السلام في اليمن بين المأمول والواقع
الأحد, 28 مارس, 2021 - 01:20 صباحاً

الحرب في اليمن سرطان يوشك أن يتسع ليشمل دول الجوار وقد يأتي بالأخضر واليابس إذا تمكنت إيران في المنطقة بعد اتفاقها النووي مع أمريكا، يعطيها الآمن ويعطيها مزيداً من النفوذ عبر مليشياتها المنتشرة، ومنها اليمن الذي اضحى اللعب فيه على المكشوف.
 
فقد بددت تصريحات القيادي في مليشيا الحوثي ضيف الله رسام كل شكوكنا حول علاقة الانتقالي بالحوثي والذي قال فيها :"بأن هناك تنسيق وتواصل بين مليشيا الحوثي ومليشيا الانتقالي المدعومة إماراتياً"، ليس ذلك فحسب، بل أن الانتقالي يوفيهم بكل التحركات التي تحدث في المناطق الجنوبية وأنهم على توافق تام بالقبائل المنضوية تحت رايته.
 
وفي الجانب الآخر جاءت تصريحات القيادة في مليشيا الانتقالي قبله بسنوات عدّة تظهر العلاقة الغير معلنة بينهم، جاء ذلك على لسان عيدروس الزبيدي أكثر من مرة أثناء تعينه محافظاً لعدن من قبل الرئيس هادي، فنزعته الانفصالية كانت واضحة جداً وأنها كانت مؤشراً لعلاقة غير معلنة مع إيران، إلا أن تصريح رسام هو الذي اسقط ورقة التوت وأظهر عوارهم جلياً.
 
واللافت للعيان هو دور الإمارات المزدوج، تتصرف بعكس ما تصرح، هي من خلطت الأوراق وأطالت مدى الحرب، رغم أنها انضمت إلى التحالف من أجل ازاحة مليشيا الحوثي الذي انقلب على الشرعية، كما زعمت ولا زالت تزعم تدليساً.
 
إذن فما الهدف من كل هذه الحروب المصطنعة التي مزقت اليمن ودمرت بنيته التحتية وشردت شعبه في البراري. أم هي تهيئة اليمن وجعله تربة خصبة للأطماع الدولية لزرع خططهم الأكثر خطورة للمنطقة جلها، وخصوصا أن من أرخى العنان وغض الطرف عن تطاولات مليشيا الحوثي على الشرعية، هو من يقود الولايات المتحدة حالياً، ليس ذلك فحسب بل هو من ازالها عن قائمة الارهاب بحجة تسهيل المساعدات الإنسانية، وكأن اليمن كان مترفاً بالمساعدات قبل أن يتم تصنيف الحوثي ضمن لائحة الإرهاب.
 
تصريح أنور عشقي الخبير العسكري السعودي ازال اللثام عن هذه المؤامرة، حينما ذكر أن هناك دولة خليجية عملت مع أمريكا لتمهيد الطريق لمليشيا الحوثي للتسلط والانقلاب على الحكم، ذكر ذلك أثناء لقاءه في قناة روسيا اليوم. كان تصريحاً واضحاً أن هناك لعبة استهدفت فيها اليمن ضمن خطة أعمق من الحرب المفتعلة العبثية، التي كبدت دول المنطقة خسائر فادحة بالكاد تبرأ منها لسنوات، كما أن هذه الحرب كانت في الأساس هو تشتيت حكومة هادي عن مضيها في اتفاقها مع الصين، التي أبرمت اتفاقاً مع الشرعية للنهوض باليمن ضمن استثمار مشترك كانت كفيلة لانعاشه اقتصادية ورأب العطب الذي أحدثته دولة الإمارات في موانئه.
 
ولا شك أن التنظيم الصهيوني العالمي يعدّ النظام السني تهديدا لمصالحه، وأنه النظام الوحيد الذي لا يمكن السيطرة عليه لِما يحمل من قيم انسانية ربانية تحول بينه وبين أهدافه الشريرة، وخصوصاً  أن الرئيس بايدن صرح أثناء الانتخابات الرئاسية أن إسرائيل هي هدف رئيس في منطقة الشرق الأوسط وإن لم توجد لأوجد إسرائيل أخرى خدمة لأهداف الصهيونية العالمية. وهذا الذي يجعله حريصا دائماً على بسط نفوذ النظام الشيعي الذي يتماهى مع أهدافه على حساب النظام السني، وما سعيه في ابرام اتفاق مع إيران إلا لجعلها تتفرغ لزعزعت أمن المناطق السنية.
 
أما أنظمتنا السنية المصونة والتي تدار بالبركة هي مستهدفة لا محال وهي كما يقال؛ "لك الله ياغافل".
 
والغريب في الأمر أن مليشيا الحوثي أصبحت أكثر شراسة من ذي قبل، بدلا من أن تتوقف شكراً وعرفاناً مقابل إزالتها من قائمة الإرهاب، أصبحت تدار مباشرة من إيران عبر قائدها العسكري المتخفي تحت عباءة سفير، ولم تتجرأ على ذلك إلا لأنها أخذت الضوء الأخضر من الصهيونية لادخال المنطقة في آتون الفوضى، التي تبدو للعيان أنها عملية سلام في ظاهرها. يريدون اليمن عراقاً آخراً تكون الغلبة فيه للشيعة، يعيش تحت صفيح ساخن لا تهدأ ناره، وتكون خنجراً مغروساً في خاصرة المنطقة يمزق أواصرها وقاعدة تنطلق منه تنفيذاً لخططهم الخبيثة والخطيرة.
 
بيد أن مشكلتنا هي في قِصر تفكير أنظمتنا التي أصبحت لا تستطيع أن تدرك الخطط على المدى البعيد، لانشغالها بمشاكل آنية أتخمتها بها الصهيونية، وأعمتها عن خططها الخبيثة، ولا سيما خطة الهالك برنارد لويس المستشار في البيت الأبيض ذو العرق اليهودي، خطة لتصحيح أخطاء سايكس بيكو كما يزعم، لجعل المنطقة أكثر تفتيتا متناهية الصغر، تختفي فيها دولاً وحضارات. فقد جاء في أحد بنود هذه الخطة عام 1982م، ضم اليمن بشقيها إلى دويلة الحجاز، مما يعني ذلك نزير شؤوم لتقسيم جزيرة العرب بأكملها إلى دويلات متناهية الصغر أكثر مما هي عليه حالياً.
 
والأكثر انحطاطاً انبطاح بعض الأنظمة العربية التي بدأت تلعب على المكشوف مع الكيان المحتل، تنفذ أجندته بالحرف وتختصر عليه مشوار سنوات دون عناء ولا تكلفة. حتى جُعل اليمن تحت طائلة نفوذه بعد أن أعدّ سقطرى قاعدة عسكرية له. فاكتملت فيها حلقته التدميرية التي ستأكل الأخضر واليابس، وهذا الذي جعل رئيس الكيان المغتصب نتنياهو يصرح تبجحاً "أنه سيفتح طريقاً مباشراً من القدس إلى مكة"، دون توجل ولا خشية.
 
خلاصة القول، هل هناك من حلٍ سلمي يتم طرح كل تناقضاته على طاولة الحوار، و ومناقشته بشفافية وشجاعة، بعيداً عن الدخلات الخارجية وأطماعها، ويكون يمنياً يمنياً، يُستخدم فيه الحكمة ورجاحة العقل، ويتم فيه خشية الله في العباد والبلاد، التي أحرقتها أطماعهم الشخصية، أما ستغدو عراقاً أخر، ننتظر لنرى وإن غداً لناظره قريب.
 
 

التعليقات