تتجلى واحدة من أبرز مشاكل الشرعية اليمنية، في سوء تقديرها للمواقف والأشخاص، ويعدُ تعاملها مع سفير السعودية في اليمن محمد آل جابر أبرز مثال على ذلك، فالوضع الطبيعي لعمله أنه موظفٌ في وزارة الخارجية السعودية، ويتحتم عليه احترام الأعراف الدبلوماسية المحددة لعمله، وينبغي أن يظل التعامل معه بعذا المستوى الإداري، وفي حال أي ملاحظات على أداءه من حق وزير الخارجية اليمني الإعتراض عليه كأي سفير لأي دولة أخرى، وإبلاغ وزير خارجية دولته، ضمن الأطر الناظمة لهذا النوع من الأعمال .
لكن الواقع اليمني وماتفرضه ظروف المرحلة، والعلاقة غير الاعتيادية في وضع التحالف مع السعودية، شارك في اختلال الموازين وأعطى الرجل مالايستحق، بل وكلفه بما لا يقدر كما تبين من خلال إدارته للملفات التي أوكلت إليه، حتى وصل به الأمر إلى الإستعانة بالعسكريين السعوديين في المهرة قبل عامين، في الحادثة الشهيرة التي أوعز فيها السفير لفريق الرئاسة بأن يؤخروا طائرة رئيس الجمهورية لغرض استكمال الإجراءات الأمنية، والذي تبين لاحقاً أنها كانت مجرد خدعة لمنح السفير المزيد من الوقت حتى يظهر وهو يشد (عِقَاله ) ضمن المُستقبلين للرئيس هادي في المهرة، وهو ما يُعد خرقاً دبلومسياً بأن يتزعم استقبال رئيس الدولة في إحدى محافظات دولته سفير دولةٍ مجاوره.
ومع أن الأصل في الأمر أن يُلزم الرجل حجمه الطبيعي، ويتم تقييم عمله من قبل المختصين في الخارجية اليمنية؛ إلا أنه من الواجب الإعتراف بأن خواء قيادات الشرعية و قلة حيلة رموزها قد شارك في إفساح المجال لظهور مثل هذه الحالات، بل وانعكس الأمر على الشرعية ذاتها حيث كانت هنالك تسريبات سابقة عن شكوى رئيس الجمهورية من أن السفير آل جابر يعيق التواصل مع الجانب السعودي وأحياناً يتعمد خلط الأراء وتظليل أصحاب القرار في دولته لصالح الأجندة الإماراتية.
في إحدى المرات التي صادفتُ فيها السفير شخصياً في دولةٍ أوروبية أثناء تغطيتي الصحفية لجولة مفاوضات يمنية، رأيتُ كيف بدا زاهياً مختالاً عندما حضر إلى لوبي الفندق الذي يقيم فيه أعضاء وفد الشرعية المفاوض، و ساءني وزملائي الصحفيين حينها ما لاحظناه من تهافت بعض المسؤولين اليمنيين وتسابقهم للسلام عليه والدوران حوله، واتذكر جيداً تعليق الزميل الصحفي الذي قال حينها : جاء أمين الصندوق !
في الحقيقه كنت قد صادفته قبل ذلك في السنة الأولى للحرب وكان يبدو أكثر تواضعاً وأقل زهواً بنفسه، لكنها سنين الحرب !
يتحدث كثيرون بأن إطالة أمد الحرب؛ سهل جريان حنفيات المال بيد السفير آل جابر بدون حسيب أو رقيب، ومكَنَه من شراء ولاءات كثير من المتسلقين الذين تزخر بهم المرحلة، كما ساعده على بناء امبراطورية مالية في الظل، وقد مثَلَ صندوق إعادة الإعمار المصدر الرئيس لإستدرار المال و النافذة الغير شرعية التي تُستخدم لغسيل الأموال كما يرى مراقبون من خلال تعاملهم المباشر مع بعض المشاريع الصورية التي تبدأ في كاميرا تلتقط صورة السفير آل جابر يضع حجر الأساس وتنتهي عند نشر الخبر في وسائل الإعلام، و بالإمكان مراجعة كل المشاريع التي أعلن عنها خلال السنوات الماضية بملايين الدولارات بينما على الأرض لا وجود لها من الأساس.
ختاماً، ليس على (شقاة) السفير أن يتلقفوا المكتوب هنا، ويذهبون به إليه فرحين و(متجملين)، فقد بات معروفاً لدى كثيرين بأن جوقة السفير يتلقفون المواد التي تنقد اداءه العام ويستعينون بها على رفع سعرهم عنده، وهو ما يقوم به بدوره للمستوى الأعلى منه. لذلك من المهم التأكيد أن الحديث هنا ليس شخصياً، ولا يمكن بأي حالٍ من الأحوال وضعه ضمن أي إطار أو تحويره وحرفه عما أراد له كاتب هذه السطور.