في كتاب عنف الديكتاتورية وهو كتاب مضى على تأليفه قرابة قرن من الزمان تتجلى فيه صورة لصراع المثقف مع الاستبداد والقمع الديني والسياسي.
كان الكتاب عبارة عن مواجهة عنيفة بين الكاتب اليهودي من أصل نمساوي استيفان زفايغ وبين النظام النازي بعد وصول زعيمه هتلر إلى السلطة في ألمانيا.
كان الحاضر بالنسبة لستيفان يشبه كثيرا الدورات التاريخية لدول أوروبا والتاريخ الأوروبي التي رأت النور مرارا، ولكن قدر لهذه المجتمعات الحديثة أن تعود إلى حلقات التاريخ الأشد ظلمة، فصعود النازية كان يعني عودة أوروبا إلى عنف الديكتاتورية بعد عقود طويلة من الحرية والفن والاستقلالية وبدء عصر الإنسان.
كان زفايغ يرى في هتلر نموذجا لكثير من شخصيات التاريخ المستبدة التي حكمت مجتمعاتها بالترهيب والقبضة الحديدية ولهذا جاء الكتاب ليتناول تاريخ شخصية مشابهة هي شخصية رجل الإصلاح المسيحي "جان كالفن".
لقد عاد ستيفان إلى القرن السادس عشر الميلادي ليحكي تاريخ جنيف وبعض المدن التابعة لها آنذاك، ويقدم تحليلا وافيا عن شخصية "المعلم كالفن" كما كان يطلق عليه، أو كما أمر هو ذاته بأن يطلق عليه، ويحلل ذلك العصر الذي يبدو أنه كان أحد أشد العصور التاريخية المتسمة بعدم التسامح الديني والديكتاتورية.
في هذا العصر من تاريخ مدينة جنيف أحصت الكنيسة فيه أنفاس المواطنين واستطاعت تدمير الروح الإنسانية في جنيف التي لم تستعد حيويتها وطبيعتها إلا بعد مرور قرنين من الزمان بظهور ابن جنيف ومواطنها وأديبها جان جاك روسو، وطوال هذين القرنين لم يعرف العالم أي شخصية مهمة في جنيف لأن آثار الدكتاتورية "الكالفنية" كانت قد تمكنت من الشخصية الجنيفية وأصابتها بالعقم، وكذلك يفعل تاريخ القمع السياسي والديني الطويل بروح الإنسان والشعوب.
القمع هو الضربة المباشرة لمكامن الإبداع لدى الإنسان، وهو تعطيل لكل ما يمكن للروح البشرية أن تسلكه لإثراء الحياة وأنسنة هذا المخلوق الطارئ على الكون.
بالنسبة لزفايغ فقد كان وهو المثقف الذي يدرك مخاطر الاستبداد يعتبر نفسه في مواجهة مفتوحة مع القمع والديكتاتورية والاستبداد، فروايته لاعب الشطرنج وهي آخر مؤلفاته قبل أن ينتحر في البرازيل مع زوجته عام 1942 قبل أن يشهد مصرع هتلر والنازية بثلاث سنوات.
تناولت الرواية جزءا من تفاصيل القمع والسجون النازية التي مورست بحق موالين للنظام الملكي السابق.
التعذيب بالبياض والعدمية، وانقطاع الزمان والمكان، والفراغ واللا جدوى، والجهل بكل شيء، حتى من معرفة الوقت ومرور السنوات في حياة اللا شيء واللا عمل، لقد عاش بطل الرواية الذي تعرض للتعذيب النفسي في غرفة ليس فيها كلمة مكتوبة أو خط على الجدران أو منظر مفتوح، وطوال تلك الفترة لم يكن يسمع صوتا واحدا وكأنه المخلوق الوحيد في الكون.. كان هذا العقاب الغريب هو مواجهة مفتوحة مع الفراغ واللا شيء.
مات ستيفان في البرازيل وفي الطرف الآخر من العالم، في الرايخ، حيث عاش وولد في النمسا اكتفت الصحف هناك بكتابة ثلاثة أسطر عن وفاة هذا الأديب والكاتب المهم، لأن انتحاره في منزله بمدينة جانيرو كان إحدى الخدمات الجليلة التي قدمها لاستمرار الآلة النازية في القتل وإغراق العالم بالدماء.