من الظاهر أن الحرب بدأت مبكراً ضد محافظ شبوة الجديد محمد بن عديو الذي انتهج بشكل غير مسبوق إجراءات واسعة لمكافحة الفساد كان من أبرزها إلغاء الرسوم غير القانونية على المشتقات النفطية أو مايعرف بـ السبعة ريال التي بلغت مبالغها مئات الملايين كان يتم العبث بها. و توريد مبالغ ضريبة القات إلى حساب البنك المركزي والتي لم يكن يورد منها شيء خلال السنوات الماضية. بالإضافة إلى توقيف مدير شركة النفط اليمنية ومدير عام مكتب الصناعة والتجارة مع مسؤولين آخرين وإحالتهم جميعا إلى التحقيق. وعلى الرغم من شجاعة هذه القرارات إلا أنها تظل وحيدة في ظل شرعية فاسدة من أعلى قمة الهرم الإداري للدولة وحتى أصغر مسؤول فيها.
جابهت هذه الجهود الكثير من المقاومة والعراقيل من جهة المنتفعين التابعين للانقلاب والمستفيدين من عمليات تهريب النفط والمشتقات النفطية، تمثلتها رسالة من نقابة موظفي شركة النفط المزعومة في صنعاء والتابعة كليا لسيطرة الحوثيين. ومن جهة أخرى لم تسلم جهود مكافحة الفساد في محافظة شبوة من عرقلة مسؤولين كبار في الشرعية مثل نجيب منصور العوج المدير التنفيذي لشركة النفط اليمنية الذي أرسل شكوى إلى النائب العام ضد رئيس نيابة استئناف محافظة شبوة على خلفية الجهود المبذولة لمحاسبة الفاسدين في المحافظة. هذا كله يحدث طبعا تحت مرئى ومسمع قيادة وزارة النفط ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية الذين يشاهدون من بعيد وكأن الموضوع لا يعنيهم.
حتى هنا و يظهر أن الحرب الحقيقية لم تبدأ بعد ، لنسمع بعد ذلك أن شركة OMV أو إم في النمساوية التي تمتلك دولة الإمارات ربع أسهمها أوقفت عمليات الإنتاج والتصدير للنفط الخام من قطاع S2 العقلة بحجة تعطل عمليات نقل النفط إلى قطاع 4 غرب عياد والتي يقوم بها المقاول الحثيلي . حيث تعرضت ناقلات الحثيلي للتقطع مرتين بحسب رواية شركة OMV أو إم في .
وبالقاء نظرة على رسالة الشركة المسربة والموجهة أساساً إلى وزير النفط ومحافظ شبوة نجد أنهم ذكروا اسم الخبيلي من أبناء شبوة ، بأنه قام بعمليات التقطع مرتين خلال هذا الشهر ورفض الدخول في مناقصة الأمر الذي أدى بالشركة إلى إيقاف عملياتها.
على الرغم من أن التقطع ليس الطريقة السليمة للمطالبة بالحقوق ، لكن يظل حصول أبناء شبوة على الفرص المتاحة في محافظتهم حق أصيل لهم. و تظل الطريقة القانونية و الصحيحة هي الاشتراك بالمناقصة التي قدمتها الشركة والمنافسة للحصول على العمل . أي نعم أن المتطلبات المفروضة من الشركة من ناحية القدرة المالية أو إمتلاك الأصول أو الخبرة في هذا المجال لا تتوفر إلا لدى شركة مثل الحثيلي. لكن يجب أن لا ننسى أن نظام عفاش لم يكن يسمح إلا للمقربين له من عينه الحثيلي للعمل في المجال وتم على مدى سنوات إقصاء وتعطيل كل من كان يحاول دخول هذا النشاط والمنافسة فيه. وبالتالي يتحتم على شركة أو إم في التوصل إلى حلول مع المقاولين من أبناء شبوة حتى لو كانت إمكانياتهم أبسط أو خبرتهم أقل بأن يحصلوا على جزء من العمل بالشراكة مع الشركات الأخرى التي تصنفها الشركة كـ "مؤهلة" ،، لتتمكن الشركات ورواد الأعمال الشبوانيين من الاستفادة من هذه الفرص و اكتساب الخبرة والنمو شيئا فشيا ليصبحوا في المستقبل القريب مؤهلين وقادرين على القيام بالأعمال والمشاريع التي تحتاجها المحافظة في مجال النفط أو غيره .
الجدير بالذكر أن عمليات التقطع ليست بجديدة والشركة معتادة على التعامل معها منذ زمن. بخلاف أنه من الوارد أن يكون الخبيلي نفسه جزء من هذه المسرحية لإيجاد عذر للشركة، لان التقطعات ليست هي السبب الحقيقي وراء وقف عمليات إنتاج وتصدير النفط الخام، خصوصا أن الجهات الامنية قادرة على السيطرة على مثل هكذا تحركات. والأغلب أن الشركة النمساوي-إماراتية تقوم بدور مشبوه في سبيل تقويض الجهود التي يقوم بها محافظ شبوة محمد بن عديو لمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين. الأمر الذي بدأ يقض مضاجع مافيا الفساد التي أرست مداميك إمبراطوريتها طوال سنوات الحرب وأصبحت دولة أقوى من الدولة نفسها وتتحكم بما يحصل على الأرض لدرجة أنها ترغم شركة بترول على إيقاف عملياتها بسبب حجج واهية.
ختاماً،، فإن الفساد كثقافة وسلوك تعزز مع سقوط الدولة وظهور مصالح للمنتفعين و أصبح منظومة أكثر منها أشخاص. وبالتالي فإن تفكيك منظومة الفساد لن تكون بالمهمة السهلة نهائياً بحكم الجذور العميقة التي تأصلت طول الأربع سنوات الماضية ، وتقاطع توجه مواجهة الفساد مع مصالح لجهات عليا خاصة في ملف النفط. هذا ناهيك عن سعي الفاسدين المتواصل للتمترس بالقبيلة والحزب والمكون ليصنعوا لهم حماية. بالإضافة إلى الضعف في بنية مؤسسات الشرعية مما يصعب مهمة مواجهة الفساد . ويزيد على ذلك التعقيدات في الوضع على الأرض وتعدد مصادر التأثير فيه وتداخل الصلاحيات ووجود جهات تمتلك القوة والدعم وتحمل مشروع مناقض تماماً للتوجهات التي يسير عليها محافظ شبوة.
*من حائط الكاتب على فيسبوك