جمهورية الساحل.. تموضع سياسي مستديم بشعارات التحرير الشامل
الاربعاء, 26 فبراير, 2025 - 07:21 مساءً

بمكتب سياسي وقناة إعلامية، وقوات مدرّبة ومدعومة إماراتيا، تحثّ جمهورية الساحل الغربي، التابعة للعميد طارق محمد عبد الله صالح، الخطى لتأسيس كيان سياسي مستديم منذ إعلان إعادة التموضع الشهيرة لقواته نهاية العام 2021.
 
خلع طارق صالح بزته العسكرية، وارتدى ملبس السياسة، متموضعا في بقعة جغرافية غاية في الأهمية والإستراتيجية، حيث القرب من أهم المضائق العالمية، وميناء المخا، أقدم الموانئ على مستوى شبه الجزيرة العربية.
 
طارق، الذي أفلت من قبضة الحوثيين في صنعاء بشكل مثير للتساؤلات، ظهر في شبوة بعد أيام من مقتل عمه، وكأنه غير معني بالمعركة التي تجمع اليمنيين، ولا مهتم أيضا بالثأر لدمائه.
 
لكن في وقت لاحق، سعت الإمارات إلى العناية به وتوجيهه، إذ تلقت قواته دورات تدريبية مكثفة في معسكر منطقة "بئر أحمد" بعدن.
 
في 19 أبريل 2018، تقدّمت قواته، بمشاركة "ألوية العمالقة" و"قوات المقاومة التهامية"، في عملية عسكرية مدعومة جويا من الطيران الإماراتي للسيطرة على منطقة المخا ومنطقة باب المندب، وعلى مناطق واسعة في الساحل الغربي ومحافظة الحديدة، وعُرفت هذه القوات بالعديد من المسميات، ومنها "القوات المشتركة"، و"حراس الجمهورية"، وقوات "المقاومة الوطنية"، وقوات "العمالقة".
 
أخيرا، أضحت قواته، تحمل هذه التسمية "المقاومة الوطنية، رغم ما فيها من تعريض ببقية القوات، أو بالأصح ذابت كل التكوينات العسكرية تحت إمارته بدعم وسخاء المال الإماراتي.
 
غابت كل القوات التي شاركته المعركة الحقيقية في الساحل، ورأت نفسها مغبونة، رغم ما حققته من انتصارات لافتة ضد الحوثيين.
 
في 25 مارس 2021، أعلنت قواته إشهار مكتب سياسي برئاسته، وأكدت أنها تسعى لتكاتف القوى والتنسيق بين مختلف مكوِّناتها السياسية لخدمة "معركة التحرير الشامل".
 
وفي مطلع نوفمبر 2021، فوجئ القادة العسكريون بأوامر الانسحاب من مواقعهم في الساحل الغربي، بدون سابق إنذار، أو تحذير.
 
أثارت هذه العملية، التي سُميت لا حقا بـ"إعادة التموضع"، صدمة للجنود والمواطنين والمتابعين الذين كانوا ينتظرون وعود "التحرير الشامل"، التي قطعها طارق صالح في غالب تصريحاته.
 
وجد الجنود أنفسهم فجأة أمام حالة فوضى وارتباك، بعد 3 سنوات من القتال الشرس حول محيط مدينة الحديدة، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى ووقوع آخرين في أسر مليشيا الحوثي؛ بسبب عدم تلقيهم أوامر الانسحاب.
 
بررت قوات طارق العملية بأنها جاءت وفقا لاتفاق ستوكهولم، مؤكدة أنها ستعيد ترتيب صفوفها، وبدء معارك القتال ضد الحوثيين.
 
علاوة على ذلك، أوحت بعض الكتابات القريبة من معسكر طارق بأن العملية تمضي في الاتجاه الصحيح، ونحو تصعيد المعركة الشاملة، والتوجّه نحو محافظة إب، ومن ثم إلى العاصمة صنعاء.
 
- مؤامرة كبيرة
 
في الأثناء، صدرت تصريحات متمرِّدة على هذه الرواية، واعتبرت ما جرى مؤامرة كبيرة، بعد أن شاهدت بأمِّ أعينها تسليم مُدن وبلدات الساحل الغربي، وأكدت أن إعادة التموضع كذب صريح وتغرير بالمقاتلين.
 
أعاد ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي التذكير بكمية وفيرة من السخرية لأنصار نظام صالح من قيادات الجيش الوطني، واتهامها بالفساد وخيانة المعركة الوطنية ضد الحوثيين.
 
كثيرا ما أنكر هؤلاء عدَّة حقائق؛ منها غدر مقاتلات التحالف بقيادات الجيش الوطني، تحت مسمى "الغارات الخاطئة"، رغم الوقائع الماثلة والقصف الذي طال كثيرا من القيادات المعروفة.
 
يتساءل الآن الكثير عن مهام قوات الساحل الغربي، ودورها في تحرير البلاد من الكهنوت؛ باعتبارها قوات مدعومة ببذخ المال والسلاح والتدريب من الخارج.
 
رغم الفارق المهول، رواتب الجيش الوطني تعد الأقل قيمة، وبل وتظل منقطعة لأشهر، فيما أفراد الجيش مرابطون في الجبهات، ويتعرّضون للقتل والتشويه.
 
وفي حين تتبع هذه القوات القيادة الشرعية الممثلة بوزارة الدِّفاع، تعد التكوينات العسكرية التابعة لطارق ممولة بسخاء من الإمارات، وبكل تأكيد عقيدتها العسكرية وولاؤها سيكونان للمموِّل الخارجي.
 
في أكثر من مناسبة، لا يملُّ العميد طارق من تكرار دعوته وتكريس جهوده، وحتى مشاريع تنموية، إلى ما يعده "الاصطفاف الوطني" لتوحيد المعركة الكبرى ضد مليشيا الحوثيين.
 
لكن، يبدو أن هذه الخطى تمضي على نهج عمِّه علي عبد الله صالح، حيث الاستقطابات السياسية والإعلامية لبناء نفوذ مجد العائلة الشخصي.
 
في هذا السياق إعلاميا، شرعت مؤخرا قناة الجمهورية، التابعة له، في استقطاب كوادر إعلامية من توجّهات مختلفة وشخصيات فنية صاحبة حضور جماهيري مثير للجدل.
 
هذه الأيام، يتحدَّث أنصاره بفخر عن الخارطة البرامجية الرّمضانية بعد أن ضمَّت كثيرا من المسلسلات والممثلين والإعلاميين من تكوينات سياسية مختلفة.
 
وأعلنت القناة عن انضمام الفنانين "محمد الأضرعي" و"محمد الحاوري" إلى خريطتها البرامجية، في خطوة جديدة، يقول أنصاره وأشياعه إنها تحمل دلالات كثيرة.
 
جاء انضمام الأضرعي إلى برنامج "كش ملك" بعد سنوات من تقديمه برنامج "غاغة" على قناة "سهيل"، التابعة لحزب الإصلاح.
 
وإلى جانب ممثلين آخرين، سيقدِّم الفنان محمد الحاوري برنامجا ساخرا ضد المليشيا الحوثية، وهما من ظلا لسنوات يكرِّسان أعمالهما الكوميدية لمناهضة المليشيا وصالح وأسرته أيضا.
 
وفي ديسمبر الماضي، كان المكتب السياسي التابع له قد أقام احتفالية لإحياء ذكرى مقتل صالح ورفيقه الزُّوكا، وشارك في الاحتفال، بشكل لافت ومثير لردود الفعل، القائم بأعمال الأمين العام لحزب الإصلاح، عبدالرزاق الهجري، وشخصيات سياسية من أطياف حزبية مختلفة.
 
من حيث المبدأ، لا يبدو أن أحدا من اليمنيين يرفض فكرة "الاصطفاف الوطني" ضد مليشيا كهنوتية عبثت بحياتهم على مدى عشر سنوات ما لم تفعله عقود من الزّمن.
 
رغم أن هذا العبث هو نتاج طبيعي للتحالف الشرير، الذي قاده نظام صالح وقوات طارق نفسها مع هذه المليشيا.
وفي تقدير كثير من المراقبين، الظروف ناضجة جدا للاصطفاف في وجه المليشيا الحوثية، التي أصبحت منبوذة شعبيا.
 
لكن في المقابل، لا أحد يمكن أن تنطلي عليه مزيد من الشعارات السياسية، إذا ظلت تأتي من طرف لا يزال مرتهنا إلى دولة ذات أطماع وأدوار تخريبية في جغرافيا البلد، ويتموضع في "دكان سياسي" جديد بشعارات وأوهام "التحرير الشامل".
 
- نقلا عن موقع قناة بلقيس
 

التعليقات