عندما أطلقت المملكة العربية السعودية طلقتها الأولى في السادس والعشرين من مارس 2015 مستهدفة الإنقلاب وأطرافه في اليمن، كان الأغلب من اليمنيين يؤيدها، وخرج الألآف منهم يشكرونها وملكها، واعتُبرت تلك اللحظة فارقة على مستوى اليمن والمنطقة.
جات تلك الحرب في وقت تنمرت فيه جماعة الحوثي، وحليفها الرئيس السابق علي عبدالله صالح في وجه اليمن واليمنيين بأبشع صورة، رغم إن السعودية ذاتها وحلفائها الآخرين هم من وقفوا وراء التمدد الحوثي، ودعموا تحركاته من صعدة إلى صنعاء.
قادت السعودية تحالفا من عشر دول عربية وإسلامية، ولقيت المساندة والدعم من محيطها العربي والدولي، وكانت في موقع قوة، وفي يدها موازين الحرب والسلام، في مقابل حالة الضعف التي اعترت الصف الانقلابي في اليمن، والعزلة المحلية والدولية التي فرضت عليهم.
تدريجيا ظهرت الأجندة، واتجهت الحرب في دروب أخرى، وغرقت السعودية في مستنقع اليمن الآسن، ووجدت نفسها في حرب مفتوحة، بلا تحقيق أي نصر، وفي تداعيات ترتد عليها وتتعاظم كل يوم، في الوقت الذي يخطو فيه الطرف الآخر ممثلا بجماعة الحوثي خطوات أكثر للأمام لتمتين مشروعه، وتثبيت حكمه داخل اليمن.
كان لدور الإمارات العربية المتحدة العضو الثاني في التحالف الذي تقوده السعودية التأثير الأكبر في فقدان السعودية للثقة لدى اليمنيين، ولدى الحلفاء المشاركين في الحرب نفسها، الذين تساقطوا من ذلك التحالف دولة بعد الأخرى.
اليوم تعلن الإمارات انسحاب قواتها من اليمن وفق تقارير صحفية ومعلومات ميدانية في ظل معادلة مختلفة للحرب مع الحوثيين، فصواريخ الحوثي تستهدف مدن السعودية، وتتوعد بالمزيد، وسمعة الرياض تشوهت في أرجاء العالم، وذلك ما لم يكن موجودا عند انطلاق الحرب، وعند تحرير عدن كأول مدينة يمنية من تواجد قوات الإنقلاب.
كان الدور الإماراتي واضحا منذ البداية من خلال نشوزه عن الأهداف المعلنة التي جاء من أجلها إلى اليمن، وساهم الصمت السعودي في توغل وتعزيز هذا الدور، وهذا كله ناتج عن غياب الرؤية لدى التحالف برمته منذ اليوم الأول لحربه في اليمن.
الدور الإماراتي لم ينحصر في مدى جدية أبوظبي في الحرب على الحوثيين فقط، بل في توريط التحالف نفسه والسعودية في المقدمة بالعديد من الجرائم التي ارتكبت في نطاق تواجد الإمارات داخل اليمن، وفي خلخلة القوى المؤيدة للشرعية، وإعادة فرزها وفقا لمزاجها وتوجهها، وكذلك شروعها في تنفيذ الأجندة الخاصة بها داخل اليمن النابعة من الأطماع وشهية السيطرة والتوسع، ورعايتها لكيانات هلامية وأدوات محلية جندتها لصالحها، مستغلة جنوحها للوهم المشبع بأحلام الماضي.
وكان السلوك الإماراتي في الحرب من خلال التواجد في مدينة عدن وبقية المدن اليمنية يخدم جماعة الحوثي بوضوح، وساهم ذلك السلوك وما أعقبه من خطوات في إنشاء المليشيا المسلحة كقوات النخب والأحزمة الأمنية وتمويلها، ومنع الحكومة من التواجد داخل اليمن في منع تشكل نموذج إيجابي عقب عملية التحرير، وهو ما جعل مناطق سيطرة الحوثيين تبدو لدى الكثير أفضل حالا من تلك المناطق المحسوبة على الشرعية.
وساهمت تصرفات الإمارات في إحداث ضرر بالغ في جسد الشرعية، من خلال المعارك التي فجرتها مع حكومات الشرعية المتعاقبة، وكثير من المسؤولين فيها، ونقلها للصراع والفوضى إلى المناطق التي كانت بعيدة عن الحرب كسقطرى وحضرموت وشبوة، ورعايتها لطابور طويل من المرتزقة الذين يزينون قبحها، ويسيئون للشرعية ومكوناتها، وأغلبهم كانوا ممن أيد الإنقلاب، وتماهى مع جماعة الحوثي وتمددها المسلح.
وما يتردد عن انسحاب قوات إماراتية من اليمن حاليا لايعفي الإمارات من الجنايات والانتهاكات التي ارتكبتها في اليمن طوال الأربعة الأعوام الماضية، فهي تنسحب اليوم، وقد خلفت ورائها بذور الصراع الداخلي بين اليمنيين، وفقا للهوية والمناطقية والشطرية، ومشاريع الفوضى الهدامة، وجماعات العنف المسلحة، وآلاف من الضحايا، وصورة سيئة ستظل مغروسة في أذهان اليمنيين لعشرات السنين.
وإذا انسحبت فعليا من اليمن، فذلك لا يخلصها من تبعات ما فعلت، لكنه أيضا يعني فشلها كدولة إداريا وسياسيا وعسكريا، وسقوط صورتها المنمقة التي تحاول تقديمها للعالم كنموذج ناجح، ومثال للسعادة والإنسانية، وترحل بسمعة ملطخة بالدماء والعار، وتطاردها لعنات الحاضر والمستقبل، ولن يعفيها الرحيل من إنصاف الضحايا عن كل الجرائم التي ارتكبتها وتسببت بها.
وتلك هي اليمن بتاريخها، وذلك هو مصير المحتلين.