تزوجها بعد قصة حب كبيرة، قصة حب في رحاب الفقر، لكنها قصة حب بمعنى الكلمة ، لطالما عزمها على سندويتش جبن ناشف ولا غير ، لم يكن يملك قيمة وجبة الزربيان ، ولم يكن يستطيع الذهاب بها إلى مطعم راق جميل ، كان ذلك مستحيلاً في حالته .
وأحبته هي على حاله لاغير ، أحبته وهو بتلك الملابس التي لايغيرها الا كل يوم خميس ، إنه لا يلبس الفوطة الزاهيه إلا كل جمعة للصلاة فقط ،أحبته وهو يوم الدلع يشتري لها آيسكريم أبو روتي ،
الدنيا لا تسع فرحتها يوم يروحان لمحل آيسكريم أبو روتي في التواهي ، حين يحدث ذلك كانت تروح تشطح وتدّلع أمام صاحباتها وهي تقول أكلنا اليوم سكريم أبو روتي وصاحباتها تتعالى أصواتهن: يا بختك أوه منك أكلت واحنا لا وتتعالى الضحكات ببساطة وحب ونقاء أهل عدن .
يوم أن خطبها كانت تطير فرحاً وتتقفز حباً وطفولة ،كانت تطير في الهواء وظلت في الهواء وظل قلبها في الهواء معها سنين طويلة ،طلب أبوها منه ذهباً فقالت :هو ذهبي ..
طلب منه مالاً لشراء الملابس قالت : هو ملابسي وهو مالي ،يا أبي خطيبي لا يملك شيئاً ، إنه يملك قلباً يحبني وهذا يكفي..ضحك الأب وقال يا ابنتي هذا اختيارك أنت تحملي المهم لا تأتين في الأخير تقولين أنتم زوجتموني به ،هذا قرارك يا غاليتي والشاب محترم وسيفتح الله عليه.
هو اجتهد ونجح في الجامعة وتخرج وصار يحمل صفة المهندس ،المهندس كمال واستلم وظيفته في المطار وأصبح يعرف المال ،اشترى لها خاتم ذهب وسلسة ذهب وهذه كانت أول الهدايا ،سلسة معلق فيها حرف Mعلى اسمها مريم ،كانت طائرة من الفرح تسير وتسبح في دنيا السعادة ،وتم عقد القران يومها احضر لها تورته مكتوب عليها أنت حبي أنا ،وعليها حرفين MK
كانت أمه تبتسم فرحة بحب ابنها لزوجته وفرحة بحب مريم لابنها لكن في دواخلها خوف وغيرة وتساؤل ،هل حقاً كل هذا الحب لفتاة تعرّف عليها منذ ثلاث سنوات فقط ؟
لكنها كانت سعيدة لسعادة ابنها ولأنه سيعيش معها في نفس المنزل المكون من غرفتين وصالة وحمام ومطبخ وتقول في نفسها غرفة لي ولبناتي وغرفة لكمال ومريم والصالة ينام فيها أحمد أخو كمال ،هكذا كان حال أهل عدن ومعاناتهم في السكن وضيق الحال ،فأم كمال موظفة بسيطة في البريد وهي تعيل الأسرة وحدها ولكنه الآن كمال موظف يساعدني ويساعد إخوته والحمد لله سيتزوج حبيبته وسننعم بالهناء معاً.
كانت مريم تجتاز آخر سنة في كلية التربية قسم العلوم وفي إجازتها سيتم الزفاف.
كان كمال ومريم يخططان لحفل زفافهما وكيف يجب أن يكون أجمل حفل زفاف ،اختارا نادي ساحل أبين ليحتفلا بعرسهما فيه ،كانت مريم المرحة دوماً بضحكتها المعهودة تقول له با زف نفسي وأقول كله علشانك يا مريم كمال يهنى لك يا مريم ويضحك الاثنان ضحكة مجلجلة ويحضنان بعضهما بحب وفرح ،وهو يضحك ويقول بلهجة عيال عدن جبنا الفل يا كمال وأنت سيد الكل يا كمال وهي تضحك وتهز كتفها وتقول أنا الفل أنا الفل ويضحكان معاً تغمرهما السعادة وتصمت برهة لتقول له بفرح يا كمال يا حبيب الروح أنت الآن زوجي معقول مش قادرة أصدق ويحضنها ويقول أنت زوجتي يا مريم وربي مش مصدق أن الله حقق حلمنا ويغني لها بصوته العذب أغنية أحمد قاسم (مش مصدق إنك انته انته جنبي ،انته اللي أخذت من حياتك كل دقيقة مش مصدق انك بين أحضاني حقيقة )،وتدخل عليهم أم مريم وتقول احم احم إيش تفعلوا لالا ما فيش أحضان إلا بعد الزفاف وتقول يا مريم تعالي معي المطبخ ويقول كمال يا عمة دي زوجتي يا عمة ارحميني قليل مريمتي زوجتي وعمته تقول لاااااا لبعد الزفاف والا بازف لك راسك وهي تبتسم حباً في زوج بنتها ولكن التقاليد والأصول تقول كده.
بعد أسبوع يتصل كمال بعمه أبو مريم يقول له يا عم سوف نأتي لزيارتكم أنا وأمي نتفق على كل ما يخص حفل الزفاف فيقول عمه أبو مريم أهلاً وسهلاً بك وبأهلك البيت بيتكم واحنا ضيوفكم.
يوم الخميس مريم الممتلئة حباً وشوقاً لا يقل عنه ما تحمله أمها وما يحمله أبوها من مشاعر تجاه زوج ابنتهما الشاب المجتهد في حياته الذي عاش يتيماً بعد اختفاء أبيه في السبعينات واجتهدت أمه لأجل أن تعمل وتنفق عليه هو وأخواته البنات وأخوه المعوق وهذا الأخير كان في بطنها حين اختفى أبوه ونتيجة لخوفها وحرمانها من زوجها دخلت في غيبوبة وتعرضت لانهيار عصبي وكان أن تناولت أدوية أثرث على الجنين في بطنها فولد معوقاً ، ولكنه كما تقول هبة من الرحمن وكان صمته يحمل ألم الدنيا الذي عاشته هي وعاشه كمال الصغير الذي كان يبيع البطاط في الشارع لأجل مساعدة أمه في الانفاق على الأسرة ولكي يعين أمه وأخواته البنات ،كمال هو سند العائلة ورجلها وقوتها ،كمال حبيب الجميع عاشق أخواته البنات وأمه تحبه حباً جارفاً ،وكل الحافة في المنصورة يحبون كمال ،الشاب الفقير المهذب حبيب مريم كما كان معروف في الحافة فهو يحمل اسمها بقلبه ولسانه ،
صار أبو مريم يكرر دائماً أنا معي بنات فقط لكن رزقني الله بابن يعوضني عن حرماني من الأبناء ، وكل مرة يسمع كمال هذه العبارة يقوم يقبل رأس عمه الذي يبادله القبل بحرارة.
أم كمال احتضنت مريم وهي تقول لها حبيبة قلبي زوجة ابني الحبيبة قريباً ستكونين في بيتنا تصحين على وجهي وتنامين عليه ،ضحكا معا وجلجلت ضحكات الآخرين .
قالت أم كمال لازم نتفق علشان نبقى حبايب ما يجي الزعل أنتم تعرفوا إنه ابني الوحيد وسندي وظهري وعكازي وهو الجدار الي نتكئ عليه أنا وأخواته البنات وأخوه المعوق ،وعارفين إنه بعد اختطاف أبوه ما فيش لنا بعد الله إلاّ كمال الذي طول عمره يشتغل من طفولته علشاننا ،والآن هو عريس روح قلب أمه ،والآن هو موظف فديت قلبه ،وأريد أعمل له عرس كبير بس الظروف ما تسمح وأريد أشترط شرط عليكم.
أنصتوا جميعاً وتساءلوا ما هو الشرط حتى كمال يبدو أنه لم يكن يعلم بأن أمه ناوية تشترط عليهم ،فسألها :أماه إيش من شرط وليش ما قلت لي ،أما مريم فكانت عيناها على كمال منتظرة أن تفهم ولكنها ما لبثت أن قالت : قولي يا اماه.
قالت أم كمال شرطي إنه مهما تحسنت الظروف ومهما تغيرت الأحوال أن ابني كمال ومريم يبقوا معي بالبيت ما يتركوني قالتها وبكت وقفزت مريم من مكانها وانكبت تقبلها وتقول تنكسر رجلي لو أقول لكمال اترك بيت أمك والله ما أطلب منه هذا أبداً أبداً أبداً يا اماه .
كمال احتضن أمه ومريم وعيناه تذرفان وهو يقول يا اماه مستحيل أفارقك مستحيل ومريم نفسها لن تقبل ،
أنا أحبكما معاً ربي يخليكما لي.
سالت الدموع من كل عين في تلك اللحظات وقال أبو مريم : :يا أم كمال عشت عمرك أرملة تربي عيالك والله ما نسمح لابنتنا تفكر حتى تفكير بأنها تخرج كمال من عندك وارتاحت الأم وتنهدت بفرح وهي تقول الله يحفظكم فرحتم قلبي الله يفرحكم.
والله إن كمال أبي مش ابني فبكى كمال وهو يقبل أقدام أمه ويقول :اماه يا اغلى من حياتي والله ما اتركك أبدا أبدا أبدا
ولكن مالذي سيفعله كمال هذا ما ستعرفونه في القصة القادمة..