في سبعينيات القرن الماضي وداخل مقهى وسط مدينة برشلونة حيث يلتقي المثقفون، التقى طالب عربي كان قد فشل في سنته الأولى بدراسة الطب وانتقل الى دراسة الصحافة بصديق آخر، حمل الصديق في يديه رواية غابرييل غارسيا ماركيز "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" تتحدث الرواية عن متقاعدي الحروب الذين يعانون طويلا ويعيشون حالة فقر مدقع بعد أن اقتسم رفاقه الثروات والمناصب. أخذ طالب الطب الرواية وعاد الى منزله، وعندما أنهى قراءتها قال: يا له من روائي موهوب.
لقد شعر أن هذا الأدب الذي يكتبه ماركيز كان مغايرا لما يعرفه القراء العرب، في ذلك الوقت بدأ ترجمة أول فصلين من الرواية ثم نسي الكتاب مهملا في غرفته.
بعد ثلاث سنين عاد صالح علماني ليترجم قصص ماركيز ثم بدأ بترجمة روايات أخرى حتى أصبح بوابة العرب نحو أدب أمريكا اللاتينية، ذلك الأدب الغريب الذي يشبهنا ويشبه بلداننا العربية، وتفاصيل حياتنا السياسية، وقد بلغت مجمل أعماله المترجمة أكثر من مائة كتاب.
ورث علماني هذه الموهبة في نقل الحكايات عن أبيه.. في حوار صحفي قال: لقد كان والدي حكاءً بارعا، ونحن أطفال كنا نتشاجر مع أطفال أقرباء أو جيران لنا عندما يذهب أبي للسهر لديهم، نتشاجر أيضا أين سيسهر أبي في ليالي الشتاء، لأن الجميع لا يريد أن يفقد متعة الجلوس إليه والاستماع إلى قصصه وحكاياته وأحاديثه، وهو مجرد فلاح أمي".
لو أن ماركيز وهو الروائي العالمي الحائز على جائزة نوبل للآداب كتب رواياته باللغة العربية لما كتبها بأفضل مما فعل صالح علماني.
لقد كان لصالح علماني فضل بأنه عرّف العرب بالأدب الإسباني، وكان الجسر ا?ول والأهم الذي عبرت من خلاله الثقافة الإسبانية نحو الوطن العربي.
اتجاه علماني نحو ترجمة الأدب الإسباني كان له أثر عميق على جيلي من القراء اليمنيين والعرب، قصة تحوله إلى الترجمة أيضا لها دلالة كبرى، وهي رسالة لكل إنسان ألا يسير في الاتجاه المغلق، متى تيقن أنه طريق مغلق حقا.
كانت أحلامه منذ الصغر أن يصبح روائيا وكاتبا مهما، لكن هذه الأحلام لم تكن مواتية لصالح علماني، وقرر أن لا تبقى حياته رهينة لموهبة لا تطاوعه، فلا تأتي الرياح بما تشتهي السفن.
من رحم الكاتب الروائي الفاشل، وبعد فشلين آخرين في دراسة الطب والصحافة التي تركها بعد سنة واحدة وُلد هذا المترجم الفذ.
عند الترجمة الأولى لصالح علماني قال حسام الخطيب وهو ناقد: إن هناك شابا فلسطينيا يترجم أدبا رائعا للقراء العرب، هذه الإشارة لفتت الناس لصالح علماني وكانت حافزا له للاستمرار في هذا المشروع، ومنذ ذلك الوقت أصبح اسمه عنوانا للأدب الإسباني.
ما حدث لماركيز شيء مشابه أيضا، كتب أحد النقاد الإسبانيين في الخمسينيات أن المشهد الأدبي أصبح ضبابيا ولا ينبئ عن وجود إبداع، في الأسبوع التالي كتب ماركيز مصادفة وكان لا يزال شابا أول قصة في حياته، وعندما قرأها الناقد اعتذر في الاسبوع التالي وقال إن هذه القصة تبشر بوجود أدب إسباني قدير. بعد تلك الإشادة النقدية قال ماركيز إنها حولتني إلى كاتب لأنني كنت في دفاع حقيقي ضد إهانة تلقاها أبناء جيلي.