يزعم المسؤولون الإماراتيون، عندما يتحدثون على المسرح الدولي، أنهم اشتركوا في حرب اليمن دفاعاً عن الدولة اليمنية. انسحابهم الجزئي، يدعون، جاء بعد أن تأكد لهم أن الأمور قد استقرت وأن غيابهم لن يترك فراغاً. سنحاول هنا الإجابة عن سؤال: إلى أي مدى ساهمت الإمارات في دعم الدولة اليمنية التي أطاحت بها الميليشيات المدعومة إيرانياً. تحديداً في هذه الحقول الخمسة: الجيش، الأمن، البرلمان، المشروعية السياسية، والوحدة الوطنية.
في الأيام الماضية أقال هادي المتحدث باسم القوات المسلحة لأنه احتج، علانية، على خذلان التحالف الخليجي للقوات المسلحة، على وجه الخصوص حرمانها من السلاح الثقيل.
فتح خصروف، المُقال، باب القصة المحظورة، وضرب مقارنة بين ما تقدمه إيران لميليشياتها من دعم عسكري سخي والحصار السعودي ـ الإماراتي على قوات الجيش اليمني. إذ سمح التحالف بتأسيس جيش بمهمة قوات أمن، وحدد له خارطة انتشار جعلته يبدو، في النهاية، كجيش تشطيري. تلقت تلك القوات ضربات قاتلة من قبل مقاتلات التحالف كما حدث في العبر وفي غير مكان. قيدت تلك العمليات المميتة ضد فاعل مجهول.
في الجنوب بقي تشكيلان عسكريان يعملان تحت إمرة هادي: المنطقة العسكرية الأولى، في حضرموت، وقوات الحماية الرئاسية في عدن. عندما بلغت قوات الحماية الرئاسية مستوى تسليحياً معينا دفعت الإمارات ميليشياتها للبطش بتلك القوات واحتلات معسكراتها. وفي حضرموت خلقت الإمارات حرباً باردة، ودافئة أحياناً، بين كل ميليشياتها المسلحة هناك وتشكيلات المنطقة العسكرية الأولى.
لقد خلقت الإمارات جيشاً بديلاً قال مسؤول إماراتي إن تعداده يقترب من مائة ألف مقاتل، كما نقلت رويترز. بعد خمسة أعوام آلَ الجيش اليمني الوليد إلى مِزق هشة منتشرة في الجبال، تعاقبها الإمارات والسعودية عقاباً مراً لمجرد دسيسة. ترفض الدولتان كل أشكال الاتصال مع وزير الدفاع اليمني. أما هادي فيزود معسكراته الرئاسية بالسلاح عن طريق مهربين وشبكات تعمل تحت الأرض، خوفاً من العين الإماراتية. وعندما اتصلت بمكتب وزير الدفاع للسؤال عن حقيقة انسحاب القوات الإماراتية من مأرب قالوا إن الوزارة لم تكن جزءا من أي تنسيق، ولا تملك معلومات كافية عن تلك المسألة.
القصة الأمنية لم تكن بحال أفضل. فقد زعزعت الإمارات كبريات المحافظات المحررة من خلال تشكيلات دينية متطرفة كما حدث في تعز وعدن. أمام عدسات الناشطين وصلت مجموعة من المدرعات الحديثة إلى كتائب "أبي العباس" المصنفة في قائمة الإرهاب، وحلّقت مقاتلات إماراتية في سماء مدينة تعز عندما اشتعلت المواجهات بين تلك الكتائب وقوات الأمن. وفي أماكن أخرى خلقت الإمارات سلسلة من "النخب الأمنية" غير المرتبطة بوزارة الداخلية، وعبأتها ضد الجمهورية اليمنية.
في المواجهات الأخيرة التي حدثت في شبوة بين قوات مدعومة إماراتياً وأخرى تتبع وزارة الداخلية دعمت الإمارات ميليشياتها، وفقاً لمصدر حكومي، بخمسين عربة عسكرية. وهي ترسانة تعادل خمسة أضعاف ما تملكه وزارة الداخلية في تلك المدينة النائية.
تعيش المدن المحررة فوضى ملحوظة، وليس من المبالغة القول إن التشكيلات المخلّقة إماراتياً هي أهم ركائز تلك الفوضى. فقد شاهدنا مسلحي تلك التشكيلات في عدن وهم يلقون بكرسي رئيس الوزراء من النافذة، ويحتجزون الرجل وفريقه في مطار سقطرى. ليس ثمة من دليل على أن الإمارات على اتصال بوزارة الداخلية، كما أننا نفتقر إلى خبر يقول إنها قدمت دعماً مادياً للوزارة، أو لتشكيلاتها الأمنية.
لنلق نظرة على ما فعلته الإمارات بالبرلمان والحكومة اليمنية. قبل بضعة أيام عاد رئيس البرلمان من أبوظبي خائباً. رفضت الإمارات، كما كان متوقعاً، أن يعقد البرلمان جلساته في العاصمة المؤقتة عدن.
في عدن اتفقت مع تشكيلات مسلحة انفصالية على تبادل المنفعة: أن تعمل تلك التشكيلات في خدمتها، على أن تراعي الإمارات نواياها ومشاعرها التشطيرية. انقسم البرلمان اليمني إلى ثلث في صنعاء وثلثين في الشتات.
يجتمع ثلث صنعاء على نحو دائم ويناقش الأعضاء مسائل حيوية وأخرى ديماغوغية. بينما حالت الإمارات، على مر الأيام، دون لمّ شتات الثلثين الجمهوريين. في الجلسة الوحيدة التي عقدها البرلمان اليمني في المدينة النائية سيئون كان النواب الإصلاحيون يمثلون قرابة 30? من إجمالي الحاضرين.
دفعت الإمارات رجلها القوي "بن بريك" إلى نشر تغريدات يتوعد فيها ب"اجتثاث" حزب الإصلاح الإرهابي، أي ذلك الذي يمثل 30? من السلطة التشريعية. لا يملك بن بريك أي صفة، ولا يمثل أي قانون. تدفع الإمارات جهات بلا صفة إلى اجتثات كل من/ما يمت بصلة للدستور والمشروعية السياسية.
استنجدت الدولة المنهارة بالإمارات ولم تكن تعلم أنها قد استعانت بالكوليرا للقضاء على الطاعون، أو العكس.
ربما لا يتذكر أحد المرة الأخيرة التي التقى فيها قادة الإمارات بالرئيس هادي، باستثناء الزيارة التي قام بها هادي إلى أبوظبي، وهناك استقبله صغار موظفي وزارة الخارجية. من المفترض أن هادي وبن زائد رفاق سلاح في معركة واحدة، بيد أن الرجلين يخوضان حرباً منذ سنين.
يقيل هادي كل موظفيه الذين يقتربون من الإمارات، وتبدد الإمارات كل المؤسسات التي على صلة بالرئاسة. وبمقابل حديث هادي عن مشروع "اليمن الاتحادي" تدعم الإمارات المشاريع التفكيكية في كل البلاد. في الواقع قامت الإمارات في الأعوام الماضية بمغامرتين سياسيتين كبيرتين للإطاحة بهادي، حائط صد الشرعية الأخير.
إذا كانت المحاولتان قد فشلتا فإن علاقة نظام هادي بالإمارات قد ذهبت، عقب ذلك، أدراج الرياح. بقيت القوات الإماراتية تسرح وتمرح في بلد لا تعترف برئيسه ولا بسلطته التشريعة. لا نعرف معنى آخر للاحتلال خارج هذه الصورة.
نُقل عن نائب الرئيس قوله إن سبب تعثر حرب التحرير هو توقف القوات الإماراتية عند الحدود الشطرية بين الشمال والجنوب.
حدث ذلك عندما كان الحوثيون يتخبطون تحت ضغط المفاجأة العسكرية والمقاومة المتفجرة، كما الإدانة الدولية. تحت العلم الإماراتي رُفع علم دولة جنوب ما قبل الوحدة، وجلس الضباط الإماراتيون في لقاءات مصورة تحت العلمين: جنوب ما قبل الوحدة وعلم الإمارات.
بعد خمسة أعوام من العمل الدؤوب أنجزت الإمارات جيشاً من "الجنوب الخالص". العقيدة القتالية لذلك الجيش تمثلت في دحر الجمهورية اليمنية، واعتبار الدولة الموحَّدة خطيئة تاريخية قاتلة. ذلك العدد الكبير من المقاتلين، 90 ألفاً، لا يرتبط بأي مؤسسة تتبع الدولة اليمنية: لا الداخلية ولا الدفاع، ولا وزارة المالية. كما لا يخوض أي مواجهة عسكرية مع الحوثيين.
تدير الإمارات ذلك الجيش حتى إنها زجّت به في حرب الحديدة ضداً لكل ما تلقاه في معسكراته عن الاستقلال وفك الارتباط بدولة الشمال. لأن الإمارات أرادت ضم الحديدة إلى مملكة الأمواج التي تملكها فقد فعلت بذلك الجيش ما تشاء. وعندما تأكد لها أنها خسرت تلك المعركة تركته في الصحراء وأشعلت الحرب بين قياداته، ذلك أنها لم تحصل على ولائهم غير المشروط.
عجّت مدن الجنوب بالميليشيات المناهضة للدولة اليمنية، وحدث أن ألقى مجهولون قنابل على حفل عسكري رفع فيه علم اليمن، وقتلوا جنوداً. وقبل شهر انفجرت ثلاثة حروب في عدن، شبوة، وسقطرى. كانت الميليشيات الإماراتية طرفاً، وكانت وزارة الداخلية الطرف الآخر. وإذا كانت إيران قد نصبت للدولة فخاً مكشوفاً فإن الإمارات قد ملأت اليمن بآلاف الفخاخ.
نقلا عن صحيفة الإستقلال