لدي استعداد للاستماع إلى أفضل المحاضرات العالمية، أو الاشتراك في أصعب البرامج التفاعلية، أو الانخراط في أكثر الأعمال قسوة وشقاء، أو قراءة أطول الكتب التاريخية، المهم حين أن أنتهي من كل ذلك أكون قادرا على التلاؤم والعيش باستقرار في أي مكان خارج الوطن.
خمس سنوات في اسطنبول عشت فيها كل شيء، لكنني أعد الليالي والأيام التي أقضيها وكأنني وحدي في الانتظار.
لم أشعر بالراحة، وأتساءل كل يوم ماذا فعلنا بأنفسنا وماذا فعلتَ بنا أيها العالم.
ماذا فعلتَ بشعب يعيش الآن تغريبة طويلة.
يتيه في المدن والأرياف، يتيه في البحر المخيف والمليء بالأسرار.
انهارت أمة اسمها اليمن، وتفرق مواطنوها في كل دول العالم.
انهار تاريخ مثقل وانهارت معه تجربة سياسية لأكثر من نصف قرن.
تفرقوا في الداخل والخارج في الدول القريبة والبعيدة، في المدن الصغيرة والكبيرة وحتى تلك التي لم تخطر على بال.
إنهم في الهند وبلجيكا ورواندا والصين وكولومبيا والبرازيل وتنزانيا والاكوادور وحتى في تلك الدول التي لا نستطيع حفظ أسمائها.
تعبنا من الانتظار ومن هذه الرحلة التي لم تنته بعد، ولا تريد أن تنتهي.
تعالوا جميعا أيها المغتربون لترووا قصصكم، قصص نزوحكم وأسفاركم الطويلة، ليعرف العالم كيف فقدنا كرامتنا وكبرياءنا.
إلى الأسرة التي حاولت دخول اليونان إحدى عشرة مرة تعالي هنا واروِ للعالم قصتك الخالدة مع أطفالك الأربعة، اروِ لنا كيف ضاع أحدهم في الغابات الممتدة بين تركيا واليونان.
لقد صنعنا أعظم الملاحم التي لم تُدوّن يا هوميروس. لقد تاه بطلك في البحر عشر سنوات وتهنا نحن اليمنيين خمس سنوات، قل لنا ماذا تبقى يا هوميروس؟
لقد خرجنا من الأوديسة وهوميروس لم يمنحنا الأمان أو يعدنا بمستقبل أفضل، خرجنا من كتب التيه التاريخي ولم نعثر بعد على مسار العودة، أو نتمكن حتى من نسيان الطريق.
نحن أوديسيوس وهوميروس جالس في التاريخ يراقب ذلنا وتشردنا وسفينتنا الضائعة.
يملأنا الحنين ونحن تائهون في البحر.
أين أنتَ يا هوميروس أعدنا إلى بينلوبي، لقد سئمنا هذه المغامرة.
أين أنتِ يا صنعاء.. أين أنتِ يا عدن.. أين أنتَ أيها الوطن.. أين أنتِ يا بينلوبي.
تاه أوديسيوس في البحر عشر سنوات، أخطأ الطريق وكانت على الشاطئ تنتظره بينلوبي.
نحن شعب كامل بتفاصيل أوديسيوس، بينلوبي لا تنتظرنا عند الضفة الأخرى، إنها حتى لم تعد تعرفنا وكأننا لم نكن يوما ما معا.
امنحينا الأمل بالعودة أو تخلصي منا إلى الأبد، واتركينا نعِش تفاصيل يومنا بكامل ما نملكه من حاضر.