وداعا محمد
الاربعاء, 22 أغسطس, 2018 - 04:04 مساءً

الو السلام عليكم كيفك يا تاج راسي صحيح محمد استشهد في عدن؟

آه سالت دموع  والدي وحشرج صوته، وانعقدت لسانه، وانهار ولم يستطع النطق ليخبرني بصحة خبر استشهاد محمد، هذا والدي  جد الشهيد محمد فكيف بحال عمتي والدة أمه التي كان أكبر وأحب الأحفاد إلى قلبها، ولم تره من أربع سنوات، بل كيف هو حال والده ووالدته وحدك يا الله من يعلم.

تحولت الفرحة إلى حزن والعرس إلى مأتم والعيد إلى فاجعة تبدلت فيه أصوات الزغاريد وأنغام الفرح والعزف والابتهاج إلى مأساة ومخيم كبير للبكاء والنحيب ومعه قتلت كل لحظة سعادة كنا ننتظرها جميعا بهذه المناسبة.

يا الله ما أصعبه من فراق وأقساه من وداع حين ترتقي روحك شهيدا في يوم عرسك وتخرجك في لحظة تكريمك ومكافئتك، يراق دمك الطاهر على أعتاب منصة تتويجك التي منحتها عمرك ووقتك وجهدك  بكل مثابرة وصبر وعناء.

كان أهلي على موعد مع استقبال العيد منتظرين بشارة عودة محمد دحان من عدن بشهادة التخرج من كلية الطيران بعد خمسة أعوام من الكفاح والجهد التعب والاعباء المالية الباهظة  منذ التحاقه بالكلية العسكرية في صنعاء ثم عدن.

كانوا في اللمسات الأخيرة لتجهيز الاحتفال بتخرجه برفقة محمد راشد ابن عمي الذي تخرج هو الاخر هذا العام وزفافه خلال العيد الذي تم إلغائه الى أجل غير مسمى.

محمد كان بالأمس يزف لوالده خبر إكماله الدراسة العسكرية التي منحها وسخر لها كل طاقته وجهده وإمكاناته، ليس لشغفه في أن يصبح أحد صقور الجو وحراس الوطن لخدمته والدفاع عنه بل لإنه كان حلم والده "دحان" الذي عجز في شبابه عن تحقيقه ووقف القدر حجر عثرة امام إنجازه هذا الحلم.


آه ليتهم تركوك يا محمد حتى تعود إلى والدك وتحتضنه وتقبل رأسه وتصيح بأعلى صوتك ها قد حققت حلمك يا والدي ..

آه يامحمد ليتهم تركوك لتعود حتى يوما واحدا لتتنفس أمك ريحة عناءك وتعبك وجهدك وفراقك الذي طال.

توقفت حياة محمد في يوم تخرجه وهو حاملا علم الجمهورية اليمنية شامخا كشموخ جبل شمسان  برصاص أحد الكلاب المتوحشة بتوجيهات الإرهابي أبو اليمامة (أبو القمامة) فاقدي الرجولة وعديمي الضمير والأخلاق من جندوا أنفسهم عبيدا ومرتزقه مقابل الدرهم الاماراتي.

جريمة لا سابق لها ليس في اليمن فقط بل في العالم ‘أدانها العدو قبل الصديق واستنكرها أبناء عدن قبل غيرهم وتبرأوا من فاعليها الدخلاء على عدن مدينة السلام والحب والتعايش.

الموقف الرسمي لم يكن بذات القدر من الحزم والمسؤولية أمام هذه الجريمة التي لم تستهدف محمد فقط بل استهدفت الوطن ورمزية الدولة ورئيسها في حفل تخرج طلاب المؤسسة العسكرية بكلياتها المختلفة‘ صحيح أن رئيس الجمهورية وجه بإحالة المجرم الإرهابي أبو اليمامة وأبو همام للقضاء العسكري ومحاكمتهم وتعهد رئيس الحكومة بعدم افلاتهم من العقاب لكنها تصريحات إعلامية لا يمكن الاعتماد عليها حتى نرى المجرمين خلف قضبان السجون ومحاكمتهم من أجل الانتصار لدم محمد وجميع الأبرياء وتعاد للدولة رمزيتها وهيبتها.

شرف عظيم أن ترتقي يا محمد شهيدا في يوم تخرجك وأنت حاملا علم الجمهورية اليمنية ومتوشحا بألوانه في الوقت الذي ضحى ويضحي عشرات الآلاف من أبناء الوطن جنوبا وشمالا شرقا وغربا في معركة استعادته من المليشيا الانقلابية ومن كل العملاء والخونة الذي جندوا أنفسهم لتقسيمه وتمزيقه.

توقف قلب  محمد في الكلية العسكري بصلاح الدين في عدن وشيعت جنازته بحضور رسمي وشعبي  ملفوفا بعلم الجمهورية محفوفا بذكرى خالدة ومسيرة عطرة عنوانها (شهيد العلم) محمد دحان الحارثي  والتي سيخلدها التاريخ لليمنيين جيلا بعد جيل.

عاد والد الشهيد حاملا وسام العزة والتضحية وشهادة الشهيد المرصعة بكل معاني الشجاعة والوطنية أما والدته فلا زالت في حالة من التيهان من هول الصدمة والفاجعة‘ كيف يمكن  اقناعها برحيله وهي التي لم تره أو تودعه لتؤمن بحقيقة رحيلة.

وداعا محمد إلى جنة الفردوس، وعهدا لن نتخلى عن دمك، وأنت الذي لم تتخل عن رايتك التي رفعتها، وقاومت كل من حاول إسقاطها أو اختطافها، وقدمت روحك في سبيل بقائها عالية خفاقة وسقيتها بدمك الذي نستمد منه قيم الوطنية والتضحية في سبيل الأوطان.
 

التعليقات