حرب الأعدقاء
الأحد, 27 ديسمبر, 2020 - 05:12 مساءً

في أقصى مكان في الذاكرة اليمنية، يحتفظ اليمنيون بتاريخ الثورة اليمنية المجيدة التي أفضت إلى النظام الجمهوري، وكيف دعمت حينها المملكة السعودية الإماميين بالمال والسلاح، واستدعت حتى الطيران الاسرائيلي في سبيل وأد جمهورية ناشئة على مرمى حجر من أراضيها؛ و أنى لها ذلك!
 
و خلال خمسين عام لم تتوقف المحاولات السعودية لإضعاف الدولة اليمنية، ومحاصرة الجمهورية بأكثر من طريقة، فقد دجنت الساسة، و أشترت تجار المواقف و جمدت الإقتصاد و دعمت الفساد و خلخلت الصفوف؛ ووقف اليمني صامداً صابراً كعادته ممسكاً بتلابيب جمهوريته واقفاً على ناصية حلمه.
 
مؤخراً و عقب ثورة فبراير المجيدة في العام الفين و إحدى عشر، شعرت المملكة الشائخة أن شباب الثورة اليمنية قد هدموا كل أساساتها الواهنة التي ظلت ترعاها على مدى خمسة عقود في اليمن ، و بزوال نظام صالح تعرت السعودية و سياستها في اليمن أكثر و أكثر.
 
وكعادتها تدثرت السعودية بثياب الواعظين و راحت ترعى مصالحات سياسية هشة و ضغطت لتوقيع ما عُرف حينها بالمبادرة الخليجية التي زرعت فيها ألغاماً انفجرت بوجه اليمنيين دفعة واحدة في سبتمبر من العام الفين و أربعة عشر حينما أقبل أحفاد الأئمة  بدعم سعودي لإسقاط الجمهورية اليمنية عبر إنقلاب عسكري اعطى السعودية مبرراً جديداً لشن حربٍ حاقدةٍ و بغيضة، بدأت كحرب على الحوثيين وانتهت كحرب على اليمن واليمنيين.
 
فلم يكن السادس والعشرين من مارس سوى محطة أخرى لدور سعودي في اليمن أكثر رعونة فقط، فبينما أعتبره اليمنيون والعرب بل والعالم أجمع بأنه اليوم الذي استوعبت فيه السعودية أنها تتعرض لخطر وجودي وعليها أن تفيق و تُبادر؛ إلا أن الأحداث التالية والشهادات التي ظهرت لاحقاً أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأنها ذات العقلية السعودية المتعجرفة التي تسيء لنفسها أكثر مما يفعل خصومها بها.
 
ومنذ انطلاق عاصفة الحزم في 2015م بغرض استعادة الشرعية اليمنية ومحاربة الحوثيين وتأمين السعودية؛ و بعدأكثر من خمسة أعوام زادت رعونة الحوثي ووحشيته، و بدا أن الشرعية أضعف مما كانت عليه بداية الحرب، بل وحتى السعودية نفسها أضحت مكشوفة أكثر من أي وقت مضى منذ تأسيس المملكة الحالية.
 
إن قراءةً بسيطة متجردة وواعية للمسار الذي انتهجته السعودية لدعم الحرب في اليمن عسكرياً و اقتصادياً و سياسياً سيخبرنا بما لا نريد نحن أنفسنا كيمنيين معرفته بهذه الفجاجة.
 
عسكرياً بإمكان أي مسؤول عسكري تعامل بشكل مباشر مع قيادة التحالف أن يكشف عن كيفية الدعم المشروط والغير رسمي، و كيف أن الدعم يأتي بحسب مزاج الضابط المسؤول و ليس بحسب الحاجة والأحداث، و في معظم الحالات سلمت السعودية أسلحة عسكرية بشكل شخصي لشخصيات قبلية بحسب قربها وولاءها لها، أما الدعم المالي فتعمدت فيه إفساد قيمة النضال اليمني و شخصياته؛ فأولاً كل من يستلم دعم مالي سعودي يعرف بأن عليه أن يوقع على مستندات تحوي أرقاماً تفوق بأكثر من الضعف المبلغ المسلم إليه، ومباشرةً وفور استلام المبلغ المكذوب يتم مراعاة دفع العمولات (الرشاوي) لضباط اللجنة الخاصة وغالباً تكون هذه العمولات بمئات الآلاف، ومن ثم فالسعودية تعطي لقائد ميداني دون آخر  وتذهب لتخبر الآخر بأنه نصيبه من الدعم قد تم تسليمه لفلان ولكنه رفض أن يعطيك حصتك، ناهيك عن دعمها وحليفتها الإمارات لكيانات مسلحة خارج إطار السلطة الشرعية.
 
أما سياسياً، فعلى مدى جولات المفاوضات بين الحكومة الشرعية والمتمردين الحوثيين؛ كان للسعودية القول الفصل في إرغام الشرعية على مالاتريد لتخفيف الضغط الدولي على المملكة وهذا ماحدث بالضبط في استوكهولم حينما رفض الوفد الحكومي التوقيع على الإتفاق بدون ضمانات ملزمة للحوثيين للإنسحاب من الحديدة، لكن إتصالاً من مكتب ولي العهد السعودي أجبرهم على التوقيع، وهو الإتفاق الذي لم يساوي إلى الان قيمة الحبر الذي كُتب فيه.
 
و هكذا في كل الاتفاقات كانت السعودية تُحجّم الشرعية و تملي على الوفد الحكومي قراراته بل و تختار بنفسها بعض أفراده ليبدو ضعيفاً و غير متسق، بينما كانت هي ذاتها تخوض مفاوضات مباشرة مع الحوثيين من باب خلفي دون التنسيق مع الحكومة الشرعية. و في الجهة الأخرى وفرت الغطاء لكل المليشيات التي تدعمها حليفتها الإمارات استمراراً منها على طريق إضعاف الشرعية و خلق شرعيات بديلة متفرقة ومتناحرة.
 
في الجانب الإقتصادي أيضاً عمدت السعودية على إبقاء اليمن محتاجاً لها، فمنذ العام الفين وستة عشر وبعد تحرير ميناء بلحاف النفطي لتصدير الغاز اليمني الذي كان يدر على خزينة الدولة اليمنية ما يقارب ثلاثة مليار ونصف دولار سنوياً؛ إلا أن الجارة (الكوبرى) تواطئت مع حليفتها الصغرى ومنعت تصدير النفط والغاز اليمني إلى اليوم و حرمت اليمنيين من ثرواتهم و خيرات بلادهم.
 
إن حاصل جمع وتحليل هذه القراءة يعطي المتابع صورة واضحة بأن نية الغدر و اللؤم كانت مبيته لدى صانع القرار السعودي منذ الوهلة الأولى لهذه الحرب الملعونة، و بأن السعودية والحوثي أقرب إلى بعضهما مما نعتقد، و الأيام القادمة كفيلة بكشف المستور و قريباً سيلتقط السعوديون صوراً تذكارية بجانب الحوثيين و ستغطي ابتساماتهم وجه الصورة فرحاً بعودة الحليفين القديمين إلى سابق عهدهما. ففي الوقت الذي تتفرق فيه أيدي سبأ و تتباعد سُبلهم، يقترب (الأعدقاء) من بعضهم أكثر.
 

التعليقات