قبل يومين صدر تقرير فريق الخبراء المعني باليمن عن العام 2018، متضمنا استعراضا للوضع الذي عاشته اليمن طوال العام، لكن ما تضمنه التقرير من ملاحظات لا ترقى لمستوى ما شهدته اليمن من احداث خلال العام، فقد أهمل بعض الأحداث، وتجاهل بعضها، وتغير موقفه تجاه البعض الآخر.
من خلال استعراض التقرير وقراءته أكثر من ثلاث مرات، خرجت بهذه الملاحظات التي تجمع بين معلومات أوردها وتبدو ملفتة، وأخرى تم استنتاجها من قراءة التقرير ومقارنته بالتقارير السابقة:
التقرير أصدر أحكام في قضايا معينة واستنطبها من بحوث أو تحليلات نشرت في مواقع يمنية أو عربية أو دولية.
أغلب مراجع التقرير هي الصحافة الإلكترونية بمختلف مستوياتها، ومن مراكز بحوث عربية ويمنية واجنبية، سواء كان ذلك أخبار أو معلومات.
يقول التقرير إن حزب الاصلاح حقق بعض المكاسب في محاولاته ليصبح الجماعة المسيطرة على تعز بعد المعارك التي خاضها مع جماعة ابوالعباس، واستند في هذا الكلام إلى تقرير نشره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.
بدا التقرير مهادن أو غير متحمس للكثير من المظاهر التي كان في السابق قد عارضها أو انتقد وجودها مثل القوات التي تقاتل مع الإمارات من أحزمة ونخب.
يرى في القوات التي أنشأتها الإمارات (الحزام الأمني عدن- الحزام الأمني أبين – نخبة شبوة – نخبة حضرموت) رأس حربة في مواجهة الإرهاب بالمحافظات الجنوبية، واعتبرها الضامن الفعلي لاستتباب الأمن في تلك المحافظات، وأن لها دورها في مكافحة الجرائم العادية والجريمة المنظمة، مع إشارات إلى أنها لاتزال خارج سيطرة الحكومة اليمنية وتتلقى التمويل من الإمارات، ولم يبدي موقفه حولها، على سبيل المثال العام الماضي اعتبر تلك القوات تقويض لسلطة الحكومة الشرعية.
و قال إن دور تلك القوات في مكافحة الإرهاب وفر غطاء لها في خدمة مخطط مناصر للجنوب يركز على اضطهاد منافسيها في حزب الإصلاح الموصوفين بالإرهاب والمرتبطين بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
قال إن شلال ظل حليفا وفيا للزبيدي.
يقول التقرير إن عدد المنتسبين للجيش الوطني التابع للشرعية 136.930 فرد، ويعاني هذا الجيش من الإفتقار للمال، وذكر إن عدد المنتسبين للقوات الغير نظامية التي يدعمها التحالف في اليمن يصل إلى مية ألف شخص، وتتبع جماعات معينة، وغالبا ما تكون قرية أو حتى عائلة واحدة، بمعنى أن ما يوزاي عدد الجيش النظامي هناك مليشيا مسلحة في اليمن، والجميع يتلقى دعمه من التحالف العربي.
بدا غير مركز على القضايا والتحديات التي تواجه الحكومة الشرعية، ولم يتطرق لغالبيتها مثلما تناول في تقاريره السابقة.
لم يتطرق بالمطلق لما جرى في محافظة المهرة طوال العام من أحداث وممارسات للسعودية، ورفض لتواجدها هناك.
لم يتطرق لحوادث الإغتيالات التي شهدتها اليمن خلال العام 2018 خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف العربي، كعدن وحضرموت وتعز، وفي النسخة الانجليزية نشر جداول للشخصيات التي اغتيلت.
لم يتطرق للسجون الخاصة التي تديرها الامارات في مدن جنوب اليمن، وقال بأنه حقق في بعض الحالات، ولم يكشف نتائج التحقيقات التي توصل لها، ولم يتطرق ايضا للسجون التي يديرها الحوثيين، ولا للانتهاكات التي يمارسونها مثلما حصلت فعليا.
لم يتطرق تماما لاعتصامات امهات المختطفين التي تنظم في عدن وصنعاء وحضرموت، ولا لمعاناة السجناء والمخفيين قسرا، وهي القضايا الراهنة والموجودة والمتكررة.
تأثير التحالف العربي ممثلا بالسعودية والإمارات على التقرير واضحة، وانعكست على بعض القضايا الجديدة التي أدرجها في تقرير العام 2018م، مثل إشارته بأنه يحقق في عملية استلام حزب الإصلاح أموال من دولة قطر.
استند ايضا على تغريدات ومنشورات لبعض الشخصيات في وسائل التواصل الاجتماعي للتدليل على بعض القضايا.
فريق التقرير أقر في بداية التقرير أن الوضع الإقتصادي أثر عليهم، حيث مرت الميزانية المالية للأمم المتحدة بصعوبات مالية، وهو ما أثر عليهم وعلى تنقلهم وممارسة مهمامهم، وابلغ في اكتوبر من العام 2018 بحدوث تخفيضات في ميزانيته، وهو ما أدى إلى تقليص قدرته على تنفيذ المهام المكلف بها، ويبين التقرير العمل الذي تمكن الفريق من انجازه في حدود اعتماد الميزانية المنخفضة.
حقق في الوثائق المزورة وعمليات النصب والاحتيال المالي من قبل بعض الأطراف اليمنية وكذلك سرقة الأثار، والاختلاس، والتلاعب بالمال، وغيرها من القضايا التي تبدو ثانوية في سياق ما يشهده اليمن من قضايا أهم.
وجود نقص في استكمال المعلومات حول بعض القضايا على سبيل المثال قوله بأنه لم يتسلم اسماء الأشخاص ومعلوماتهم الذين كانوا على متن القارب الذي جرى ضبطه في عدن بتاريخ 27 اغسطس 2018 وضبطته القوات الأمريكية باعتباره شحنة قادمة من ايران.
واصل الفريق توصيف بعض الاستنتاجات من خلال التحدث عنها مثل: من "المرجح أن" و "يحتمل أنها" و "يبدو أنها" ، "ولم يتمكن الفريق من فهم أسباب التأخير".
أورد كلام غامض في بعض الفقرات، ففي حديثه عن تنظيم القاعدة في اليمن قال بأنه أصبح "عبارة عن شبكة غير متجانسة من الأفراد الذين باتت اتصالات الهواتف النقالة تمثل تهديدا كبيرا لهم".
قال بإن التوترات لاتزال قائمة بين المجلس الانتقالي الجنوبي وعناصر قبلية في محافظة المهرة مما يعرقل إقامة مظاهر تأييد مماثلة هناك، وهذا الأمر لم يحصل اطلاقا في المهرة، ولم تتصادم القبائل مع المجلس الانتقالي هناك.
وردت صفة خالد اليماني في التقرير بأنه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية.
اعتبر المواجهات بين أبي العباس والجيش في تعز، والمواجهات بين كتائب العباس والاصلاح تنافس من أجل السيطرة على أحياء تعز لتحصيل الإيرادات، ولم يتطرق للجثث المدفونة في تعز مثلا ولا دوافع الصراع الجاري هناك، ولا لأبي العباس بمثابته موصوما بالإرهاب، بل بالعكس قدمه كقائد ميداني وطني.
ابوالعباس قال للفريق إن لديه ثلثي القطع التي كانت جزء من متحف العرضي في تعز، وقال بانه لم يتوصل لاتفاق مع وزارة الثقافة لتسليمها وأنها لازالت بحوزته.
قال الفريق إنه سيتجاهل ما لاحظه في تقريره السابق عن ثروة علي عبدالله صالح بعد وفاته، ولن تكون بعد الآن ضمن نطاق ولاية وعمل الفريق.
لم يتلقى تأكيدات من الامارات حول تجميد الأصول المعنية بخالد علي عبدالله صالح الذي يعتقد الفريق أنه يدير أموال أبيه ومشمول بالعقوبات.
ركز بشكل كبير على الحوثيين وما يمارسوه في اليمن، بينما اقتصر حديثه عن التحالف على الغارات الخاطئة، مع استعراض بسيط لبعض ما يفعله التحالف داخل اليمن طوال العام، بينما أغفل الكثير من الاحداث المتصلة بسلوك التحالف.
التقرير ركز على القضايا التي تهم السعودية والإمارات بشكل كبير وتخدم الدولتين، مثل الطائرات المسيرة، والهجمات على السفن، والصواريخ التي يطلقها الحوثي على المناطق السعودية.
كثير من الأحداث لم يستطع الفريق تقديم حقائق كاملة عنها، واكتفى بالاشارة إلى أنه لم يحصل على معلومات عنها.
التقرير بشكل عام يبدو أخف حدة تجاه التحالف العربي من التقارير السنوية السابقة التي أصدرها الفريق، وربما يعود الأمر إلى ضغوط مورست على الفريق، وأثرت على طبيعة عمله.
يشبه التقرير في مجمله بحث صحفي، أو دراسة لمركز بحثي اجتهد فيها من الاقتراب من الواقع لكنه لم يفلح في الوصول لما يريد.
بدا تقرير هذا العام وكأنه مجرد تحصيل حاصل، واسقاط واجب، ولا يرغب بإثارة غضب أي طرف.
النسخة الانجليزية من التقرير تبدو أوسع في استعراض الأدلة والوثائق من النسخة العربية.
توصل التقرير إلى وجود كيانات خارجية مولت الحوثييين في شراء طائرات مسيرة وآلات عسكرية أخرى، ومن ضمن ذلك شركة اسمها سكور جنرال تريدينج وقامت بتمويل الحوثيين مستخدمة حساب مالي في بنك الإمارات الاسلامي في دولة الإمارات، ولم ترد الامارات على طلب الفريق بتوضيح الأمر.
التوصيات التي قدمها تبدو هشة جدا وتركز على قضايا سطحية، فعلى سبيل المثال أول توصية للفريق توصيته بتذكير الحكومة اليمنية بأن الفساد يشكل خطرا كبيرا ويهدد الأمن والسلام في اليمن، والتوصية الثانية النظر في تضمين قرار او بيان رئاسي من الأمم المتحدة يحث الحوثيين على ضمان احترام مبادئ الحياد والنزاهة والاستقلال فيما يتعلق بالجهات الفاعلة في المجال الإنساني.
من المهم الإشارة هنا إلى أن بعض ما يورده التقرير في كل سنة، يظهر نقيضه في العام التالي، فعلى سبيل المثال ما اورده التقرير عن مضبوطات مالية العام الماضي في المهرة على أنها أموال يجري تهريبها خارج اليمن من مختلف العملات في المهرة وأنها تتبع شخصيات لها علاقة بعائلة صالح اتضح انها تتبع تاجر لاعلاقة له بعائلة صالح، وسعى لاخراج أمواله خارج اليمن، وبعد التحفظ على تلك الأموال في المهرة قدم ما يثبت ملكيته لها وأفرج عنها، وحاول السفر إلى عدن وهناك قبض عليه الإماراتيين، وصودر عليه اثنين مليون درهم إماراتي، وفق شخص مقرب من هذا التاجر، مقابل إطلاق بقية الأموال.