يشتعل الصراع والجدل بين الأطراف المؤيدة للشرعية شمالا وجنوبا، ويستعر كل يوم، وتلعب الخصومات السياسية والأحقاد التاريخية والسعي للحصول على المكاسب المستقبلية دورا أكبر في هذا.
وحده الجسد الحوثي يبدو متماسك من بين كل الكتل الموجودة الآن في اليمن، ولا يعود السبب في تماسك الحوثي لقوته الداخلية أو حتى بنيته التنظيمة، بل لأن الأطراف الأخرى مسكونة بنزعتها نحو الماضي، وتتحرك اليوم بدوافع ثأرية مستفيدة من حالة الاستقطاب القائمة خاصة لدى السعودية و الإمارات.
وساهم ضعف الحكومة وأجهزتها الهشة في رفع وتيرة الصراع البيني بين الفصائل المؤيدة لها، حتى غاب الهدف الحقيقي المتمثل في مواجهة الإنقلاب لدى القوى اليمنية، مثلما ضاع هذا الهدف لدى دول التحالف العربي، والتي انصرفت نحو أهدافها وأجندتها الخاصة في اليمن.
من مصلحة السعودية والإمارات وجود حكومة هشة في اليمن، ووجود فصائل متناحرة داخل اليمن، ذلك إن مثل هذه الأجواء هي التي يمكن فيها ومن خلالها تمرير المشاريع التي تريدها كلا الدولتين، فلا حكومة تستطيع أن تقول لا، ولا قوى سياسية قادرة على تغطية العجز السياسي للحكومة، وتشكيل جبهة موحدة، توقف النزق الداخلي بينها، وتتصدى لأي مشاريع أو أطماع في اليمن.
كان العراق هدف واضح لأمريكا، وعندما غزته بجيشها الذي وصل تعداده إلى 250 ألف جندي، نجحت في إسقاط النظام السياسي، لكنها فشلت في إدارة وحكم العراق، رغم أنها أرسلت ممثل عسكري ليحكم العراق.
بعد عدة أعوام أدركت واشنطن أنها لاتستطيع حكم العراق بجيشها ومنظومتها العسكرية، فأعدت خطة للانسحاب التدريجي من العراق مقابل تولي العراقيين تدريجيا حكم بلادهم.
اليوم تكرر السعودية والإمارات في اليمن ذات المشهد، مع تعديلات طفيفة تتناسب مع توجههما، أوجدت كلا الدولتين الحكومة اليمنية، لكنهما وضعاها في حالة من الهشاشة والضعف، وتتحكمان بالمشهد اليمني كاملا بشقيه السياسي والعسكري، وإذا اتخذت هذه الحكومة خطوة ميدانية للأمام فإنها تصب في النهاية في مصلحة السعودية أو الإمارات، وعدن تشكل نموذج بالنسبة للإمارات، والمهرة نموذج بالنسبة للسعودية.
لدينا حكومة، لكنها صورية، ولا تستطيع حتى حماية نفسها، وضمان بقاءها لشهر كامل داخل أي مدينة محررة، بينما تقوم السعودية والإمارات بكامل الدور وتمرير ما يريدون من مشاريع، سواء رضيت الحكومة أم لا، وهذه نتيجة طبيعية لبقاء الحكومة خارج اليمن، واعتمادها على المال الخارجي لإعالة نفسها، فسلب منها القرار والقدرة.
جعلت السياسة السعودية الإماراتية الحكومة اليمنية في وضع اتكالي بشكل كامل، ولم تسمح لها بالوقوف على قدميها، وحتى إن بدت الحكومة منسجمة مع هذا الوضعية، فهذا بالتأكيد لا يخدمها، ويجلب لها العار التاريخي، ويجعلها في درجة تقاسم واحدة للمأساة التي يعيشها اليمنيون اليوم، رغم ظهور مواقف متململة من هذا الوضع خلال الفترة الماضية لعدة شخصيات في الحكومة وهي تعترض على هذه السياسة.
اليوم تتضاعف الأحقاد بين أبناء الصف الواحد والمصير الواحد بشكل كبير، وتصل لمرحلة عدوانية شديدة الخطورة، وكان بالإمكان توجيه هذه الطاقات نحو الهدف الأكبر، المتمثل بتحرير البلاد من الانقلاب الذي جاء بكل هذا القبح والشتات والتمزق.
لكن من سيئات الأقدار في اليمن، أننا نواجه انقلابا سياسيا وعسكريا يتمسك بالبقاء بكل ما لديه من قوة، ونخبة سياسية فاسدة تستجر الماضي بمختلف مستوياته القريبة والبعيدة، وبحكومة مرتهنة و عاجزة لا تملك قرارها وخيارها، وتحالف حاقد، يزعم أنه جاء لإنقاذ اليمن، فأوردها المهالك، وقضى على ما تبقى من قوة في جسدها، ليبني نفسه، مستفيدا من كل هذه التناقضات.
كيمنيين نحن ضحايا أنفسنا أولا و أخيرا، لكننا نستطيع الوقوف مجددا، عندما ندرك أن البركة القذرة التي نسبح فيها كانت بسبب هذا التحالف الأرعن، وفشل النهايات يأتي من جهل السبب في البدايات.