بعد أكثر من نصف قرن في شمال اليمن وجنوبه اختلفت المقاييس "الوطنية" وانحرفت البوصلة وحتى الشعارات بمسميات قيم متناقضة لما كان عليه قبل عقود، عندما انعتق الشعب في الشمال من الإمامة وفي الجنوب من الاستعمار.
وبعد هذه السنين حدث نكسة وتراجع في كل تلك القيم ( جمهورية وحدة ، استعمار ، امامة ) اصبح العكس هو الصحيح، فلا جمهورية، وانما مجرد مسمى على غرار (جمهوري إسلامي إنقلاب ايران) والوطنية على غرار شركاء مع الانجليز!
فقبل سنوات كان مجرد التفكير برؤية كهذه ضربا من الخيال وان همس به مواطن ما على استحياء ، واليوم بدعوى الوطنية وحب اليمن !
فالاعلام الحوثي يتغنى باليمن، واعلام الحراك يتغنى بالجنوب . وكلاً يغني على ليلاة وليلى لا تقر لهم وصالاً !
فعلى سبيل المثال مواجهة أعداء الجمهورية غداة ثورة 26 سبتمبر في مطلع الستينيات كانت حكومة النظام الجمهوري داخل صنعاء والمتمردين من فلول الملكيين خارج المدن الرئيسية وكلهم في الجغرافيا اليمنية، واليوم العكس تماما سوى للمتمردين من جماعة الحوثي او متمردين ما يسمى بالحراك الجنوبي في عدن.
فليست ميلشيا الحوثي التي تحكمت بجزاء من الداخل اليمني وتصمد وتنكل بالشعب من الداخل والشرعية من خارج اليمن، بل والحراك أيضاً، رغم أن بعضهم مسؤلين في الحكومة الشرعية، ويتقاضون مرتباتهم من الحكومة اليمنية ودعم سخي من الإقليم.
وبداهة وعلى خلفية سيطرة الممولين من الإقليم لا يستطيعون عقد مؤتمرا في عدن لهم، بدليل أن مؤتمر خاص وموسعا للقضية الجنوبية ينعقد الخميس 6 مارس خارج عدن وخارج اليمن باسرها وذلك في القاهرة، وقد جرى تأجيل المؤتمر بسبب عدم حصولهم على الموافقة الأمنية من السلطات المصرية.
في داخل صنعاء او حتى خارجها من يؤيد الشرعية يعتبر مرتزق من قبل ما يسمى بسلطة الأمر الواقع وهو الأمر نفسه في عدن من يجرؤ على الكلام وحتى من يؤيد الشرعية يعتبر خونجي ويناصر حكومة الشرعية على استحياء بدون انتقاد لخصومها من الحراك .. وفي صنعاء وعدن من ينتقد النظام السابق يصنف من قبل ايتام علي عبدالله صالح ( اخوانج)، بل وحتى في بقايا عفاش من الدولة العميقة في الشرعية نفسها سوى من هم في الداخل في صنعاء او عدن او حتى في المنفى من قبل عصابة الأربعة الإعلاميين البررة !
قبل أربعة عقود ونيف الرموز اليمنية على سبيل المثال الحمدي وسالمين انقضوا عليها واليوم يتغنوا بهؤلاء وفي نفس الوقت ليسوا على خطاهم ، فترى شخص يعلق صورة الحمدي وزعيم الفساد وسيدي عبدالملك في نفس الوقت!
وفي عدن يتغنى الحراكي بدولة الحزب الاشتراكي والحقبة اليسارية التي كانت تلعن الاستعمار ليلا ونهار واليوم يريدون يعودون لنفس الدولة ولكن بتقمص دور المستعبد والعبد لسيدة بصورة معاصرة.
الوحدة وأدت بيد صانعيها، والجمهورية والديموقراطية غدت مجرد قيم افتراضية نتغنى بها، وشعار كلنا من اجل اليمن هو في واقع الحال "كلنا ضد اليمن".
اليمن يتلاشى ويتهاوى أمام اعيننا، وكرة الثلج تكبر يوما بعد يوم، وايام اليمنيين بألف يوم معاناة مركبة ومستمرة تتعقد الامور بصورة تبعث باليأس والقنوط فلا افق للحل ولا أمل مرتجى ، الشعب اليمني ينكل به الغازي " الوطني" والخارجي.
واليمنيون كمجتمع ينكلون انفسهم بأنفسهم بخلق تخلق مستجدات وتفاصيل خارجه عن سياق القضية الرئيسية.
ملايين من اليمنيين في حالة ضياع ويأس وقنوط والحرب تزداد ظراروة ليس من اجل الحسم بل ربما لمزيدا من التعقيدات والتداخلات .. يحدث كل هذا والنخب المثقفة والشبه متعلمة تتصارع فيما بينها في تفاصيل تافهة وتسير في اتجاه آخر تهرول للمجهول وتنشغل في جدل لا يغني ولا يسمن من جوع.
فقدان البوصلة هو عنوان المرحلة ، ويمن الحكمة غداء بلاحكمة !
الخلاصة بفضل تراكمات وتناقضات وفساد نحو أربعة عقود سيطرة على معظمها الرئيس السابق غدة بنية وتركيبة المجتمع اليمني في حالة احتراب غير معلن والجميع يكره الجميع ، ولم نعد نعرف من ضد من ومن اجل من ؟
* سفير بوزارة الخارجية.
*مقال خاص بالموقع بوست.