فزع الغربة!!
السبت, 21 ديسمبر, 2019 - 06:40 مساءً

أحاول أن أتفاعل ضمن المجموعات الخاصة بالقرية في تطبيق "واتساب". اقرأ كل ما ينشر في المجموعات حتى ولو كان شيء غير مهم، اتفاعل مع النقاش.. أحرص تمام الحرص على أن يكون بقائي خارج الوطن لفترة محدودة مرتبطة بضرورة ما يعيشه بلدي فقط، أخاف أن من أن تتوسع الهواة بيني وبين وطني فنحرم منها إلى الأبد.
 
عشت في الرياض أربع سنوات، أخذت من عمري عشرين عامًا، لا أتذكر اليوم الذي دخلت فيه مستشفى طول حياتي بسبب مرض عضوي سوى مرة واحدة بحادث مروري فقط، فيما بعد الرياض أعاود المشفى بين حين وأخر.
 
لمرأت كنت أجلس مع يمنيين في الرياض كما هو الآن في إسطنبول، أجد المسافة تكبر كل يوم، بين اهتمام الناس هناك خارج الوطن وبين ما يعيشه الناس في الداخل. هذا الموضوع يخيفني بقوة بل يفزعني. كان علي عبدالله صالح يشعر بخطورة البقاء خارج البلاد، وأصر على العودة وعاد وهو لم يستكمل العلاج.
 
ذات الخطأ الذي وقع فيه الرئيس هادي وفريقه الذي يعيش كل واحدًا منهم اهتماماته الخاصة، وهو ذات الخطأ الذي وقع فيه أغلب رموز البلد بلا استثناء، يتهربون من العودة، يصابون بالضجر والخوف من الحديث عن عودة جادة. حاورت البعض منهم، لم يعد يعي ما يجري في الداخل إلا النزر اليسير وما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي فقط.
 
قبل أشهر وعندما كنت مغادراً مطار الرياض، كتب أحد المستشارين وكان في مؤتمر في إحدى الدول الأوروبية، بأنه "يشتاق إلى غرفته بصحراء نجد"، نعم لم يعد يشتاق لصنعاء ولا لليمن.
 
التفاعل من الخارج لا يمكن بحال أن يكون بنكهة من يعيشها في الداخل. الفارق كبير لمن يدقق في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أولئك الذين يكتبون ليلاً ونهاراً عن الداخل وهم في الخارج يصعب عليهم الإحاطة بكل ما يجري أو حتى معظمه، هذا ما أسمعه من أصدقاء كثر في الداخل.
 
هذا الوضع الشاذ والخطير هو أكثر ما يعمق الحوثي في الداخل ويدفع الناس للقبول به كواقع لا فكاك عنه، الحوثي ومشروعه العصبوي لا يتنفس إلا من أخطاء المقابل له وما أكثرها. ومن هذه الأخطاء فقدان التعبير الحقيقي عن مشكلة الداخل والعيش ضمن اهتمامات خاصة وإعطاء الداخل فضول الوقت لا كله وتركه يستفرد بالناس.
 
لمرات أتناقش مع زملاء وزميلات في الداخل ويحكون مشكلات البلد وما يعانوه، وعندما أحاول فهم ما يجري أكثر، يقال لي: الصورة التي تنقلها وسائل الإعلام لا تساوي 10% عن حقيقة ما يجري في الداخل، وبالتالي التضامن وحتى التفاعل من الخارج لا يستهدف إلا هذه النسبة الصغيرة فقط، كما أن عدم قدرتنا على إيصال رسائلنا – حاليًا - هو بسبب هذا البعد وهذه المسافة.!
 
هنا تكمن الخطورة، خلال غيابي خارج البلاد لأربع سنوات عدت إلى اليمن لمرتين، حرصت على ألا انقطع عن بلدي، وربما خلال شهور قليلة سأعود مرة ثالثة إلى الداخل. لا أريد أن انفصل عن وطني هذا شيء يخيفني كثيرًا ويفزعني. ذات مرة بل مرات أفكر بالعودة إلى القرية في سفح جبل صبر، أريد أن أترك هذا العالم خلفي والعودة إلى حياتي عندما كنت ابن عشر سنوات. لمرات أقول لزوجتي سنعود إلى القرية في جبل صبر، أريد الأولاد أن يقتربوا جيداً من هذه البلاد وتضع أثرها وبصمتها على حياتهم ولو في أوقات الإجازات، لا أريد للغربة أن تأخذنا بعيداً.
 
 * نقلا عن صفحة الكاتب من الفيسبوك

التعليقات