كتبتُ منشور في فيسبوك عن إعلان الحوثيين مقتل من وصفوه بأمير تنظيم داعش في ذمار.
وتساءلت فيه عن حقيقة أن يكون هناك تنظيم داعش أصلا، إذ أن الأمر ملفت ويتضح فيه التلفيق، وتطرقت لعملية استغلال تهمة داعش والقاعدة من الحوثيين بالحاق الضرر والانتقام من الخصوم.
للأسف فُهم العديد المنشور بطريقة معاكسة، وكل واحد قام بتكييفه وتفسيره بالطريقة التي يريد.
لا أحد يتقبل مبررات الحوثيين، ولايصدق ما يقدموه من مبررات، خاصة اذا كان الأمر يتعلق بداعش والقاعدة، وهي التهمة التي يوجهها الحوثي لكل خصومه منذ ماقبل سقوط صنعاء، وهذا أمر مفروغ منه.
كان الغرض من المنشور لفت النظر إلى الاستغلال الحوثي لقضية داعش، ولفت النظر إلى استفادة الحوثي من هذه الورقة أمام المجتمع المحلي والدولي.
كان التساؤل مشروعا، إذ أن الحديث عن داعش في ذمار له دلالات عديدة، خاصة أن التقارير الدولية عن التنظيم في اليمن لم تسجل وجود تنظيم داعش في تلك المناطق من قبل، وتقصر تواجده على أماكن بعيدة تماما عن ذمار.
هي قصية خطيرة أن يتم وصم اليمنيين بهذا الوصم، وأن يظهر الحوثي نفسه أمام المجتمع الدولي كمحارب مخلص ضد التنظيمات الإرهابية، بينما هو ينتقم من يمنيين أبرياء لاحول لهم ولاقوة.
التساؤل هو وظيفة كل صحفي يقف أمام أي حدث، وهو كلما يملكه، باعتبار السؤال مدخل للوصول إلى حقائق ومعلومات جديدة، أو نقض معلومات منتشرة.
لا أحد كلف نفسه البحث في قصة هذا الرجل، ولا في تفاصيل ماحدث بالضبط، وأصبحت القضية بين روايتين، الأولى ما تداولته وسائل إعلام مناوئة للحوثي عن عملية القتل، والثانية رواية الحوثيين، وبينهما تفاصيل كثيرة تحتاج للتفتيش والتنقيب.
فور نشر المنشور بحثت عن معلومات متصلة، ولاحظت اولا تناقض الحوثيين في تلفيق التهمة، فداخلية الحوثيين قالت إنه من تنظيم داعش، ولاعلاقة له بالقاعدة، ثم نشرت الداخلية خبرا في وكالة سبأ إنه من داعش، ورواية قناة المسيرة ووسائل اعلام الحوثيين تقول إنه عضوا في تنظيم القاعدة.
بث الحوثيون مقطع فيديو عنه في يوتيوب يتحدث عنه وعن خطورته كما يزعمون، وكل التعليقات من الزوار تكذب الرواية التي أخرجها الحوثي باتقان، ليغطي على الجريمة.
القصة تبدو أكبر من مجرد تغطية لحدث، فقد عمد الحوثيون لنشر مضبوطات عبارة عن سلاح وشعارات للقاعدة وداعش زاعمين إنها كانت بحوزته، وهي تلفيقات ينفيها أقارب الرجل، بل إنها خطيرة في حد ذاتها أن يتم احضار تلك الشعارات والأسلحة ليتم تسويقها كمضبوطات، وتعني بوضوح أن هناك تهمة جاهزة، وهناك مضبوطات جاهزة أيضا من الحوثيين، وقد يتكرر الأمر مع أي حالة مماثلة.
تواصلت مع مقربين من الرجل، وسردوا تفاصيل جديدة لم يتطرق لها أحد عن حياته وتعرضه للظلم سابقا، ولايزال البحث جار للوصول إلى مقربين أكثر للوقوف على تفاصيل دقيقة للقصة.
ما عرفته إن الرجل سجن في عهد صالح بسجن الأمن السياسي قي صنعاء بحجة الارهاب، وأفرج عنه بعد سنتين باعتباره بريئا من التهم الموجهة له، وظل محافظا على هيئته بلحية كثيفة، وهو ربما ما استغله الحوثيون.
لكنه بعد الإفراج عنه بعد سجن طويل تأثر بذلك، وأصبح يمارس حياته بكل هدوء، وسلك طريقا خاصا به، يقضيه بين المسجد والعمل الخيري، ولم تسجل عليه أي أنشطة تتعلق بالإرهاب قولا أو سلوكا.
ووفق مقربين منه فقد عمل في المجال الخيري في أوساط الناس، واستغل الحوثيون الأمر، واتهموه بتجنيد شباب وفتيات للعمل مع تنظيم داعش.
حضر الحوثيون إلى المسجد بالسلاح، وطلبوا منه الخروج من المسجد، مقدمين ضمانة ووجوههم بعدم التعرض له، لكنه كان يعلم إنهم يضمروا له الشر، وخلال ذلك الوقت أطلق مسلح حوثي النار عليه وقتله على الفور.
تحفظ الحوثيون بالجثة، ولم يفرجوا عنها إلا بعد تقديم تنازل مكتوب من والده بالدفن، وجرى دفنه لاحقا، ودفنت معه قصة لاتزال كثير من تفاصيلها غامضة.
هو أب لستة أطفال، وفي العقد الرابع من عمره، والناس في منطقته تشعر بحزن كبير عليه، وعلى الطريقة الوحشية في التعامل معه من قبل الحوثيين.
كل هذه التفاصيل كنتُ فضلت أن تنشر كمادة صحفية معززة بمنشورات الحوثيين وروايتهم للجريمة، المليئة بالتناقضات.
لكن تعليقات البعض التي ذهبت للتركيز على السؤال الذي طرحته، والخوض والتشكيك في النوايا، متناسية دلالة القصة نفسها، وهو ما دفعتني لنشرها كمنشور، مع إدراكي إن كثير من القضايا عندما تتحول إلى مجرد منشور في وسائل التواصل الاجتماعي تفقد قيمتها كحدث ينبغي توثيقه إعلاميا ونشره في الصحافة.
من الخطأ التعامل مع الأحداث بطريقة عابرة، ومن الشناعة التوجه باللوم على شخص ما لمجرد تساؤلات يطرحها، ومن المعيب التركيز على فعل للحوثيين دون كشف دلالة ذلك الفعل.