حين تم إبلاغي بالموافقة على طلبي بالعمل التطوعي بقسم الامراض الباطنية والقلب بمستشفى حكومي تعليمي لم اتمالك نفسي من الغبطة والسرور، حينها لم يمض سوا شهرين عن إكمال إمتحاناتي النهائية بنجاح، ولم يكن بحوزتي غير شهادتي المصدقة، والتي تثبت بأني انهيت امتحاناتي بنجاح.
قبولي بالعمل التطوعي كان بمثابة تكليل لكل سنوات دراستي العلمية والتي حان الاوان لتدعيمها بالخبرة العملية، وحينها كنت خريجة مفعمة بالامال والطموح، ومقبلة على العمل بكل نشاط وجد واجتهاد، لم أكن على المام بالعمل الوظيفي والمسؤلية المترتبة عليه حيث اني امضيت سنوات التدريب والتطبيق العلمي اثناء دراستي الجامعية بعدد من مستشفيات عدن التعليمية كطالبة أبحث عن المعلومة واقوي مداركي الدراسية بالتطبيق العملي.
ولكن الوضع يختلف تماما حيث تصبح أنت الطبيب المناوب والمسؤل عن حياة المرضى الذين يترددون إلى المستشفى بمناوبتك، واتذكر حينها اني شعرت بالزهو واسمي بجدول المناوبات الطبية كطبيبة ممارسة للعمل المهني، وبدأت بأول مناوبتي تحت اشراف اخصائي مقيم، ولكن صدمتي كانت تتوالى بمضي الايام ومناوباتي.
الواقع العملي كان مختلف تماما، ليس من حيث التطبيق والعمل المهني، ولكن الواقع الوظيفي وظروف العمل والبيئة الادارية كانت تغرق بالفساد والاهمال، طاقم طبي موجود بالاسم فقط، والمستشفى يعاني من النقص الشديد والحاجة الملحة للكادر الطبي، حيث أن المستشفى تقدم خدماتها الطبية في ذلك الوقت لقطاع سكاني كبير.
غرفة الطوارى كانت تكتض بأسراب البعوض، والذي كان لايتوانى عن لدغي طوال مناوبتي، أثاث مهترئ، وجهاز زئبقي وحيد لقياس الضغط للمرضى، قديم وممزق سلكه، صيدلية المستشفى كانت تفتقر لأهم الأدوية الإسعافية، المرضى الذين كانوا يترددون على المستشفى جلدهم الفقر والحاجة، كان بامكاني اعفاءهم من رسوم المعاينة لكني لم يكن بمقدوري توفير الدواء لهم جميعا، لم يكن لدى المستشفى قسم خاص بالرعاية الحثيثة، وعليه كنت أقوم بتحويل الحالات الحرجة للمستشفى المركزي، ويظل فكري شاغرا كيف أصبح هولاء المرضى؟ وهل عاودتهم الصحة مجددا أم فقدوا حياتهم؟
كنت أتحمل من واقع العمل المحبط في سبيل اكتساب الخبرة العملية، والتي تمكنني من العمل بأي مستشفى خاص، وذلك لأن الوظيفة الحكومية كانت حلم بعيد المنال، تفاجأت بزملاء سبقوني بالتخرج من سنوات طويلة يتخبطون بالعمل هنا وهناك بحثا عن لقمة العيش، ولازالت اسماءهم تقبع بقائمة الانتظار بسجل الخدمة المدينة، وطوال سنوات عملي التطوعي لم أحصل على فرصة واحدة للتدريب المهني، وحين طلبت افادة بسنوات خدمتي العملية تم شطب ثلاث سنوات من إجمالي سنوات عملي، وقيل لي أن ذلك بسبب تغيير مدير المستشفى السابق.
وبكل مناوبة لي، كنت أعود لمنزلي بخيبة الأمل لأني لم أدرس الطب لأجل هذا، ولم أصبح طبيبة لاطلب فحوصات لا يمكن للمريض دفع ثمنها خارج المستشفى لعدم توفرها، ولا لأكتب وصفات علاج لايستطيع المريض شراوئها، ولا الحصول عليها ليتمكن من الشفاء، لم أستطع أن اتحول لآلة لفحص وكتابة العلاج دون الشعور بمعاناة المرضى ومساعدتهم على الشفاء.
ظللت أتمسك بإنسانيتي خوفا من افقدها في ظل ما كنت أعيشه واعانيه من إحباط مهني وعملي بالرغم من خيبة الأمل التي ظلت تسكن بداخلي.
*المقال خاص بالموقع بوست