجرد مساند لها.
 
أكثر من ذلك يمكنني القول إنه في حال المضي في هذا الطريق، على نحو ما سبق، فإن بإمكان الشرعية تحرير بقية المناطق التي ما تزال تحت سيطرة الحوثي بدون الحاجة إلى التحالف في حال أنجزت المرحلة الأولى وانتزعت السيطرة على كامل المحافظات المحررة الآن.
 
أخيرا هل سيقوم الرئيس بهذا الممكن ليبسط سلطته وسيادته على ما تحرر من المناطق ويحرر البقية ؟!
 
أعتقد أنه لن يفعل شيئا لينتزع القرار والسيادة والسيطرة من التحالف وميليشياته على النحو الذي أشرنا إليه، قد يمارس نوعا من الضغط حينا ويظهر عدم الرضى حينا، لكنها احتجاجات ضعيفة سرعان ما يتراجع عنها، للقول إن سلمان وعاصفته يحررون البلاد من المشروع الإيراني!
 
بالمناسبة، التركيز على القول بأن هذه حرب ضد المشروع الإيراني، انحراف بالمعركة عن حقيقتها وعن مقاصدها، وينطوي على مخاطر جسيمة، تُمَكِّن التحالف من عدم إعادة الشرعية، حتى وإن مكنتهم من إسقاط الحوثي أو المشروع الإيراني كما يوصفون الصراع.
 
لسان حال المولعين بهذا التوصيف حتى دون قصد: خلصونا من المشروع الإيراني ومرحبا بعد ذلك بأي مشروع، سواء كان مشروع أبو العباس وهاني بن بريك واحتلال إماراتي، أو هيمنة ووصاية سعودية أو حتى دويلات متقاتلة، فما بعد خطر المشروع الإيراني يهون كل خطر ولا تعلو على كارثة الإمامة أي كارثة وليس فوق سوئها أي سوء، هذا ما سيقودنا إليه الانحراف بتوصيف الصراع من صراع مع الانقلاب إلى عناوين أخرى، وهي عناوين يضخها التحالف بخبث وسوء نية، ويرددها البعض بجهل وسوء تقدير.
 
هو صراع مع انقلاب ميليشاوي على التوافق اليمني بيمن ديموقراطي اتحادي، قوض العملية الانتقالية التي كانت على وشك إنجاز الخطوات الأخيرة من ذلك المشروع، هذا هو التوصيف الحصيف والناجع، ووفق هذا التوصيف يصبح الهدف هو التخلص من كل منقلب على الشرعية ومتمرد عليها ومِن كل مَن لا يعترف بها، وسيشمل ذلك الإمامة والمشروع الإيراني والميليشيات التابعة للإمارات التي لا تعترف بالشرعية وغيرها.
 
أما حين يتم توصيف الصراع بأنه صراع مع المشروع الإيراني فقط، ونسيان المشروع الاتحادي الذي أطاح به الانقلاب، فالباب مفتوحا للترحيب بالمشروع الإماراتي السعودي وبأي مشروع يتناقض مع المشروع الاتحادي وينسف كل ما سبق أن توافق عليه اليمنيون.
 
يجب أن لا يكون مفهوما هنا أنني أنكر أن هناك مشروع إيراني توسعي خطِر على المنطقة وأن الحوثي يتكئ على فكرة عنصرية تدعي الأحقية بالحكم لتفوقها العرقي، والاصطفاء السلالي.

التعليقات