عبدالوهاب العمراني

عبدالوهاب العمراني

كاتب يمني سفير في وزارة الخارجية اليمنية

كل الكتابات
العام السابع لحرب التحالف في اليمن
الإثنين, 15 مارس, 2021 - 09:49 مساءً

بضعة أيام تفصلنا على الذكرى السنوية لإندلاع حرب التحالف في اليمن وها نحنُ على أعتاب العام السابع لهذا الدمار والحرب التي غدت بلا هدف ولا أفق وسط تردي الوضع الإنساني والدمار الشامل في أبشع صورة والذي لحق بالبلاد والعباد في صورة لم يسبق لها مثيل .
 
وعلى خلفية تدهور الحياة اليومية بكل تفاصيلها ليوميات الحرب وحالة من اليأس والقنوط لعامة الشعب عدم وجود أفق ورؤية لسلام مستدام وليس فقط لمجرد إنهاء هذه الحرب.
 
لا يُظهر النزاع في اليمن أي مؤشرات حقيقية على الإنحسار مع دخوله عامه السابع، ولا يزال المدنيون من جميع أنحاء البلاد والأجيال يتحملون وطأة الأعمال القتالية العسكرية والممارسات غير القانونية للجماعات المسلحة الحكومية وغير الحكومية على حد سواء، وتحديدا طرفي انقلاب صنعاء وعدن.
 
لم يحصل تغيير جوهري إيجابي في يوميات الحرب الدامية خلال سنوات الحرب باستثناء أن الحوثي تجذر، واستنساخ انقلاب آخر بمسمى الانتقالي والذي غدا ينخر الشرعية المرتهنة من داخلها لتكون الحلقة الأضعف بين الفاعلين .
 
وفي رصد تطورات المشهد العسكري والسياسي يمكن القول أن ثمة تغيرات حدثت وقد تفرز معطيات جديدة من شأنها أن تغير المشهد العام تماما.
 
ومن ضمن التغيرات الإقليمية والدولية إدارة أمريكية جديدة بأسلوب مختلف لإدارة الأزمات وخاصة علاقة واشنطن بإيران والسعودية وأدواتهما في اليمن باعتبار هاتين الدولتين فاعلتين في الشأن اليمني، فقد أذعنت الدول التي حاصرت قطر بإيعاز من الإدارة الأمريكية السابقة على مصالحة و ترميم البيت الخليجي بتوافق الرياض مع الدوحة ، وانعكس ذلك أيضا على عودة علاقات اليمن مع قطر..
أن تربط حلولها بقضية ملف النووي الإيراني وبهذا فهي تجعل مصير اليمن وثلاثين مليون في شأن إيراني لا علاقة لليمن به.
 
تجسدت التحولات المستجدة فيما يتعلق برؤية الإدارة الأمريكية للأزمة اليمنية في إلغاء آخر قرار لترامب بتصنيف ميلشيا الحوثي كحركة إرهابية والتي كانت لأيام قليلة ، ولم تكن بنية تجريم الحركة الحوثية بقدر كونها مناكفات لعرقلة الطريق لمن بعده وفي الجانب العسكري اللوجستي اشتدت المعارك في مأرب منذ أكثر من شهر ومؤخرا سخنت جبهة تعز وحجه ، ولم يحصد الحوثي سوى هزائم متلاحقة.
 
تزامن كل هذا مع قصف الحوثيون العمق السعودي بالطائرات المسيرة، والصورايخ البالستية، ولم يتوقفوا رغم المناشدات الأمريكية !
 
هذا التصعيد الخطير يؤكد بأن حركة التمرد الحوثية ليس لديها ما تخسره باعتبارها حركة عنف دينية مسلحة.
 
رافق هذا التصعيد حراك سياسي لم يسبق له مثيل وكأنه سباق طرفي الحرب في اليمن قبل مفاوضات مفترضة ومرتقبة في الأشهر القادمة
 الذي يخشىأانها حرب تحريك وليس تحرير فالجيش الوطني يتحرك بمرونة غير أبه بالضغوط والإملاء السعودي .
 
فلو قدر أن تستمر المعارك بهذا الزخم والثقة لبضعة أسابيع فربما تحدث تحولا كبيرا تجبر الحوثي ان يجنح للسلام .
 
قبل ستة سنوات وفي مثل هذه الأيام بداء مسلسل خراب اليمن إنساناً وعمران . بخلاف الأهداف المُعلنة وقتها التي كانت شعار ومسوغ التدخل ، ولكن واقع الحال أن التحالف بدلا من إعادة الشرعية قد استحدث واستنسخ انقلاب آخر في عدن وشغل الدولة في مسألة التفرغ لتحرير صنعاء.
 
وبدلا طي صفحة الانقلاب تجذر الحوثي وتم “حوثنة الدولة” في كل مفاصلها الجيش والأمن والقضاء والتربية والإعلام وحتى الأوقاف ..
 
عانى اليمنيون الأمرين من حالة الفلتان والتيه  للتحالف والحكومة الشرعية على السواء إلى جانب الأحزاب والميلشيات اليمنية وكأنه يٌراد لهذا الشعب المنكوب الوصول لحالة من اليأس والإحباط للقبول بأي حل لمجرد وقف الحرب ولسان حال اليمنيين ووفقا لمسوغات واقع الحال فأن مجرد وقف الحرب بأي شكل وحتى وإن كان ترحيل لصراع قادم لا محالة فيعتبر بحد ذاته نصراً فقد غدت حرب بلا هدف وبلا أفق وبدون وضوح .
 
كل عام وفي مثل هذا اليوم يقف الضمير اليمني والذاكرة الجمعية لليمنيين موقف تأمل وجرد حساب لما آلت إليه الأوضاع جراء تدخل التحالف بسبب ما قام به الحوثي بسياسة الغلبة وفي غفلة من الزمن وبتواطئ الدولة العميقة للرئيس السابق والتي من ضمنها هادي نفسه فكان السقوط المدوي.
 
وعلى خلفية تقييم مألات الحرب العبثية في مثل هذا الأيام من كل عام  فمن ضمن التحولات الإقليمية هي مصالحة خليجية بين قطر وخصومها والتي انعكست سلبا على الشأن اليمني .
 
ومؤخرا غزل تركي خليجي بل وحتى مع مصر ويبدو أن حقبة من الإنفراج فرضه واقع هذه البلدان.
 
اللافت أن خروج قطر من التحالف كان بجرة قلم وفي الحقيقة انضمامها وخروجها ليس قرار يمني فهي استبعدت وتم إخراجها على خلفية الخلافات مع دولتي التحالف ، بدليل أن الشرعية تقف اليوم أمام عبث الإمارات مكتوفة الأيدي وهي التي فعلت الأفاعيل.
 
اما محليا فهناك تطورات سوى مناطق التي توصف بأنها محررة وهي محرمه على الشرعية والرئيس نفسه بحيث لم يطبق اتفاق الرياض إلا برؤية الانتقالي ولا زال المشهد غامض ومرتبك وقد تنفجر الأوضاع في أي لحضه لأن مسوغات واقع الحال تسير عكس مضمون الإتفاق الذي قد عدل وشذب أكثر من مره ومع ذلك عدم تنفيذ الشق الأمني والعسكري وتقديم السياسي هو محاكاة لإتفاق السلم والشراكة غداة سقوط صنعاء بيد الحوثي
 
أما التطورات العسكرية فقد حلت ذكرى بداية عاصفة العجز والمعارك في مأرب على أشدها لبضعة أسابيع دون تحقيق اختراق فالحركة الحوثية بعد سيطرتها على الجوف العام الماضي غدت تعول على مارب التي تعد مصدر للغاز والنفط .
 
وقد وصل الأمر في تعامل التحالف لحلفائهم بطريقة أسوأ من العدو المفترض نظرياً ، تجسد ذلك في سلوكيات التحالف على الأرض و ليس فقد خذلان الشرعية عسكريا وسياسياً بل تجاوز ذلك بما عرف بالنيران الصديقة راح ضحيتها آلاف العسكريين والمدنيين خلال الستة سنوات ، وبعضها وجبات جماعية بقصف أكثر من ثلاثمائة جندي من قبل طيران الإمارات.
 
لست من عشاق جلد الذات ولكن الذاكرة الجمعية لليمنيين في سياق رصد تاريخ اليمن الحديث يستنتج بأن مئة عام من الزحف على الرمال المتحركة ونعيش وهم قيم افتراضية ليس إلا !
 
من يقراء التاريخ سيدرك بأن أمم صعدت ونهضت من ركام الحروب .. في حال اعتمدت تلك الدول المنكوبة بجهد مواطنيها حرصت على سيادة القرار واحترمت مواطنيها ..
 
قرن من الزمن من اجل حلم تأسيس دوله مدنية ” المفترضة ” كانت كفيلة بتشكيل رؤية جمعية للتعايش فنحن اليوم بحاجة لصياغة رؤية ووعي جديدين تجاه إشكالية الاستقرار السياسي ومفهوم الدولة ، لأن الرؤية السائدة في اليمن وسواها لم تحقق الاستقرار بل على العكس تماماً ، إذا ان أي خطر داخلي او حتى خارجي حقيقي هو نتيجة تفاعلات مراحل من الفساد والظلم والفوضى وقد كشفت وهْم الاستقرار الذي كانت تعيشه اليمن وغيرها من الدول التي عصفت بها رياح الربيع العربي.
 
أخطاء وتراكم الفساد وسوء الإدارة والتخطيط عموماً لحقب سابقة أفرزت ما نحن فيه اليوم ، ومن منطلق ما بني على باطل فهو باطل فالمبادرة الخليجية التي منحت حصانة للرئيس السابق يحلم بها أي حاكم عربي استمر في ترأسه الحزب السئ السمعة بعد خروجه الشكلي من السلطة فحقيقة لم يسلم سلفه سوى خرقة ثلاثية الألوان في حفل كرنفالي بهيج وتفرغ للتنكيل بالفترة الانتقالية من اليوم التالي بذريعة ترأسه للمؤتمر وكأنه حزب المؤتمر صانع المعجزات ، وانتهت سلطته الفعلية بتسليم الدولة لحفنة من الميلشيا على طبق من ذهب للحركة الحوثية بتواطئ الدولة العميقة التي من ضمنها هادي وبمباركة الإقليم عربا قبل ان يكونوا عجم ، فدور إيران لم يتنامى إلا بعد سقوط صنعاء.
 
في مشهد سريالي ورؤية بانورامية لإفرازات يوميات هذه الحرب وفي ذكراها يبدوا ان ضحايا الحرب من اليمنيين المدنيين يتقارب مع العسكريين سواء كان من قبل التحالف او انقلابي صنعاء وعدن .
 
أكثر من ربع مليون قتيل ، ونحو ثلاثة ملايين مهجر داخل اليمن ثلثهم أي نحو مليون من تهامة والحديدة تحديداً وآلاف المختطفين والأسرى والجرحى وكثير منهم جراء الألغام التي زرعتها ميلشيا الحوثي.
 
ونحو مليونين مهجر خارج اليمن فقط خلال الخمس سنوات دون احتساب المهاجرين  في السنوات التي سبقت الحرب .
 
أعداد هائلة من المرضى مع ان الوضع الصحي قبل الحرب وقبل اندلاع ثورة فبراير 2011 كان في أسوا حالاته إلا انه زاد سواءً خلال الحرب .
 
ووفق منظمة الصحة العالمية فقد انتشرت الأمراض بشكل مخيف في وضع صحي متهالك وضعيف أصلا قبل هذه الحرب.
 
 لم يكن الرئيس المخلوع يهتم بالتنمية من صحة وتعليم بل ركز على الجانب العسكري والذي انتهى بسيطرة حليفه ميشليشا الحوثي وتدمير التحالف لهذا الجيش والعتاد إلى جانب ضحايا الحرب من اليمنيين .
 
وخلال عامي  2019 و2020 فقط وعلى سبيل المثال انتشرت أوبئة وأمراض جديدة فاقمت من معاناة اليمنيين، في ظل استمرار تردي الحالة الاقتصادية وارتفاع معدل الانتهاكات، ولا سيما في المدن الجنوبية أخيرا.
 
تسببت هذه الحرب في أضعاف السيادة اليمنية بتدخل التحالف الفج في تفاصيل الحرب وارتهن القرار اليمني الذي كان مسلوب الإرادة أصلا في حقبة الرئيس السابق ولكن حاليا بصورة مفرطة مفضوحة ، سواء للحكومة الشرعية او طرفي الانقلاب في صنعاء وعدن.
 
ويحاول التحالف ان تنتهي الحرب باتفاق سلام هش وربما ان دول الجوار اليمني وتحديدا السعودية على استعداد للتعايش مع الحوثي مفضلة ذلك على قوى يمنية حلمت بالتغيير وقادة ثورة 11 فبراير.
 
بالطبع هكذا سيناريو محتمل في حال ابرم اتفاق بعد سلسلة مفاوضات وتفاهمات سعودية حوثية قد تتعهد آنذاك ما تسمى بسلطة ” الأمر الواقع ” في صنعاء  بالتخلص من الأسلحة الإستراتيجية التي تهدد الداخل السعودي وتأمين الحدود بضمانات الأمم المتحدة ربما ودولا كبرى وهي التي تماهت مع تمدد الحوثي نكاية بالسعودية لاستغلالها . وهذه الدول الكبرى في مقياس العلاقات الدولية نظريا حليفه للرياض !
وبالمقابل الاعتراف بالحوثي ، سيكون ذلك للأسف أهون للسعودية من إسناد الشرعية  التي وثقت بالتحالف ولمصلحة السعودية نفسها ، ولكن كما قال خامئني بأن من حسن حظ إيران خصومها أغبياء !
 
في حال انتهت الحرب خلال العام المقبل وهو مستبعد لا يعني إحلال السلام لكن حرب ستلد أخرى طالما قد تجذر الانقلابين ..
 
خلاصة المشهد اليمني منذ أكثر من ست سنوات يتمحور في التالي : كل هذا الدمار لنحو ست سنوات وتماهي ميلشيا الحوثي مع الانقلاب المُستسنْخ لإسناد الأول وبدعم التحالف نفسه الذي دمر اليمن على مدار الساعة في كل سنوات الحرب من اجل تقسم اليمن في أفضل الأحوال والا فالهدف شرذمة اليمن إلى كانتونات متناحرة اغلبها تحت عباية آل سعود تماما كما يحدث في العراق كتل شيعية متناحرة وكلها تحت مظلة آية الله
وبداهة فأن الهدف الرئيسي من اتفاق الرياض والمراوغة في تنفيذه ولاسيما في جزئية الشق العسكري يدخل في هذا السياق خلق فوضى ثم التوهان في إيجاد حلول والخروج عن الهدف الرئيسي الذي تدخل التحالف من اجله ..والمطلوب من الشرعية المرتهنة شرعنته.
 عبقرية المكان ولعنة الزمان أسفرت عن تواطئ عدوان الداخل بطموحات وعدوان الإقليم
، المخرج واحد عرب قبل العجم وبتواطئ يمني ، وإجمالاً فأن النكبة الكبرى التي حلت باليمن هي ركونهم على التحالف والعرب اشد كفرا ونفاقاً.
 

التعليقات