يتداول اليمنيون منذ عقود وصية شائعة عن مؤسس الدولة السعودية الحديثة الملك عبد العزيز آل سعود وهو على فراش الموت، مفادها "خيركم وشركم من اليمن".
لا أحد يعلم حقيقة هذه الوصية. لكن نمط السياسة السعودية الخارجية تبدو وكأنها تنفذ الوصية بحذافيرها منذ مطلع الستينيات من القرن الماضي وحتى قبل ذلك، فخلال العام 1934 احتلت قوات عبد العزيز ثلاث محافظات تاريخية لليمن هي جيزان ونجران وعسير.
لا يمكن تجاهل مسؤولية اليمنيين عن أنفسهم بالطبع، فثمة عقود من الفساد والابتزاز والاستبداد والفوضى والحروب البينية والارتزاق أيضا.
نخبنا وقادتنا لم يكونوا محصنين بالوعي الوطني بما فيه الكفاية.
لم تتغير الصورة اليوم كثيرا، بل أسوأ، إذ نمر بمرحلة انكشاف وتعرٍ أكبر بعد ان سلمت الشرعية زمام البلد للسعودية تعبث بمصير البلد كيفما تشاء.
في المقابل، نذالة الحكام الجدد للسعودية فاقت حدود كل تصور.
إذا كانت محطات الماضي تبرر للأمراء السعوديين بعض النذالات في التعامل مع فقر اليمنيين. إلا ان المرحلة الحالية تشهد طغيانا غير مسبوق في قضايا البلد الداخلية.
يمكن القول ان اليمن يدفع ثمنا باهظا للدفاع عن الأمن القومي الخليجي. الحقيقة ان ما عملته السعودية، رعت عملية انتقال غادرة للسلطة.
ثم استخدمت كل امكانياتها النفطية وقدراتها العسكرية لتدمير البلد.
كان اليمني يتساءل قبل سنوات ببراءة عن سر المخزون الهائل من صفقات الأسلحة السعودية مع الغرب.
وإذ كانت الأنظار تتجه نحو طهران. لكن للأسف لم يكن يدرك ان أراضيه ومدنه الفقيرة ستتحول يوما ما إلى حقل تجارب لهذه الترسانة من الأسلحة الفائقة.
بينما ظل العدو الحقيقي في الضفة الأخرى من الخليج يتوعد ويهدد ويحقق النجاحات على كل الأصعدة كعادته.
لم تجرؤ السعودية على محاربة أدواته في أي بلد. إلا في اليمن. بعد ان مكنت وساعدت مليشيا الحوثي في السيطرة، أوجدت المبررات لاحقا للتدخل العسكري الواسع.
نمط السياسة الخارجية للسعودية الآن يؤكد تماما العمل بمقتضى وصية الجد المؤسس.
لا يراد لليمن الخروج من دائرة الصراع والفوضى، فحملات تمويل وإنشاء كيانات عسكرية موازية للحوثيين ماضية في أرض الجنوب.
لقد كشفت الحرب القناع الزائف لقضية الأمن المتبادل بين الدولتين، إذ ظل المسؤولون في الرياض يرددون بخبث أن أمن اليمن من أمن الخليج.
غير ان أسوأ ما أسفرت عنه الحرب هو التسابق المحموم بين السعودية والإمارات للسيطرة على ثروات البلد ومحاولات اقتسام النفوذ.
كأنما يجري العمل بمقتضى الوصية السعودية "خيركم في شقاء اليمن وشركم في سعادته"، حيث تعمل سياسية الرياض وأبو ظبي على إبقاء جراحات اليمنيين مفتوحة وبؤر الصراع مشتعلة.
ثمة ايضا تلذذ بعذابات اليمنيين، فلا يكتفي الجار الغني والفاحش في تعميق الجراحات فقط، إذ عادة ما تطفح مواقع التواصل الاجتماعي لحسابات السعوديين وبينهم نخب اعتبارية بكمية وافرة من الكره للبلد ولفقر أبنائه.