فبراير .. قيمة سامية
الإثنين, 03 ديسمبر, 2018 - 06:49 مساءً

أن تكرر قيادات إصلاحية ذات النغمة التي يكررها محسوبين على صالح بأن ثورة فبراير اخترقها الحوثيين وهم من استفاد منها فذلك تعبير عن انهزام داخل نفوسهم، وعدم ثقة برؤيتهم.
 
بل إنها ترقى إلى مستوى الجناية، فكم من شاب سقط قتيلا أو جريحا أو سجينا بسبب الثورة متأثرا بالدعوة للانخراط فيها، ثم يأتي هؤلاء اليوم ليتبرؤوا من الثورة بهذا الشكل.
 
هذا الطرح اليوم يتعدى الشعور بالذنب، إلى ممارسة الإثم.
 
كانت الثورة شاهدا حقيقيا على عجز الأحزاب، وعندما حسمت أمرها انخرطت فيها تلك الأحزاب.
 
ومع ذلك لم تحافظ الأحزاب على الثورة ولم تحافظ أيضا على نفسها من الاهتراء والتلاشي الذي وصلت له الآن.
 
وإذا كانت الحوثية استفادت من ثورة فبراير فذلك بسبب هذه الأحزاب وأداءها، أما الثورة بحد ذاتها فقد مثلت قيمة وفضيلة في أهدافها وسلوكها وأشخاصها.
 
بالتأكيد لا أحد يريد إستمرار دوامة العنف الحاصلة في اليمن الآن، لكن جلد الذات كتعبير عن الفشل اليوم بالإساءة لعمل نبيل كان بالأمس ليس سوى وجه من أوجه السقوط والهروب من الحقيقة ذاتها.
 
وبدلا من دراسة أسباب الفشل الحقيقية وعمل مراجعة للذات أين أصابت وأين أخطأت يتم تعليق الفشل على شماعات لا علاقة لها بالفعل الرئيسي نفسه وهو هنا الثورة، وتحميلها الجناية الكاملة.
 
كانت ثورة فبراير الأنقى في وقوعها كحدث، والأسمى في تفاصيلها كقضية، بل كانت الأنبل في سلسلة القضايا الوطنية التي عاشتها اليمن، وجاءت تجسيدا لرغبة شعبية، وامتدادا لنضالات وطنية سابقة، واستلهمت محطات التأريخ اليمني المتعددة أحداثه ومفاصله.
 
صحيح أن هناك أخطاء وعثرات اعترضت طريق الثورة، لكن كل تلك العثرات والأخطاء لم تكن من الثورة نفسها، بل من أولئك الذين ألتحفوا ردائها، ولم يحافظوا على أهدافها، وأنهكوا في منتصف الطريق.
 
إن الصف الجمهوري الذي يطالب البعض اليوم بالاحتشاد خلفه هو ذاته الصف الذي جاءت ثورة فبراير لترفع مقامه، وتعزز حضوره، وتعيد له الألق بعد الموت البطيئ الذي عاشه جراء النهج الذي أدار به علي عبدالله صالح وضع البلد لثلاثة عقود، حتى كادت أهداف الثورة السبتمبرية أن تتلاشي، وأن يعود حكم العائلة المرتدية عباءة الجمهورية بدل العائلة التي كانت ترتدي ثوب الملكية.
 
لقد عمل علي عبدالله صالح منذ توقيعه على المبادرة الخليجية التي قضت بخروجه من السلطة ليثبت حقيقة واحدة، وهي أنه وحده القادر على إدارة البلد، وأن خصومه الذين انخرطوا في الثورة لإسقاطه سيدفعون ثمن ذلك طائلا، فجلب لهم وللبلد الحوثيين الذين أطاحوا بالثورة، وبخصومه ثم بصالح نفسه.
 
وعلى مدى ست سنوات منذ العام 2011م حتى مقتله فعل صالح ما فعل بالبلد حتى قاد الجميع إلى هذا الوضع، وبدلا من إدراك أن الرجل هو وراء كل ما حصل ويحصل، وعمل ما ينبغي لضمان عدم تكرار نموذجه الرديئ عاد البعض  للمربع الأول حيث يحضر صالح كبطل، وهو ما حدث.
 
لذلك الحوثية اليوم بكل قبحها هي أحد تجليات حكم علي عبدالله صالح، وهي نتاج سنوات حكمه، ونشأت وعاشت في كنف نظامه السياسي.
 
فلم يكن أحد يتخيل أن جماعة حاربها صالح لست مرات واعتبرها متمردة أن يتحالف معها في النهاية، وأن يجعل منها عصا غليظة لتأديب الشعب، وهو يدرك من هي جماعة الحوثي وماذا تريد؟
 
ساند صالح الحوثية وجعل منها ثعبان أقرع، ليثبت أنه كان أفضل السيئين في اليمن.
 
والنتيجة أنه خسر نفسه وحزبه وعائلته وأدخل اليمنيين الجحيم.
 
والخلاص من هذا الجحيم لا يكون بالعودة إلى من أشعل هذه النار، بل بمعرفة لماذا اشتعلت النار؟ وكيف يتم تجاوز كل هذا لئلا يتكرر مرة أخرى بنار أكثر اشتعالا وفتكا.
 

التعليقات