في جزيرة سقطرى قامت المليشيا التي شكلتها وتمولها دولة الإمارات العربية المتحدة بمنع محافظ المحافظة رمزي محروس ووزير الثروة السمكية فهد كفاين المنتمي لسقطرى من دخول مجمع حكومي في قلنسية، والاعتداء على موكب الرجلين أثناء تحركه، ورميهم بالحجارة.
كانت نسبة الجريمة والبلطجة والتعجرف في سقطرى صفر بالمية، وهذا يعكس مدى أن مجتمع الجزيرة هادئ مسالم، ولا ينزلق للصراعات والمناكفات، ولا يمارس أي شكل من أشكال الصراع البيني، فالجميع داخل الجزيرة ظلوا بتوافق وتصالح مع بعضهم، وتلك كانت أبرزة ميزة تميزهم عن غيرهم، ملثما تتميز سقطرى بسحرها وجمالها وتفردها عن غيرها من الجزر حول العالم.
جاءت الإمارات إلى الجزيرة مرتدية ثياب الإنسانية، ومتدثرة بلحاف الشقيق القريب، وقدمت الوعود والكلام المعسول والشعارات البراقة للسكان بأنها ستطعم جائعهم، وتكسو عاريهم، وترتقي بأوضاعهم مستغلة حالة الحرب التي تشارك بها في اليمن، وضعف الحكومة الشرعية، وعدم قدرتها على أداء واجبها تجاه مواطنيها.
وبشكل تدريجي خلعت الإمارات ثوب الإنسانية ولحاف الشقيق، وأظهرت وجهها الحقيقي، وتبين أن أولئك الرجال الذين يعملون في مؤسسات أبوظبي الإنسانية هم قادة عسكريين أعينهم مفتوحة على الجزيرة وجغرافيتها وطبيعتها أكثر من إنسانها البسيط المسالم، الذي عاش متناغما مع موطنه في الجزيرة، معتزا بهويته اليمنية، صامدا في وجه الإهمال الذي تعرض له من كل الحكومات المتعاقبة التي حكمت اليمن منذ الستينات.
أحكمت الإمارات سيطرتها على الجزيرة، وأطبقت عليها من كل اتجاه، سالكة العديد من الأساليب المتوزعة بين الإغراء والترهيب، ثم شجعت ومولت وشكلت مليشيا تدين لها بالولاء هناك، بذرائع ومبررات عديدة، وجعلت من سقطرى بؤرة للصراع والإحتقان، وعززت الانقسام الداخلي بين أبناء الجزيرة، وأثارت الفوضى، وحولت الجزيرة لمسرح للصراع الملتهب والأحقاد المتنامية التي يكتوي بها السكان هناك حاليا.
سقطرى التي ظلت بعيدة عن الحرب الجارية في اليمن منذ أعوام أصبحت اليوم كبقية المدن اليمنية تعاني من الانقسام والتخندق وصراع الأقطاب، وكل ذلك بسبب السياسة التي سلكتها الإمارات وقواتها هناك منذ وصولها للجزيرة.
واليوم كل المحافظات اليمنية التي شكلت فيها الإمارات مليشيا مسلحة تابعة لها باتت تعاني من الصراع والإقتتال، وتحولت تلك المليشيا إلى أدوات تابعة للإمارات تحركها كما تشاء وتصعد من خلالها عسكريا ضد الحكومة اليمنية والمسؤولين فيها من محافظين ووزراء.
لقد عودتنا الإمارات منذ وصولها اليمن كدولة مشاركة في تحالف المملكة العربية السعودية العسكري أن تصعيدها ضد مسؤول حكومي أو كيان في اليمن يأتي عندما يشكل ذلك المسؤول أو الكيان حجر عثرة في طريقها، ولا يعمل ضمن دائرة أجندتها، ولا يستجيب لمشروعها ومخططها، وهذا ينطبق على العديد من الشخصيات والكيانات اليمنية التي عوقبت بالعزل والإقالة والتحريض والتهميش ردا من الإمارات على مواقفهم المعلنة الغير متماهية معها.
لذلك تأتي هذه البلطجة للمليشيا الممولة من الإمارات في سقطرى بعد أيام قليلة من زيارة رئيس الوزراء معين عبدالملك لدولة الإمارات ولقائه بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وتوقيعه اتفاقيات مع الإماراتيين، وإعلانه بنجاح زيارته التي تعد الأولى له منذ توليه هذا المنصب.
يعمل معين عبدالملك من عدن التي تسيطر عليها مليشيا تابعة للمجلس الإنتقالي الذي تموله الإمارات، ويتحرك في المدينة التي توصف بأنها عاصمة مؤقتة للمحافظات المحررة تحت رحمة وحماية تلك المليشيا الملتزمة بتوجيهات ممولها في أبوظبي، وينال كامل الرضا والأمان، ما يعني ويؤكد ويعكس حالة الإنسجام التي تربط معين بالجانب الإماراتي، ومستوى التماهي الذي يبديه تجاه صلف وتعنت وتصعيد الإمارات في أكثر من مدينة يمنية تتواجد قواتها فيها.
وهنا يبرز السؤال: هل يستطيع معين عبدالملك الغير معني بالسياسة – وفق تصريحه – أن يتدخل ليعيد الإعتبار لمحافظ المحافظة الذي يمثل الحكومة في سقطرى، ولوزير الثروة السمكية العضو في الحكومة أيضا؟
أم أن رئيس الوزراء بات متواطئا مع الإمارات وأجندتها في اليمن، سواء بصمته المريب، أو بوهنه الواضح، أو ببيعه للقضية بكلها، فمن غير المعقول أن يجري رئيس الوزراء مباحثات مع الإمارات ويوقع معها اتفاقيات وصفها بالمهمة والناجحة، ويعجز أن يسجل أي موقف لديها تجاه ممارساتها الأخرى التي تنال في المقام الأول من حكومته وهيبتها.
وتلك هي الإمارات بوجهها المتلون، وسلوكها المتعجرف، ففي الوقت الذي تتحرك فيه شبرا وهي تتحدث عن تعاونها مع الحكومة اليمنية تتوغل كيلو مترات داخل الجسد اليمني من خلال دعم وتمويل المليشيا المسلحة، ورعاية كل مشاريع الفوضى ومظاهر الاحتراب الداخلي.
الآن يتبين الفارق والبون الشاسع بين رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر وبين معين عبدالملك، وتتضح كثير من الإجابات للاستفهام الذي ظل قائما حول خفايا الإطاحة ببن دغر من رئاسة الحكومة.
تم اقتلاع بن دغر الذي صمد قدر استطاعته أمام صلف الإمارات في سقطرى وغيرها، ثم اختاروا معين الذي يتمتع بمزايا مطلوبة لدى الإمارات وغيرها ليكون خلفا له.
بقي أن نشير هنا إلى جانب آخر، ما يجري في سقطرى حاليا هو أيضا جزء من صراع الإمارات والسعودية، وهو انعكاس للخلاف المستتر بين الدولتين داخل اليمن، ويتنامى كل يوم، وتظهر مؤشراته يوما بعد آخر.