مع دخول الحرب في اليمن عامها السادس فإن النساء هن أكثر الفئات الاجتماعية التي تدفع ثمنها في مختلف الجوانب، رغم أن تأثير هذه الحرب كان مدمرا على جميع فئات المجتمع، غير أن المرأة كانت الأكثر تضررا، سواء كان ذلك في جانب التعليم أو في معدلات الإعالة أو الانتهاكات والعنف المنزلي إلى جانب خسارتها معظم المكاسب السياسية التي كانت قد تحققت خلال العقود الثلاثة الماضية.
منذ قيام الجمهورية ناضلت النساء في اليمن جنوبا وشمالا من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وكانت المرأة في دولة جمهورية اليمن الديمقراطية أكثر حظا منها في الجمهورية العربية اليمنية، في الجوانب الاقتصادية والمكاسب القانونية والمشاركة السياسية، لكن الغالب من النساء تحملن على مدى عقود ممتدة مسؤليات اجتماعية واقتصادية بالغة القسوة، إذ أن وجود ما نسبته 70 بالمئة في الأرياف جعل معظم النساء يحرمن من التعليم، كما أنهن يعملن في الأراضي الزراعية إلى جانب الأعمال المنزلية وتربية الأبناء.
ولأن الاغتراب جزء أصيلا من تاريخ اليمنيين، فإن فترة السبعينات والثمانينات استقطبت مجاميع كبيرة من السكان الذكور للعمل في دول الخليج أثناء الطفرة النفطية وتحملت النساء خلالها مسؤلية العمل في الأرض ورعي الحيوانات وتربية الأبناء ورعايتهم والأعمال المنزلية، أي أنهن يقمن بدورهن التقليدي كنساء، إلى جانب ممارسة مهام رجالهن المغتربين عنهن وعن العائلة.
ومع ذلك، تحرم المرأة في كثير من المناطق حتى من ميراثها، ذلك الحق المشروع، ونادرا ما تحصل على نصيبها من تركة الوالدين أو الزوج وفي أحيان أخرى يُدفع لها مبلغا ماليا للتنازل عن نصيبها من الأرض.
اليوم والحرب قد تسببت في تشريد نحو أربعة ملايين يمني، وجعلت نحو 16 مليون يمني يعيشون على المساعدات الإغاثية، تدفع المرأة الثمن الأكبر لاستمرار القتال، أكان ذلك من خلال النزوح القسري والعيش في مخيمات تفتقد لأبسط الاحتياجات، أو بسبب تعرض عائل الأسرة للقتل أو الأسر أو انشغاله بالحرب في مناطق الصراعات، إذ أن غالبية الناس فقدوا اعمالهم، كما أن الصراع في شقه الاقتصادي حرم أغلبية الموظفين من رواتبهم وجعلهم ينخرطون في صفوف المتحاربين من أجل الحصول على الفتات.
هذه النتائج التي ترتبت على الحرب والعديد من العوامل الأخرى اضطرت المرأة للخروج إلى سوق العمل بمستوى تعليمها المتواضع الذي قد ينعدم لدى الأغلبية في بلد غير المتعلمات فيه يمثلن 66 بالمئة من إجمالي الإناث، وإلى جانب الخسائر الاقتصادية فإن المراة خسرت مكاسب هامه في الجانب السياسي كحصيلة لنضال طويل يمتد لأكثر من ثلاث عقود كان أخرها نتائج مؤتمر الحوار الوطني التي منحت النساء نسبه مشاركة في صنع القرار السياسي لا تقل عن 30 بالمئة، إلا أن الحرب وفرت للأطراف السياسية مبررات لإقصاء المرأة سياسيا، وحتى في عملية السلام بدى دورها شكليا واستجابة لضغوط أممية، ورغم أن نضال المراة اليمنية الطويل من أجل إصدار تشريع يمنع زواج دون سن الـ18، إلا أن تلك الحملات السياسية والإعلامية والحقوقية أوجدت ما يمكن وصفه برادع سياسي واجتماعي في هذا الجانب.
وتراجعت بشكل ملحوظ معدلات زواج الصغيرات، لكن مع استمرار القتال وجدت أسبابا اقتصادية واجتماعية فاقمت من هذه الظاهرة وأعادتها إلى المشهد من جديد كظاهرة ولكن بسبب تردي الوضع السياسي والأمني والاقتصادي، ولم يتم التعامل مع هذه الظاهرة التي عادت بعنف على أنها أولوية يجب التعاطي معها، حيث اضطرت الكثير من الأسر إلى تزويج بناتها في سن صغيرة لعدم قدرتها على الإعالة.
على الرغم من عدم وجود إحصائيات محددة لعدد زيجات القاصرات، إلا أن مكتب تنسيق الأمم المتحدة في اليمن (أوتشا) ذكر في مايو 2019 أن زواج الفتيات دون سن 18 عاما ارتفع نحو ثلاثة أضعاف بين عامي 2017-2018م.
وتشير الإحصائيات قبل الحرب أن نسبة التحاق الفتيات في المرحلة التعليمية الابتدائية بلغت 76% للعام 2008 بينما وصلت النسبة عند الذكور إلى 94%.
وكلما ارتفعنا في المستوى التعليمي نلاحظ تراجعا في عدد الإناث الملتحقات، ففي المرحلة الأساسية بلغت نسبة الإناث 42% في حين ارتفعت إلى 84% عند الذكور، أما في المرحلة الثانوية، فقد بلغت نسبة التحاق الإناث بالتعليم 23% مقابل 43% لدى الذكور، وبالنسبة للتعليم الجامعي تقدّر نسبة الفتيات 5 بالمئة مقارنة بـ 18%عند الذكور.
الظروف الاقتصادية التي فرضها استمرار القتال جعلت الكثير من الأسر غير قادرة على إلحاق أبناءها بالتعليم، حيث بلغ عدد الأطفال المنقطعين عن التعليم حوالى4 ملايين مقارنة بمليونين قبل الحرب، وبالمطلق فإن الغالبية العظمى من هذا العدد هي من الإناث وفي الجانب المجتمعي تصدرت المشهد، سلوكيات كانت تمارس على استحياء قبل الحرب، حيث أصبح مشاعا التدخل في أبسط خصوصيات النساء مثل لبسها ومنع تنقلها إلا بوجود محرم، وعدم السماح لها بارتياد الأماكن العامة وحتى الاستئجار في الفنادق، والحصول على جواز سفر إلا بحضور وموافقة الزوج أو الأب وأحيانا الإبن.
هذه العراقيل ضاعفت من القيود أمام النساء وخصوصا العاملات منهن، وبالمقابل زادت المضايقات في الشوارع والأماكن العامه بشكل مقيد وملفت، ويمكنني القول أن الأطراف المتنازعة لم تتفق على شيء كما اتفقت ضد المرأة، حيث باتت الأخيرة تدفع الثمن الباهض لاستمرار الصراع.