الحادثة التي هزت الرأي العالمي 2017، بقيام دولة "السعودية" بإرسال فريق لاستهداف صحفي وقتله وتقطيعه بالمناشير، هي ذاتها تتكرر اليوم بإرسال "شبيحة" من الجنود بالزي الرسمي والشعبي لمركز إيواء يتيمات في بمنطقة عسير جنوب السعودية.!
لو لم تكن كاميرا المراقبة قد وثقت جانب مما جرى بالصوت والصورة لما استطاع أحد أن يوصل حقيقة ما جرى، ولو حتى من الضحايا أنفسهم.
وقع الكثير تحت تأثير الإعلام خلال السنوات الماضية، وعلى الأقل منذ حادثة "خاشقجي" وأن ولي العهد السعودي يغير وجه المملكة متجاوزا تلك الحادثة، لكن الوقائع تؤكد أن الإنسان بمفهومه الإنساني لم يتغير النظر إليه مطلقا داخل هذه المنظومة الأمنية شديدة الشراسة والبأس.
الدولة هنا (ولي العهد) تقفز بالمجتمع كله نحو العلمنة المتطرفة وهي في سبيل ذلك لا تقيم للإنسان أي وزن، سواء كان أجنبي (المسمى الذي يخاطب به من هم غير السعوديين) المواطن السعودي ذاته.
قبل أيام، قضت محكمة سعودية بحبس رجل أعمال يمني بالسجن 25 عاما؛ لأنها وجدت في الوتس آب لديه، صورا لما تعتبرهم السعودية إرهابيين، وحساب لشاب حقيقي حوثي على وسائل التواصل يتوافق مع أسمه رافضين التفهم لهذا التشابه!، أما من سيقترب أكثر، وسينظر في تفاصيل المحاكمة الهزلية للرجل وكيف انتهت عملية الاستئناف مع القضية، فسيشك المرء في نفسه أنه ليس في السعودية وإنما هو أمام محكمة للحشد الشعبي في العراق أو جماعة الحوثي بصنعاء.
تفصح الصور صباح اليوم، التي تناقلها مئات المغردين في السعودية، أن اليتيمات تعرضن للضرب بطريقة وحشية، والجنود "الهمج" هنا لم يكن يدر في خلدهم أن هناك كامرا توثق ما يجري.
في كتاب "السعودية من الداخل" يسرد الصحفي البريطاني "روبرت ليسي" وقائع وأحداث موثقا بعضها بشهادات من عاصروها، لا تقل عما جرى صباح اليوم، ونقل عن أشخاص أنفسهم والجانب المرعب فيما يخص الناشطات السعوديات داخل السجون وخارجها.
في عام 2002، اندلع حريق في مدرسة للبنات في مدينة مكة، يتواجد فيها قرابة 800 طالبة، وعندما بدأت الطالبات والمدرسات بالهروب وهن غير مرتديات النقاب واللباس الشرعي حسب نظام البلاد، كان الحراس يغلقون الأبواب الداخلية أمام الطالبات وفي نفس الوقت يعيدون الهاربات من الخارج إلى الداخل، لتنتهي المأساة بمقتل 15 طالبة حرقا وخنقا وجرح المئات.
شيء غير قليل من الهمجية والتنمر بأسلوب جنوني جرى على نساء ضعيفات في التسجيل المسرب، استعمل الجنود الصفع والضرب بالعصي وبآلات خاصة بالعقاب وبالكلابش فضلا عن الرفس واللكم، أما بعض الصور التي عرضت لأثار الجروح لاحقا على تلك السجينات فشيء لا يتصور، فهل يمكن القول أن هذه الحادثة خطأ وتصرف عابر وليس سلوك عام؟!
كيف تدار السجون إذا، وكيف يتم التعامل مع المخالفين، ألم يقتل أحد السعوديين بدم بارد عندما رفض أن يسلم منزله ونشر تسجيلا مصورا قبل الحادثة بساعات قبل عامين؟!
تكتفي السعودية بأنها ستحقق في الأمر وهذا هو فحوى البيانات الرسمية، وستنصف الضحايا، لكن السؤال: ماذا عن الذي سرب تلك الفيديوهات؟ وهل سيكون الأمر شيء عادي كي تعزز الرقابة المجتمعية مثل باقي المجتمعات؟، الحقيقة تقول: أن العقاب سيطال من سرب التسجيل أولا ولا محالة، لأن القوانين بمثل تلك الحوادث صارمة ومتطرفة جدا، وهذا ما عبر عنه عشرات المغردين السعوديين من تخوفاتهم، أما الذباب الإلكتروني فكالعادة، ذهب يكيل التهم جزافا نحو الفتيات، وهو ما يعكس حقيقة، أن قيمة الفرد – في السعودية الجديدة - لا تساوي شيء وأن هيئة الترفيه هي قشرة البيض، لتحسين صورة الحاكم لا أكثر.!!