بين سوريا واليمن
الثلاثاء, 22 يناير, 2019 - 08:41 مساءً

أكثر من عام وأنا أحلق رأسي عند حلاق سوري.
 
ما يجمعنا أننا الإثنين نازحين من بلدينا بسبب الحرب السارية في اليمن وسوريا.
 
صالون الحلاقة صار أشبه بمقر مصغر يلتقي فيه السوريين النازحين، خاصة مع وجود مقهى تابع للصالون يقدم الشاي والقهوة والعصيرات ويعرض المباريات الرياضية في حديقة صغيرة أمام المحل.
 
من خلال التردد للحلاقة أو شرب القهوة بالمقهى التقيت عدة شخصيات سورية طوال هذه الفترة ومن مختلف المشارب والانتماءات في سوريا.
 
وضعهم تماما يشبه وضعنا في اليمن، فهناك من هو موال للنظام، وبعضهم معارض له.
 
يشكو السوريين من وحشية النظام وقمعه للناس، ويشكون أيضا من حدة التدخل الخارجي، ويسردون قصصا وحكايات عن كيف جرى دعم المناوئين للنظام في بادئ الأمر، ثم كيف جرى التخلص منهم لاحقا من قبل داعميهم، وخيانة الثورة السورية لصالح بشار ونظام حكمه.
 
لا أحد منهم يتمنى البقاء في غير بلده، بل ويسابقون الزمن للعودة لبلدهم، وهناك شخصيات منهم غادرت وعادت لسوريا.
 
السوريين مثلنا اليمنيين، جرى الإلتفاف على ثورتهم من قبل الخارج، لكن بشار صمد بفضل حلفاؤه الذين وضعوا كل ثقلهم في سوريا، ونجحوا في تثبيت أقدام بشار، وحالوا دون سقوطه، غير أن النتيجة كانت هي دمار سوريا أرضا وإنسانا وتاريخا.
 
أما في اليمن فقد كان الحلفاء المفترضين لليمن، وهم هنا البيت الخليجي وتحديدا السعودية والإمارات هم من أسقط الثورة بعد تقديمهم للمبادرة المعروفة، فحركوا الحوثية والنظام السابق لتدمير الثورة من الداخل، ثم أطلقوا حملة عسكرية أجهزت على ما بقي من مقومات البلد وبنيته التحتية.
 
ثم طال الوقت ليهلكوا ما بقي من شكل الدولة، ويحولوا اليمن إلى بلد يشبه الدمى من المسؤولين والأحزاب التي أصبحت تحت يدهم وتتصرف وفقا لأجندتهم.
 
عامل الوقت كان له تداعياته الكارثية في كل من سوريا واليمن بالذات، جلب بشار فكرة داعش إلى سوريا من العراق، وتحول بمعية إيران إلى مناضل ضد داعش أمام الغرب، وقدم نفسه من جديد بدعم طهران كرجل أول لمقاومة داعش ومواجهته أمام الغرب.
 
قضت إيران وبشار بمساعدة دولية على داعش، فزادت طهران من تعمقها في كل من العراق وسوريا، واستعاد النظام السوري عافيته، وبدأت الحياة تدب في شرايينه من جديد، وعاد العرب إلى دمشق بعد مقاطعتهم لها، وبعودتهم استطاعوا أن يخدموه أكثر مما لم تضره مقاطعتهم لبشار.
 
والعودة العربية اليوم لدمشق ليست صك نجاح لبشار ونظامه، بل هي تجسيد لحالة الهوان العربية، وترسيخ لفكرة الاستبداد الذي تتشابه به كل الأنظمة العربية بلا استثناء، وهو تعبير عن المخاوف من نجاح أي ثورة عربية تتمكن من الإطاحة بأي حاكم.
 
الخسارة اليوم في سوريا هي خسارة الشعب السوري، وما لحق بالسوريين من شتات وهوان ودماء أهدرت.
 
والأنظمة العربية اليوم التي تهرول إلى سوريا بعدما قطعت علاقتها مع بشار هي ذاتها التي رفضت استقبال السوريين، بل وأهانتهم على حدودها، وأغلقت الأبواب في وجوههم، لدرجة أن الكثير منهم لا يستطيع الذهاب لأداء فريضة العمرة بحجة أنه يحمل الجواز السوري.
 
نفس الوضع باليمن يتكرر، مع اختلاف في بعض التفاصيل، تآمر الحلفاء قبل الأعداء على اليمن وثورته، ولم يتمكنوا حتى من الخروج بواقع جديد يحفظ لليمن دولته وهويته، وينطلق نحو المستقبل، بل جرى تمزيق اليمن بكيانات داخلية متعددة، وتهميش الحكومة الشرعية، وزرع بذور الانقسام التي ستظل عاصفة باليمنيين شعبا ودولة لعقود قادمة.
 
الخاسر الوحيد والمؤكد هو الشعب اليمني في كل الأحوال، والذي توزعت نخبته على العواصم العربية والغربية، وتوزع شعبه على مظاهر الفقر والمرض والحاجة، وازدهرت فيه مليشيات الحرب، والسجون السرية، وزنازين التعذيب والموت.
 

التعليقات