في 16 سبتمبر 2015م عرض المخرج المغربي نبيل عيوش فيلما جديدا في فرنسا اسمه بالانجليزية "MUCH LOVED" أو بالعربية "الزين اللي فيك".
الفيلم يعتبر من النوع الجريئ بسبب ما تضمنه من مشاهد جنسية فاضحة، ولقي إدانات واسعة في المغرب بسبب مظاهر العري، وتقديمه للبنات المغربيات باعتبارهن داعرات ويعملن في هذا المجال لكسب لقمة العيش.
يصدمك الفيلم حقاً بتلك المشاهد التي تؤديها مجموعة من البنات المغربيات، إذ يعملن كما يحكي الفيلم ضمن شبكة للدعارة المنظمة في مدينة مراكش المغربية التي تعد وجهة سياحية مفضلة لكثير من السياح.
ترتبط البنات في الفيلم بأعمال الدعارة لتوفير احتياجاتهن اليومية من المال لأنفسهن وأسرهن، ويكون الزبائن المفضلين لديهن سياح من السعودية يأتون بحثا عن المتعة، وينفقون الأموال الطائلة هناك.
في مشهد من المشاهد تظهر إحداهن وهي تتمنى زبونا سعوديا لديه قضيبا قصيرا، متمنية الحصول على المال الكثير منه، وهذا الحديث جزء من نص الفيلم الذي تضمن العديد من المفردات الهابطة في أغلب حديث تلك البنات.
يظهر رجلا سعوديا يرتدي عقالا ويتحدث اللهجة السعودية ويرمي قطعة ذهب وسط مسبح ويطالب البنات بالقفز وسط الماء، ومن تعثر عليه يصبح ملكا لها، وهي إشارة لحجم المال الذي ينفقه هؤلاء، والعبث الذي يمارسوه.
كل ذلك ربما يأتي في سياق إبراز المخرج للعبث السعودي في المال، وإنفاقه على الدعارة والمتعة.
لكن مشهدا آخر في الفيلم يبدو غير متصل بتاتا بقضية الفيلم، لكنه كان ملفتا في المفهوم الذي أراد القائون على الفيلم إيصاله للجمهور.
تجلس مجموعة من الفتيات مع ثلاثة شبان خليجيين يرتدون الثوب والعقال، وفجأة يقول أحدهم: "هذي قضية معروفة من زمان بأنها قضية استثمار".
يرد عليه الأخر بالقول: "اذا يبون حل السعودية تحل لهم ياها في ثانية"، ويرد الثاني بالقول: "ما يبون حل .. يبون شحاتة .. يبون فلوس.. يبون دنانير .."
ترد احدى البنات المغربيات بالقول: والله حرام هذي الحكي اللي تحكوه عن فلسطين.. هم مغتصبين أرضهم ولازم احنا نمد لهم يد المساعدة مو نحكي فيهم ونشمت فيهم".
يرد احدهم ويقول: "هذول مغتصبين العالم كله".. ويقاطعه آخر بالقول رافعا يده وفيها مسبحة: " إيش دراها في السياسة".
ينتهي هذا المشهد بهذا الكلام، لينتقل إلى مقارنة البنات المغربيات بالبنات الخليجيات.
تلك الجمل التي وردت في الفيلم تطرقت لفلسطين وحقوق أبنائها، لكنها قدمتهم باعتبارهم مجرد لصوص ومرتزقة يبحثون عن المال، وليس لديهم قضية فعلية.
وربما أراد مخرج الفيلم الإيحاء والإشارة للعقلية والذهنية السعودية بشكل خاص، وكيف تفكر تجاه قضايا المنطقة بشكل عام، لكن هذا الطرح انتشر مؤخرا بشكل كبير، خاصة في أغلب المجتمعات الخليجية، التي بدأت تروج لمثل هكذا أفكار عن فلسطين كقضية، والهدف الواضح منها إماتة الشعور بهذه القضية في الوعي الشعبي العربي، وبالتالي تهيئة تلك المجتمعات لتقبل إسرائيل.
هذا الطرح انتقل إلى السعودية خلال وقت قياسي، مستخدما الفن والسينما أيضا لمخاطبة الجمهور.
ونتذكر هنا المسلسلين التلفزيونين الذي بثتهما السعودية هذا العام، وهما “مخرج 7” و “أم هارون”، وبثتهما قناة “أم بي سي” (MBC) السعودية، التي تتخذ من دبي الإماراتية مقرا لها.
تطرقت حلقة من مسلسل “مخرج 7” الذي كان البطل فيه الفنان الكوميدي السعودي ناصر القصبي إلى العلاقات مع إسرائيل، عبر ردود أفعال داخل أسرة سعودية اكتشفت أن أحد أطفالها (زياد) يلعب عبر الإنترنت مع طفل إسرائيلي (عزرا).
ويظهر الأب (ناصر القصبي) غاضبا، وهو يقول: “قلت لزياد.. اقطع علاقاتك معه (عزرا) فورا”. لكن ترد زوجته: “أنت تبالغ، دع الأطفال يلعبون”.
أما المشهد الذي يحمل الدلالة الأكبر فجاء في حوار بين القصبي والفنان السعودي راشد الشمراني، الذي قال مخاطبا الأول: “إسرائيل بشر مثلك.. إسرائيل موجودة سواء أعجبكم ذلك أم لم يعجبكم”.
وأضاف الشمراني: “ما ضيّع العرب طوال هذه السنين إلا القضية الفلسطينية، والنتيجة كلام وجعجعة بلا نتيجة”.
وتابع: “لو تظنون أنكم إن منعتم زياد من اللعب مع صاحبه الإسرائيلي أن تزول إسرائيل عن الوجود، فأنتم مخطئين”.
واعتبر الشمراني أن من يقول إن إسرائيل ستزول “واهم”، وأن العرب يقولون هذا الكلام منذ سنوات طوال، في حين أن دولهم هي التي بدأت واحدة تلو الأخرى “تنتهي”، فإن إسرائيل بقيت دون أن يمسها سوء.
وفي مشاهد لاحقة من الحلقة، زعم الشمراني أن الفلسطينيين يتحينون الفرص للهجوم على السعودية، رغم الدعم المالي الذي تقدمه لهم، داعيا إلى تعزيز التعاون التجاري بين المملكة وإسرائيل.
وتابع: “العدو هو من لا يقدّر وقوفك معه ويسبّك ليل نهار أكثر من الإسرائيليين”.
مثل هذه الأعمال التي اتخذت من الفن وسيلة للترويج لمثل هذه المفاهيم استبقت ما يجري اليوم من هرولة للأنظمة العربية والخليجية منها بالذات نحو إسرائيل، وخاطبت الذهنية العربية والجمهور العربي بمفاهيم جديدة، تجعل من إسرائيل صديقا ووفيا ومسالما، ومن الفلسطينيين عدو وشيطان يجب محاربته والتصدي له.
هذه الهرولة الخليجية هيأت الشعوب العربية لتلقي التطبيع واعتباره نصرا ومنجزا تاريخيا لقياداتها، وزادت وتيرتها منذ ما بعد أحداث الربيع العربي التي مثلت انبعاثا شعبيا دفع الكثير من الأنظمة لإعادة حساباتها مع شعوبها، والتفكير بطرق تضمن لها البقاء، وعدم التمرد والسقوط.
انبرت أنظمة خليجية للتصدي لهذا الربيع، وكانت الإمارات على رأس تلك الأنظمة التي تحركت منذ وقت مبكر في البلدان العربية تحت يافطة محاربة الإخوان المسلمين، وكافة التيارات السياسية التي جاءت بها ثورات الربيع العربي، وخلق أنظمة جديدة على أنقاضها.
وتحت هذا الشعار جرى إسقاط ومحاربة دول وكيانات وأحزاب عربية، وتبنت أبوظبي هذه الحرب، وجندت لها المرتزقة من الإعلاميين والسياسيين وأمرأء الحروب في كل بلد عربي.
كان من الواضح أن هذه الحرب تهدف لضرب الإخوان الذين يشكلون حضورا شعبيا في عدة دول عربية، وهم ذاتهم الإخوان الذين ظلوا هدفا لاسرائيل منذ جرى زرعها في جسد الوطن العربي.
دفع إخوان مصر الثمن كبيرا جراء موقفهم من إسرائيل والقضية الفلسطينية بعد فوز مرسي في مصر، وحوكمت الجماعة بتهمة التخابر مع حماس من نظام السيسي الذي كانت الإمارات أحد ممولي انقلابه.
واليوم تنكشف الحقائق.
الإمارات تهرول نحو إسرائيل، ومصر بقيادة السيسي تبارك هذه الهرولة، بينما تقضي قيادات إخوان مصر ما تبقى من عمرها في سجون النظام داخل مصر، وتدفع ثمن مواقفها.
وفقا للنموذج المصري بشقيه الإخواني والنظام عملت الإمارات على إنتاج واستنساخ ذات التجربة في بلدان عربية أخرى.
حصل هذا في السودان، فعقب سقوط نظام البشير وصعود قيادة جديدة سودانية جديدة تلقت دعما من الإمارات سارعت الإمارات لتقريب هذه القيادة من إسرائيل، ورعت اتفاقا بين الجانبين، وأسفر هذا عن السماح بعبور الطائرات الإسرائيلية فوق الأجواء السودانية لأول مرة في تاريخ السودان المعروف بمواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية.
يتكرر النموذج في اليمن، فبعد لحظات فقط من إعلان الإمارات وإسرائيل لهذا التقارب، سارعت كيانات وأدوات تدعمها وتمولها أبوظبي في اليمن لتأييد الخطوة الإماراتية، ووصفها بالمنجز التاريخي العظيم، وهذا ما عبر عنه المجلس الانتقالي بلسان هاني بن بريك، وطارق صالح قائد ا يسمى بقوات حراس الجمهورية، وكلا الكيانين يتلقيا الدعم والتمويل من دولة الإمارات.
اليوم جناية الإمارات بهرولتها نحو إسرائيل لا تتعلق فقط بها كدولة، بل أولا بالأنظمة التي تمولها وترعاها وجعلتها منجرة خلف سياستها، وأيضا بجموع طوابير المرتزقة التابعين لأبوظبي الذين يبررون هذه الخطوة، ويسوقون لها باعتبارها منجزا وتخدم ما يعتبروه بالمشروع العربي، أو سياسة احتواء إسرائيل كما وصف الأمر أحد هؤلاء.