باستثناء أن إيران لديها برنامج نووي خاص بها، فلا شيء غير ذلك يمثل فزعا وخوفا منها سواء من أوروبا أو أمريكا وحتى اسرائيل وبقية دول العالم باستثناء العرب.
البرنامج النووري الايراني هو من دفع بإيران لمستوى الحضور الدولي، وحتى الجرائم التي ترتكبها بحق المسلمين السنة في أراضيها لم تشكل أي تأثير للفت انتباه العالم لتلك الجرائم باعتبارها تتنافى مع حقوق الإنسان.
ايران دولة طائفية وتتزعم الفكر الشيعي المتشدد المتطلع للهيمنة في المنطقة، لكن ذلك لا يهم دول العالم باستثناء العرب الذين استشعروا خطر الاقتراب الايراني، وهم من سمحوا له –للأسف- في التمدد والانتشار في عدة دول، ونموذج العراق أكبر شاهد على ذلك، ثم نموذج لبنان، وأخيرا اليمن وسوريا، حيث أدت السياسات السعودية الخاطئة لسقوط هذه الدول بيد إيران.
وحتى اللحظة لم يقتنع العالم أو لنقول لم يدرك ما يجري من عداء بين السعودية (كرمزية للشعوب العربية) وإيران باعتباره صراع طائفي بين السنة والشيعة، بل ينظر له كصراع هيمنة ونفوذ في المنطقة بين قطبين (الرياض – طهران)، وهذا فشل آخر للعرب أنفسهم.
أمريكا أيضا وهي دولة تتبادل العداء التقليدي مع إيران منذ السبعينات لم تخض أي مواجهة عسكرية ضد طهران، ولم تتخذ أي تدابير من شأنها اسقاط نظام الملالي في إيران إذا كان ذلك يشكل خطرا على الولايات المتحدة، كما فعلت مع العراق.
وكل الادارات الأمريكية المتعاقبة ظلت تنظر لايران كدولة غير مرغوب بها، وأقصى ما تم عمله هو فرض العقوبات الاقتصادية التي لم تؤثر في إيران بشكل كبير، وعندما انفتحت إدارة أوباما على إيران جاء ترامب وألغى ذلك الاتفاق، لكنه يردد حاليا عن إيران ذات الكلام الذي تردده اسرائيل والسعودية، من دون أي خطوات حقيقية، وتوجه ترامب المصعد كلاميا ضد إيران لا يعدوا عن كونه ترجمة لمدى دعم ترامب لحليفه السعودي.
بل إن ترامب نفسه وإدارته يؤكدون أن هدفهم من التصعيد ضد إيران هو ارغامها على الامتثال للقانون الدولي، بمعنى أن الخيط لم يقطع تماما معها، وأنها حتى اللحظة لا تشكل أي خطورة.
الدول الأوربية ذاتها التي بعضها له دور في اليمن، سواء من خلال رعاية المبادرة الخليجية أو من ناحية استضافة جلسات المفاوضات المتكررة، جميعهم اليوم لاينظرون لإيران باعتبارها رأس حربة الفكر الشيعي في المنطقة، وأن هذا هو السبب في تمددها داخل البلدان العربية، بل بالعكس مثلت أوربا ملاذا لإيران بعد الإجراءات الأمريكية بحقها.
اسرائيل نفسها ترى في إيران مهددا لها من ناحية البرنامج النووي، ودعمها لكيانات مسلحة في لبنان وفلسطين، أما من ناحية أخرى فلا يوجد ما يثير قلق تل أبيب، ولا تقيم إسرائيل أي وزن لتوجه إيران الطائفي، بل ربما تستغل هذه الورقة أكثر لصالحها.
ولو بادرت اسرائيل من تلقاء نفسها ودعت العرب لتتحالف معهم أو يشرعوا في عملية التطبيع معها لما استطاعت أن تحقق أي نتيجة، لكن التوسع الايراني في المنطقة العربية بسبب فشل الأنظمة العربية الحاكمة وتحديدا الخليجية منها دفعها للهرولة نحو إسرائيل في مساع لحماية نفسها، باعتبار اسرائيل هي الدولة التي تحظى بدلال العالم، ولديها تأثير في كل مكان، ورغم اختلاف الدول الكبرى فيما بينها وتباينها تجاه العديد من القضايا لكن الجميع يجمع على ضرورة وأهمية حماية إسرائيل، وهذه المكانة هي التي جعلت من الأنظمة العربية تفر نحو اسرائيل وتتحالف معها بشكل وثيق لتحافظ على نفسها وبقائها، وبالتأكيد فهذه الخطوة هي الأخيرة لهذه الدولة العربية، ولها أبعادها ومخاطرها في المستقبل.
إن هذا الطرح الرامي للتبشير باسرائيل كحليف في كراهية إيران والعداء لها مع العرب هو الخديعة الجديدة التي سيخدع بها العرب مجددا، وهي خديعة تماثل انخداعهم السابق بإن بريطانيا هي حليفهم الموثوق، وأن الدولة العثمانية هي عدوهم الأول، وكانت النتيجة هي تفكيك العرب وتمزقهم، ونشأة الدول القطرية العربية بما يحمله هذا التوصيف من معان.
إيران عدو للعرب لكنها في الأساس أداة في المنطقة، وتعمل لصالح اسرائيل في المقام الأول، ومن خلالها يجري ضغط العرب ليفروا نحو حضن اسرائيل.
ومن يروج لمثل هذا الكلام باعتبار ان اسرائيل حليف وليست عدو للعرب هي الأنظمة الديكتاتورية التي تبحث عن حام لها تستتند عليه بدلا عن الإرادة الشعبية، وهي اليوم تمثل كلا من السعودية ومصر والامارات، وكل الدول تهون هرولتها نحو اسرائيل باستثناء السعودية التي تعد هرولتها للحضن الاسرائيلي متنافيا بشكل كلي عن مكانتها ورمزيتها الدينية، وتستطيع أن تحارب ايران بطرق وأساليب مختلفة ليس من ضمنها هذه الهرولة السريعة نحو اسرائيل.
اليوم بات واضحا وجود العديد من القضايا المشتركة بين اسرائيل وهذه الدول ومن ضمن ذلك مزاعم المعادة لايران والعداء لتيارات الاسلام السياسي.
واذا تم الافتراض أن هذه الدول مع اسرائيل ألحقن حربا ضد إيران فالمنتصر وحده ستكون اسرائيل وستتحول إلى القطب المهم ورأس الحربة في الشرق الأوسط، بينما ستتحول باقي الدول إلى مجرد تابع لتنفيذ ما تريده تل أبيب، هذا إن لم تنفذ اسرائيل سياسة جديدة كتلك التي قام بها سايكس بيكو.
لذلك ينبغي النظر اليوم في الحيثيات والظروف التي تدفع دول المنطقة العربية للهرولة نحو إسرائيل، لماذا يجري هذا؟
وهل ستخوض اسرائيل حربا مع الدول العربية ضد إيران باعتبارهم شيعة لكي تنتصر للسنة المحمدية والمسلمين السنة؟
وهل فشلت الدول العربية في إنشاء حلف يقف في وجه إيران، فتعوض عن ذلك بالهروب نحو إسرائيل؟
وهل إسرائيل هي حليف موثوق يمكن الاعتماد عليه لضمان نجاح التحالف ضد إيران؟ وما الثمن الذي ستحصل عليه اسرائيل مقابل مساندتها ووقوفها مع العرب ضد إيران؟
لاسرائيل مطامعها وأهدافها مثلما لايران مطامعها وأهدافها في المنطقة، ووحدهم العرب بلا أهداف بعيدة، وأرفع هدف هو كيف يظلون في كراسيهم لأطول فترة ممكنة، لكن الواضح هنا أن هذه الأنظمة تهرول سريعا نحو اسرائيل لكن بلا إرادة شعبية مساندة، وهو ما يجعل الشعوب في المستقبل قادرة على استرداد مبادئها المهدورة.
الخلاصة أن العرب أنفسهم بلا مشروع اليوم، فقد فشلوا حتى في اقناع العالم بطبيعة معركتهم مع إيران، وسلوكهم الخاطئ كان هو الشق الذي تسللت منه إيران للدول العربية عبر أدواتها والحركات المؤيدة لها، ومواجهة إيران اليوم من خلال التحالف مع إسرائيل سيكون مفتاح نكسة جديدة للعرب، سترتد خيباتها عليهم في المقام الأول، والمستفيد وحده هو إيران وإسرائيل.
بل إن الأمر يعد اعتراف عربي بالهزيمة أمام إيران، وهي هزيمة أكدها اقتضاء اللجوء نحو إسرائيل من قبل العرب لتحقيق نصر أكثر تأثير على إيران.
منذ نشأتها لم تخسر إسرائيل معركة في تاريخها، بينما خسر العرب الكثير.
التطورات مستمرة