اليمن أمام عاصفة التفكيك
الجمعة, 15 مارس, 2019 - 04:55 مساءً

الآن اتضحت أكثر من ذي قبل نوايا ما سمي بـ»التحالف العربي» الذي أطلق «عاصفة الحزم» قبل أربع سنوات بهدف إعادة الشرعية إلى اليمن ممثلة بدعم الرئيس المنفي عبد ربه منصور هادي، وهزيمة الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران. هذه المقولة تهاوت منذ زمن بعيد عندما اتضح أن هناك مصالح أعقد وأبعد بكثير من دعم الرئيس الشرعي، إذ أن الجبهات تعددت والعمليات العسكرية شملت مناطق لا وجود للحوثيين فيها.
 
وأود هنا أن أضع صورة أوضح لما يجري الآن على الأرض، حيث يجري تفكيك اليمن وتقطيع أوصاله حتى لا يعود بلدا واحدا موحدا عزيزا سيدا، يفوق عدد سكانه سكان دول الخليج جميعها، وينتمي إلى مرجعية دينية وثقافية وحضارية متشابهة ولديه من الإمكانات والموارد الطبيعية والبشرية ما يمكنه أن يصبح من أغنى الدول وأكثرها تطورا، في ما لو ترك وحده ومارس سيادته وانتخب قيادته الوطنية التي تضمن وحدة البلاد وسيادتها.
 
بعض التطورات الأخيرة في المشهد اليمني تؤكد بدون أدنى شك أن المقصود ليس هزيمة الحوثيين وإعادة الشرعية إلى اليمن، بل تفكيك اليمن وتقسيمه جغرافيا ومذهبيا، كي لا تقوم له قائمة. لقد أبدينا مخاوفنا وشكوكنا في النية الحقيقية ل»عاصفة الحزم» فبعض دول الجوار ليست معنية بهزيمة الحوثيين، بل استغلت انقلابهم على الشرعية لتدمير اليمن وتفكيكه مرة وإلى الأبد، والثأر لتاريخ من الهزائم أمام صلابة اليمنيين. ولنتابع ما يجري الآن في اليمن.
 
معركة الحجور
 
لقد تخلى النظام السعودي عن قبائل الحجور في محافظة حجة وتركهم لمصيرهم يقامون تقدم الحوثيين وحدهم لأكثر من شهرين، وقوات ما يسمى الشرعية على بعد عشرين كيلومترا فقط. وما كان من الممكن للحوثيين السيطرة على الحجور لولا خذلان التحالف في دعم الجبهة. اقتحم الحوثيون بلدة العبيسة بعد حصار طويل، وقتلوا قائد الجبهة، الشيخ أبو مسلم الزعكري، بعد صمود بأسلحة خفيفة لمدة شهرين، ثم أعدم الحوثيون الشيخ محمد حمود العمري في مديرية كُـشر. وعندما جاءت طائرات التحالف لتقصف تجمعات الحوثيين في كشر، في منطقة مغربة طلان البعيدة عشرة كيلومترات عن مسرح العمليات، أفرغت حمولتها فوق رؤوس عائلة محمد إبراهيم زليل وعائلة آل عزي، وبيت الهادي وبيت الأحدب وكل القاطنين من النساء والأطفال، فأردت 23 من بينهم 12 امرأة من عائلة هادي و 8 نساء من أسرة أحدب، كما سقط ثلاثة أطفال وجرح نحو 18 شخصا من بينهم أطفال تتراوح أعمارهم من شهر إلى 13 سنة.
 
لقد مثلت تلك المعركة انتفاضة قبلية ضد سيطرة الحوثيين لمنع بسط السيطرة الحوثية على حجة، التي تعني إعطاء الحوثيين فرصة ربط جميع المناطق التي يسيطرون عليها، بدون أن تكون فيها جيوب مرتبطة بما يسمى الشرعية. وكأن ما يجري عملية تطهير عرقي متفق عليه، حيث ترسم حدود الدولة الحوثية مقابل المنطقة الوسطى التي يمكن أن تكون دولة ثانية ذات أغلبية سنية، وبالتالي إنشاء دولتين متنافرتين تستمر حروبهما إلى ما لا نهاية، وهذا ما تريده إسرائيل والولايات المتحدة.
 
 
معركة عدن والسيطرة على الموانئ
 
 
لقد أنشأ ما يسمى «فريق أبو ظبي» القريب من سياسة ولي عهد الإمارات «المجلس الانتقالي الجنوبي» ومقره عدن، الداعم لفكرة انفصال الجنوب عن اليمن وإقامة «جمهورية موز» تابعة تماما لدولة الإمارات. وتعقد الإمارات العديد من الاجتماعات في أبو ظبي لتخريج إنشاء دولة الجنوب. لقد أفشلت الإمارات يوم الخميس الماضي 7 مارس اجتماعا لـ»الإئتلاف الوطني الجنوبي» في القاهرة، الرافض للتوجه الإماراتي والمدعوم سعوديا، وهو ما أظهر بشكل واضح الشرخ بين الحليفين الأساسيين في دول التحالف التي أطلقت عاصفة الحزم.
 
كما أنشأت الإمارات في الجنوب ميليشيات معظمها من المرتزقة، وصرفت عليها الملايين، وأحضرت عسكريين دوليين وعناصر مخابرات غربية لتدريب هذه الميليشيات الموزعة في محافظات الجنوب وأهمها:
 
– «الحزام الأمني» بقيادة هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي. ويصل عددها إلى 13000 مقاتل. وتسيطر هذه الميليشيات على عدن ولحج والضالع وأبين. وقد منعت هذه القوات طائرة الرئيس هادي من الهبوط في مطار عدن وهزمت قواته عسكريا وطردتها من محيط المطار في فبراير/شباط 2017.
– قوات الدعم والإسناد التي يقودها أبو اليمامة الذي يتزنر بعلم إماراتي ووعد بطرد عبد ربه منصور هادي لو مرّ على الجنوب. وعدد القوات 3000 مقاتل.
– قوات النخبة الشبوانية وعددها 3500 وقوات النخبة الحضرمية وعددها 2700.
 
يجري تفكيك اليمن وتقطيع أوصاله حتى لا يعود بلدا واحدا موحدا عزيزا سيدا
 
– قوات حراس الجمهورية بقيادة طارق علي عبد الله صالح الذي جمع أنصار حزب المؤتمر، ويريد أن يثأر لمقتل والده على أيدي الحوثيين. وقد جمع نحو أربعة ألوية من بقايا الحرس الجمهوري، بالإضافة إلى مجندين جدد حيث وصل عدد القوات إلى 11000 مقاتل تتخذ من مدينة المخا على البحر الأحمر مقرا لها.
 
يشرف على تدريب هذه الميليشيات في ميناء عصب في إريتريا مرتزقة معظمهم من أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة وأستراليا، ومنهم جنرال إسرائيلي مؤسس شركة «سبير أوبريشن» أبراهام جولان، والجندي السابق في سلاح البحرية الأمريكية، إسحاق جليمور، اللذان اعترفا بالقيام بالاغتيالات في اليمن. فقد دفعت أبوظبي 25 مليون دولار للشركة المذكورة لتنفيذ الاغتيالات ضد المناوئين، وخاصة أعضاء حزب الإصلاح (القريب من الإخوان المسلمين) حيث شهدت عدن تنفيذ أكثر من 200 عملية اغتيال منذ عام 2015.
 
لقد بسطت الإمارات سيطرتها على محافظات الجنوب الأربع بالمال والسلاح والقوة والتعذيب والسجون. كما ضمت إلى سيطرتها جزيرة سوقطرى وأغدقت على السكان هناك، لدرجة أنهم طالبوا بأخذ الجنسية الإماراتية. إن قرار الإمارات السيطرة على الجزيرة يهدف إلى ربط منطقة بحر العرب بخليج عدن، وبالتالي ربط عدن بالجزيرة المحتلة. لقد تراجعت الإمارات عن دعم السعودية في حصار ميناء الحديدة ومحاولة احتلاله بالقوة، مركزة على الجنوب وباب المندب والجزر. فما دخل كل هذه النشاطات بدعم الشرعية وهزيمة الانقلاب الحوثي؟
 
السعودية ومحافظة المهرة
 
دفعت السعودية قواتها لبسط السيطرة على محافظة المهرة، ثاني أكبر محافظات اليمن بعد حضرموت في يناير/ كانون الثاني 2017. وتوجهت القوات العسكرية التابعه لها للسيطرة على منفذي شحن وصرفيت وميناء نشطون ومطار الغيضة الدولي. وبما أن حجة محاربة الحوثيين لا تستقيم لذي حجى، بررت السعودية هذه الاندفاعة إلى تقارير تدعي أن هناك عمليات تهريب للسلاح من هناك إلى الحوثيين، ولا نعرف كيف يمكن أن يصل السلاح إلى الحوثيين من هذه المنطقة النائية المجاورة لعُمان، إلا إذا مرّ بالأراضي السعودية. وتقول المصادر المتداولة إن السعودية أرسلت إلى المحافظة، خاصة المناطق الساحلية قوات عسكرية مكونة من 20 وحدة عسكرية معززة بالمدرعات، وباشرت عملها في منطقة عينة الساحلية ومنعت مئات من الصيادين من ممارسة أعمالهم في الصيد التقليدي. كما بدأت الشركات السعودية تحدد مسارات أنبوب نفط يمر من الأراضي السعودية ويعبر المحافظة وصولا إلى ميناء نشطون على شواطئ بحر العرب، رغم معارضة أهالي المحافظة بطريقة سلمية على شكل احتجاجات واعتصامات والتهديد بعدم السكوت إذا ما استمرت السعودية في بسط سيطرتها على المحافظة.
 
لقد كذبت دول التحالف مرتين ـ عندما ادعت أنها جاءت لتدعم الشرعية، وإذا بها تقوض الشرعية وتدوس عليها وتحولها إلى مهزلة، وثانيا عندما ادعت أنها جاءت لإنهاء الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران، فإذا بها تقوي الوجود الحوثي في مناطق الشمال، وتلتفت هي إلى الجنوب وتعمل على فصله وإقامة دولة موالية. كما تقوم باستغلال مصادر اليمن الطبيعية وتتقاسم مناطق النفوذ لتترك اليمن أشلاء ممزقة كي لا تقوم له قائمة. لكننا على ثقة بأن أهل اليمن المعروفين بصلابتهم وشجاعتهم وقدرتهم على التحمل، والذين مرغوا أنف بريطانيا في عدن، لن يخضعوا لمستعمرين جدد حتى لو كانوا من أبناء الجيران والعمومة.

* عن القدس العربي 

محاضر بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي
 

التعليقات