لكل امة حرب استحقاق يجب ان تخوضها هكذا قال محمد حسين هيكل ذات لقاء تلفزيوني، لذا فهذه الحرب الاهلية في اليمن (نعم حرب اهلية و لا تسمية اخرى لها) هي حرب استحقاق ضرورية كان لزاما على اليمنيين خوضها و ان لم يطلبوها و انما خاضوها مضطرين، حرب فرضها الحوثيون على الشعب اليمني شماله و جنوبه، فرضها الحوثيون على الجميع و لم يستثنوا الا من خضع لهم و اقر لهم بالسيادة و لسادتهم بالولاية، و كلمة السر في الخضوع ان ينادي زعيمهم ب"السيد" دون غيره من الناس و ان يسبق اسم كل هاشمي كلمة السيد تمييزا عن بقية اليمنيين، و هذا التميز العنصري السلالي له تبعاته، ففي خلال بضعة اشهر من انقلاب الحوثي أصبحت معظم مناصب الدولة بيد اقارب عبدالملك الحوثي الذي نصب نفسه قائدا “للثورة" و مرشدا لها ماسكا بكل الصلاحيات دون ادنى مسؤولية أمام أي جهة رقابية او تشريعية و بدون أي مؤهل اللهم انه هاشمي صالحا بالجينات للحكم و السيادة، و لم يتوقف الأمر على أقارب عبدالملك الحوثي بل تعداهم الى كل من يحمل دماء هاشمية زرقاء و لا يعارض الحوثيين و ليس بالضرورة ان يكون عنصرا منظما معهم بل ان العنصر المنظم الغير الهاشمي لا يجد نفس فرص الهاشمي الغير المنظم الذي لا يرفض نظرية الاصطفاء و الاحقية في الولاية..
قد يسأل سائل ما هي نظرية الاصطفاء..
نظرية الاصطفاء هي القول بان الله اصطفى أولاد علي و فاطمة ليكون فيهم الحكم و الولاية على كل البشر و ان من يعارض ذلك هو كافر خارج عن الملة حلال دمه و ماله و عرضه.
هذه النظرية العنصرية و مثيلاتها من العنصريات تجازوها العصر و العالم و حتى اليمنيين حطموها يوم ان ثاروا على نظام هاشمي عنصري مماثل للحوثيين في اعوام 1948 و 1955 و 1962..
ربما يأتي احدهم و يريد ان يحرّف حقيقة ما حدث من صراع بين اليمنيين كطرف يريد ان يفرض حكمه و علوه و على بقية اليمنيين، و ليرمي في وجوهنا بترهات الاقاويل كالعدوان و الدفاع عن العرض و الارض و غيرها من سخافات البروبجاند الحوثية.
لكن ما اعرفه و يعرفه اليمنيون جميعا ان هذا النظرية العنصرية ليست وليدة اليوم لا في اليمن و لا في العالم فهي تحكم إيران و العراق على الأقل في عالم اليوم و أقامت إمبراطوريات و ممالك لم تضف للحضارة الانسانية الا أمراضا اجتماعية كالطبقية و طوائف منحرفة كالدروز و النصيرية و غيرهم، و قد يقول قائل انها أمور مضت و انقرضت، و للأمانة اننا كيمنيين قد اعتقدنا ان هذه الخزعبلات أصبحت من الماضي حتى صحونا يوما في 2012 على اجتماع لمراجع الهاشميين الزيود من علماء و وجهاء و أصدروا الوثيقة التاريخية الذي أعلنوا فيها ان الاصطفاء حق و ان الولاية حق لهم من دون الناس و ذيلوها بتوقيعاتهم و اختامهم، و رفعوها لعبدالملك الحوثي ليعتمدها و كان تلك الوثيقة هي بمثابة عقد الأمامة و الولاية لعبدالملك الحوثي علن اليمن، و الذي بموجبها نصب الحوثي نفسه ملكا و اماما على اليمن و راح يفرض ذلك على اليمنيين بالقوة فأسقط الجمهورية و الدولة و سيطر على مقدراتها و عزل الرئيس و الحكومة، ثم راح يطارد الرئيس الى عدن التي فر اليها الرئيس و قام الحوثيون بقصف مقر الرئيس في عدن بالطيران الحربي في سابقة لم تحدث في تاريخ اليمن..
قبلها و لمدة قرابة العام كان اليمنيون قد تحاوروا سنة كاملة و كان ضيفا الشرف في هذا الحوار هما الحوثة و الحراك و تم الاعتذار الرسمي من الحكومة و من الشعب اليمني الحاضر بكل مكوناته هذا الحوار، تم الاعتذار لهذين المكونين باعتبار انهما ظلما في الفترة منذ 1994 و هذه الاعتذار و الاعتراف بالمظلومية بدلا ان يكون باب تسامح و تصالح اصبح باب ابتزاز للجنوبيين على الدولة و الشماليين، و باب تنمر على الجميع دولة و مجتمع بالنسبة للحوثيين، تنمر الحوثيون في مؤتمر الحوار و رأينا اساءات علي البخيتي للرئيس هادي مباشرة و على الهواء، كما نقلت لنا كاميرات الهواتف كثيرا من بجاحة الحوثة و كان اشهرها الاهانات التي وجهتها امل الباشا المتوكل للشيخ صادق الاحمر، و رغم توصل المتحاورين الى اتفاق و مخرجات اجمع الجميع عليها بما فيهم الحوثي و انبثق عن ذلك لجنة لصياغة دستور جديد، الا ان ذلك لم يرق لبعض قيادات الحوثي و لم يسمحوا لرئيس فريقهم في الحوار الدكتور احمد شرف الدين ان يحضر جلسة التوقيع الختامي و لكنها اصر على الحضور فتم اغتياله و هو في الطريق الى مقر الحوار الوطني، بعدها بايام قام الحوثي باختطاف الدكتور احمد عوض بن مبارك امين عام الحوار الوطني و هو في طريقه الى الرئيس حاملا معه مسودة الدستور المقر من لجنة صياغة الدستور المنبثقة من مؤتمر الحوار و هو الدستور الذي مثل ترجمة لمخرجات الحوار الوطني، و تم اختطاف المسودة و لم تصل الى يد الرئيس ابدا، و ظل الحوثي و حليفه المخلوع يضغطان على المركز في صنعاء فيما يقضمان الارض قضما في الطريق الى صنعاء و خلال عدة اشهر وصل الحوثيون الى صنعاء مجتاحين في طريقهم الدولة و التعايش و كل مظاهر المدنية و التحضر منتقمين من كل من ايد الثورة اليمنية سبتمبر 1962 و فبراير 2011.
لم يجد الرئيس و من خلفه الحكومة و الشعب و الأحزاب و القوى السياسية الا اعلان الحرب على الحوثي و مقاومته و انطلقت المقاومة في عدن و تعز و البيضاء و هدد الحوثي باستخدام كل الوسائل ملوحا بنفس أساليب الخبراء الإيرانيين من براميل متفجرة و قصف جوي على المدنيين، و قام الحوثيون منذ دخولهم عمران و حتى عدن و اب و تعز و البيضاء مرورا بصنعاء، قاموا باكبر و اشرس حملة اعتقالات في تاريخ اليمن و كان معظم المعتقلين من المدنيين من شباب الثورة و أعضاء الأحزاب و رجال الدين و الإعلاميين و الطلاب و الأطفال و لأول مرة يتم استخدام منشأت مدنية كمعتقلات ففي صنعاء استخدموا ملعب الثورة و القاعة الكبرى كمعتقلات و في اب أيضا و استخدموا الفلل و المجمعات السكنية المصادرة كسجون و معتقلات خاصة، و أيضا لأول مرة في تاريخ اليمن يتم تعذيب المعتقلين على نطاق واسع و بدون اَي سبب و ليس حتى لأغراض التحقيق و إنما انتقاما طائفيا محملين المعتقلين جريمة قتل الحسين قبل 1400 سنة و متهمين المعتقلين بانهم احفاد القتلة في اغرب انتقام و اسخف تأويل و بلغ التعذيب حدود متطرفة جدا في السادية و الإهانة و التجويع و مات كثيرون في المعتقلات و خرج البعض شبه هياكل عظمية او فاقدي القدرة على المشي و هناك من فقد بصره و كل هذه الجرائم موثقة و هناك أضعاف اضعافها غير موثقة او حتى غير معروفة.
و في سابقة أخرى لم يكتف الحوثة بقتل و سجن ومطاردة خصومهم بل تعدوا ذلك لتفجير منازل خصومهم بعد اقتحامها و مصادرة ما فيها من املاك و أغراض خاصة تمس كرامة خصومهم من خلال نشر صور عائلاتهم و هو امر بالغ الخطورة و الإهانة في اليمن.
لم ينجح الرئيس و لا من تبقى من القوات لديه و لا المقاومة في التصدي للحوثيين الذي كان شريكهم و داعمهم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح قد سلمهم كل مصادر الدولة العسكرية و الأمنية و معظم أفراد و ضباط و قادة الحرس الجمهوري و القوات الجوية و البحرية و الأمن القومي و الأمن السياسي و القوات الخاصة ليكونوا تحت قيادة عبدالملك الحوثي و ضباطه السياسيين او من يسمون بالمشرفين، و وصل الحوثيون الى عدن و افلت الرئيس من أيديهم و لكنه قبلها و بعد اجتماع مع قادة الحكومة و الأحزاب و كبار مستشاريه قام بإرسال مناشدة للسعودية و للسعودية فقط لسرعة تدخلها لإنقاذ الموقف و على هذا الأساس تدخلت السعودية في اليمن و شكلت تحالفا عريضا لهدا الغرض تحت مسمى التحالف العربي لاعاد الشرعية في اليمن..
و للأمانة التاريخية فقد فرح 90? من اليمنيين من غير الحوثيين بهذا التدخل و رأوا فيه انقاذ لليمن و اعادة للشرعية، صحيح ان التحالف انحرف جدا عن مهمة الرئيسية محاولا احتلال اليمن او تأمين مصالحه فيها قبل إنهاء المعركة لصالح الشرعية، و هذا ديدن كل قوات اجنبية تجد نفسها مسيطرة على الارض، لكن الأمور خرجت عن سيطرته الى حد كبير بسبب عوامل كثيرة، و تطورت انحرافات التحالف حدا بلغت فيه مستوى الجرائم ضد الانسانية خصوصا في قضايا قصف المدنيين و التجمعات المدنية كالاعراس و المأتم، كعرس سنبان و عزاء ال الرويشان في القاعة الكبرى او قصف المجمع السكني في الحديدة و كلها جرائم اعترف بها التحالف رسميا و عوض بعض ضحايا هذه الهجمات و لكن هذا لا يكفي و يجب محاكمته عليها، ناهيك عن قصف قوات الحكومة الشرعية و التذرع بانها اخطاء، هناك خروقات اختطاف المدنيين في الجنوب و وضعهم في السجون الاماراتية و تعذيبهم بشكل مقرف و مخزي تفوق فيه الاماراتيون حتى على الحوثيين و وثقه احد الضحايا في لقاء مع البي بي سي، و اخطر جرائم التحالف هو التلاعب بالعملة بهدف تجويع اليمنيين و ارهابهم و اخضاعهم لرغبات التحالف الغيز نزيهة التي لا تمت للاهداف المعلنة باعادة الشرعية باي صلة.
لا اعتقد أبداً ان الحوثي سيخضع لأي حل سلمي ينزع سلاحه و يخضعه للدولة و يحوله ألى حزب سياسي يخوض فيها انتخابات بعد فترة انتقالية، انه يريد حلا يبقي سلاحه و الثلث المعطل، ببساطة يريد تكرار نموذج حزب الله في لبنان و هذا لن يكون ابدا.
الحوثي جماعة عنصرية طائفية ليس لها قبولا اجتماعيا واسعا مما يعني انه لن يستطيع ان يتحول الى حزبا سياسيا و يخوض انتخابات يخسر فيها لا محالة مهما كانت تحالفاته فالمحافظات الرافضة له و لا يمكن ان تتحالف معه باي حال من الأحوال هي تعز و معظم اب و البيضاء و الحديدة و مأرب و الجوف و جزء من حجة و جزء من المحويت و محافظة ريمة و منطقتي وصاب و عتمة في ذمار و هذه المناطق تملك اكثر 150 عضوا برلمانيا اي اكثر من نصف البرلمان فيما صعدة معقل الحوثيين و عمران و صنعاء و ذمار لا تصل الى خمسين عضوا، مما يعني استحالة تأثيره في البرلمان و توجهاته...
هذه الجماعة مثل جماعة الخمير الحمر و نمور التأميل و غيرها لا تعيش الا بالحرب لان دخولها اَي عملية سلام هو نهاية لها.
لذا لن يسلم الحوثي سلاحه الا بعد هزيمة عسكرية، هل تستطيع الشرعية حسم الحرب دون التحالف؟
و هنا اقولها صادقا و واعيا لما اقول، ان فرصة حسم الحرب مع الحوثي و نزع سلاحه من في غياب التحالف اكبر بكثير من فرصة الحسم بوجوده و تحكمه في كل شيء.
* نقلا من صفحة الكاتب على فيسبوك