ماذا يريد اليمنيون من رئيسهم؟
الخميس, 16 أغسطس, 2018 - 10:01 صباحاً

جميل أن يرى اليمنيون رئيسهم عبدربه منصور هادي يتحرك داخلياً وخارجيا. أن يروه يتلمس احتياجات الناس في المحافظات، أن يُفعِّل جدول الزيارات الخارجية: أن يزور مصر، وأن يذهب إلى نيويورك، حاملاً قضية شعبه المظلوم من قبل عصابة مسلحة هيأت لها الظروف والنوايا السيئة أن تنقلب على البلاد.
 
نعم، يريد اليمنيون أن يذهب الرئيس لزيارة السعودية والإمارات وغيرهما، ولكن للزيارة فقط، ثم يعود إلى عدن التي اختارها عاصمة مؤقتة له. نريده أن يضع أصابعه في عيون الذين يقولون إنه رئيس في المنفى، وإن حكومته هي «حكومة فنادق».
 
نريده أن يُفَعّل عمل الوزارات، أن يُشدد الرقابة على أداء المسؤولين، الذين يدخل بعضهم في مراحل من البيات الموسمي الطويل، ثم يخرجون ليلتقطوا بعض الصور التي يوزعونها لبعض المواقع الإخبارية للكتابة عنهم، قبل أن يعودوا إلى بياتهم الطويل في غرف الفنادق المنتشرة هنا أو هناك. بعض المسؤولين يذهب لالتقاط صورة مع الجنود في الجبهات، بعضهم يذهب لالتقاط صورة مع مواد الإغاثة، وبعضهم إذا لم يجد من يصوره التقط لنفسه «سيلفي»، ومسَّى علينا بالخير من شرفة الفندق الذي يقيم فيه، قبل أن يهيئ له نادل ما «الشيشة» في مقهى على شاطئ النيل!
 
بالله عليكم، من أي طينة خلق هؤلاء؟ نريد للرئيس هادي- كذلك- أن يكون حاسماً مع جيش كبير من نواب الوزراء ووكلاء الوزارات والمسؤولين المحليين، الذين يتنقلون بين أبوظبي والرياض واسطنبول والقاهرة وبعض العواصم الأوروبية.
 
أخي الرئيس هل يجوز أن يقضي وزير أو محافظ معظم وقته خارج البلاد؟ هل يجوز أن تكون الرياض أو القاهرة، أو غيرهما، هي المقر الدائم لبعض كبار مسؤوليك؟ ما معنى أن ينقل محافظ محافظة أسرته إلى القاهرة، أو أن يقضي معظم وقته في الرياض بحجة متابعة قضايا محافظته لدى دوائر حكومية سعودية، أو مصرية؟ هل يستهبل هؤلاء المسؤولون عقليات المواطنين الذين تجاوزوا سن الطفولة السياسية؟
هذه مهزلة، أصبحت الشرعية بسببها محل تندر وسخرية.
 
هل يجوز أن يستمر مسلسل استهداف الحكومة بأنها «حكومة الفنادق»؟ هل حكومة كهذه يمكن أن تحقق النصر على الحوثيين الذين يعرف معظم اليمنيين أنهم أضعف من أن يواجهوا، لولا أن خصومهم غير جادين في هزيمتهم، بسبب لامبالاتهم وتفرقهم، ولأن الكثير من هؤلاء الخصوم يستفيدون مادياً من هذه الحرب الكريهة.
 
إذا لم تكن لدى هؤلاء المسؤولين الجوالين غَيرة على سمعتهم المهنية، فليكن لديك أخي الرئيس، حرص على ألا يتحدث التاريخ أنك عينت مسؤولين يلتقون بنزلاء الفنادق، ورواد المقاهي في القاهرة وغيرها أكثر مما يداومون في أعمالهم! هل تعلمون أن عدد وزراء الحكومة اليمنية أكثر من عدد وزراء أمريكا وروسيا مجتمعين؟
 
أليس هذا ضرباً من الفانتازيا المجنونة؟
 
هل تعلمون أن وزراء اليمن عندما يذهبون إلى مؤتمرات المانحين لدعم بلادهم، يذهبون على تذاكر الدرجة الأولى في الرحلات الجوية، وأن وزراء الدول المانحة في كثير من الحالات لا يتيسر لهم ذلك؟
 
أليست هذه مفارقة موغلة في وجعها؟
 
أخي الرئيس: هناك جيش من المسؤولين العاطلين عن العمل في السلك الحكومي في الداخل والخارج، وهؤلاء يجب أن يتم التعامل معهم بإرادة سلطة حازمة. ينبغي أن تُرسَل رسائل إنذار إلى جيوش الدبلوماسية اليمنية المعطلة في الخارج. بعض السفراء سعى لتعيينه في منصب سفير ليأخذ إجازة طويلة من الوطن، ولكي يستجم في هذه العاصمة الجميلة أو تلك! بعض السفراء يظن أن المعنى القاموسي لكلمة «سفير» هو «سائح» أو تاجر «شنطة». هذا السفير يجب أن تترك له الفرصة للسياحة والتجارة، ولكن بدون منصب رسمي، وهو حر بعدها، يفعل بوقته ما يشاء.
 
سألت شخصية سياسية كبيرة: لماذا تُعطى مناصب كبيرة لبعض من لم نسمع أنهم قاموا بأي من مهام المنصب، فرد: هم يسعون للمرتبات والاعتمادات، لا للعمل والمهمات، وتعطى لهم هذه المناصب على أساس حزبي تارة، أو العلاقات الشخصية والمحسوبية تارة أخرى.
 
هذا معيب أخي الرئيس، معيب والله.
هذا الأسلوب هو الذي أرهق خزينة الدولة بالنفقات التي يحتاجها الجنود في جبهات استعادة الوطن من مخلب هذا الانقلاب الحوثي الكهنوتي، أو يحتاجها المواطن الذي يعايش انقطاع الخدمات بشكل مريع.
 
وبالمناسبة، نريد أن يحدد راتب المسؤول بالريال اليمني لا الدولار، لكي يعمل المسؤولون على الحفاظ على سعر الريال، لأن البعض لا يهمهم تدهور سعر العملة إذا كانت مرتباتهم- أصلاً- بالعملة الصعبة. وهيئة مستشاريك أخي الرئيس، ماذا عنها؟ ومكتب الرئاسة، ما أخباره؟ أي رئيس في العالم هو هيئة مستشاريه وهو مكتب رئاسته. ينبغي تفعيل هذه الهيئة، كما ينبغي تفعيل هذا المكتب لأنهما وجه رئيس الجمهورية. لا يجوز أن يظل مستشاروك خارج البلاد مهما كانت الظروف الأمنية، وأي مسؤول يخشى على حياته، فعليه أن يقدم استقالته، ليأتي مكانه من يستطيع التعامل مع الظرف الأمني، لحماية نفسه وحماية الناس. أما مكتب الرئاسة فقد كثرت الشكاوى منه، وحدثني مسؤولون ووزراء وقادة عسكريون أنهم لا يستطيعون مقابلتك- أخي الرئيس- بسبب تعقيدات، أو ربما مزاجية تتلبس مسؤولي مكتب الرئاسة!
 
مكتب الرئاسة هو في الأصل نخبة من صانعي السياسات، لا عددا من الموظفين عديمي الخيال! ما هي فائدة المكتب إذا كان يحول بينك وبين من يمكن أن ينفعك وينفع الوطن، أخي الرئيس؟
 
وبعد…
 
هل يمكن أن أسترسل بدون أن أقول إن الأسلوب الذي كان متبعاً على عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، في إنشاء شراكة بين المسؤول والتاجر لم ينقطع في عهدكم أخي الرئيس. هناك شراكة بين مسؤولين وتجار في قطاع الكهرباء، في الطاقة المشتراة والبديلة والوقود، وهناك شراكة بين الطرفين في مقاولات تموينات الجيش، عدا عن شركات تجارية أنشئت حديثاً بين مسؤولين (مدنيين وعسكريين)، ورجال أعمال للاستيراد والتصدير. وهناك بعض محافظي المحافظات الذين دخلوا في شركات مساهمة لتجارة الطاقة في مأرب وعدن، بشكل يصعب معه فصل ما هو خاص عما هو عام يا رئيس الجمهورية.
 
بالله عليك- أخي الرئيس – في زيارتك للقاهرة هل حاولت أن تسأل عن آلاف العقارات التي اشتراها مسؤولون في حكومتك في القاهرة وحدها، عندها ستعلم لماذا لا توجد سيولة تشغيلية لتحريك شيء في البلاد. أخي الرئيس كل ما سبق صحيح لا يرقى إليه الشك، ولا يقول بغيره إلا من يخدعونك لأنهم يريدون استمرار الحال على ما هو عليه.
 
وقبل أن يوسوس أحد في أذنك، من هؤلاء المسؤولين الهلاميين، بأنني بدأت أميل للحوثيين، كما هو شأنهم مع كل من ينتقد سلوكهم، أقول إنه لا يجادل أحد في أن الحوثيين كارثة، لكن تلك الطبقة السياسية هي التي جلبت الكارثة، وهي التي تريد استمرارها للارتزاق. هل يمكن لمن كان السبب في كارثة الحوثي أن يكون هو ذاته السبب في التخلص من هذه الكارثة؟ ومع ذلك لنفترض- جدلاً- أن الطبقة السياسية التي أنتجت المشكلة يمكن أن تكون هي ذاتها أداة إنتاج الحل، مع استحالة ذلك، أفلا يتعين على تلك الطبقة أن تغير أسلوب الأداء؟
 
أخي الرئيس، لديك بلد عظيم في حضارته وتاريخه، ويجب أن نكون على مستوى عبقرية وقوة وتصميم أجدادنا، الذين نحتوا الصخر، وشيدوا صنعاء القديمة وشبام حضرموت وعرش بلقيس. لديك مقاتلون عيونهم على وطنهم، يستحقون أن نقبل رؤوسهم وتراب أقدامهم، وألا يُهمَل الصامدون في جبهاتهم، والجرحى الذين يستحقون العلاج. أخي الرئيس: لديك شعب شهم صبور، وهذا الشعب يستحق أن تعمل لتضميد جراحه، وتلبية حاجاته التي لم يعد يريد منها إلا الضروريات.
 
قلتَ لي مرة- أخي الرئيس- في الرياض، في رد على سؤالي لك عن التوريث إنك لا تسعى للتوريث، وإنك في السلطة فقط لتمكين اليمنيين من خياراتهم الحرة.
 
ها هي الفرصة متاحة لك باستكمال تخليص الوطن من الانقلاب، على طريق تمكين الشعب من الخيارات الحرة.
أفعلها أخي الرئيس وعجّل واحزم أمرك.

إفعلها لأجل الله.

لعيني صنعاء الحزينة.

ولَك منا التحية ولبلدك السلام.
 

التعليقات