التحولات الجديدة، التي تعيشها السعودية، تكاد تدفع كثيرا من النُّخب اليمنية إلى الوقوع في حالة استلاب شامل، بما في ذلك مديح وإطراء متزلّف بشأن سياستها في اليمن.
لا أحد يستطيع تجاهل التحوُّلات الكُبرى داخل المملكة منذ فترة تولِّي محمد بن سلمان الحُكم خلال العام 2017.
ومن الواضح أن الخطوات التي قطعها بن سلمان، خلال فترة وجيزة، كان أعمامه بحاجة إلى عقود من الزَّمن لتجاوزها.
كانت حركتهم في أية عملية تغيير تبدو بطيئة جدًا، وتشبه طريقة مشيتهم المتثاقلة والمترهِّلة.
مع أن جزءًا كبيرًا من مظاهر الانفتاح موجهٌ للغرب وليس معبرًا عن روح المجتمع السعودي المُحافظ، لكن كثيرًا منهم لا يجرأون على النَّقد خلال هذه المرحلة، خاصة بعد حادثة فندق "الريلز" الشهيرة.
هناك مظاهر شاذة تسجِّلها وسائط التواصل الاجتماعي بين حين وآخر، ولا تعبِّر عن الصورة التي يتمنَّاها السعوديون.
مواسم الرياض، والأعياد الوطنية، مناسبات مليئة بالحركات والرقصات الأكثر ليونة و"ميوعة"، وبأعلام الشِّعار الخالد [لا إله إلا الله محمد رسول الله].
كثير من الشباب والشابات يعبِّرون عن الانفتاح بطريقتهم الخاصة، وضمن توجّه التيّار الجديد المُسيطر على الأوضاع.
في المقابل، من المؤكَّد أن مظاهر كهذه تتفاعل كبُركَان في خيالات السعوديين المُحافظين، الذين يشعرون بالأسى ويعيشون مرحلة خضوع مُطلق الآن، ولا يتجاسرون على الاعتراض.
لا ننسى أن هناك طائفة من المُصلحين والدُّعاة الحقيقيين لا زالوا أيضا في ظلام السجون.
كل ذلك، يبدو على حسناته وعِلاته، شأنًا سعوديًا خالصًا، ونستغرب أن يُسقِط البعض ما يحدث هناك على سياسة المملكة في اليمن، أو يحاول تبرئتها مما يجري.
لا نختلف على أنَّ المملكة وضعت تلالًا من الأزمات في وجه البلاد، وصنعت مليشيا كأداة ابتزاز لها وللمنطقة، فلننظر إلى الأحداث الأخيرة التي أصبحت مليشيا الحوثي ظاهرة عالمية تهدد الملاحة الدَّولية.
لن يكون الحوثيون يومًا ما بعيدين عن إيران، أو محور الشر والفوضى في المنطقة، ولا أقرب إلى السعودية، وإن حدث ذلك فهو "حالة طارئة".
لولا الأحداث الأخيرة المتعلِّقة بتحرُر سوريا من نظام بشار الأسد، لكانت مشاريع تقسيم السعودية أقرَب من أي وقت مَضى.
في ملف اليمن، تعاملت السعودية معنا بحقارة بالِغة، ولا يوجد ذرةُ شكٍ بأنّها أغرقت البلدَ في الفوضى.
فضلًا عن دعم وصول الحوثيين إلى صنعاء، أو التواطؤ معهم، أوهمت جموع اليمنيين وغالبية نُخب البلاد بأنها تدخَّلت عسكريًا من أجل استعادة الشرعية إلى صنعاء.
وخلال سنوات الحرب المدمِّرة، التي لم تَطَل أيًا من قيادات الحوثيين، أو تُحِد من قدراتهم العسكرية، أزدهرت المليشيات المسلَّحة في المناطق المُحررة برعايتها ودعمها.
لا حقًا، وحتى الآن، أخذت المملكة بالانسحاب التدريجي من الملف، وألقت باللائمة على قيادة الشرعية، وأوعزت لكتبتها بقذفهم بشتَّى التُّهم.
مع أنَّه لا يمكن تبرئة هؤلاء القادة، الذين هم صنيعتها أساسًا، من الفشل والفساد، لكن يجوز اعتبار جزء كبير من هذا الوضع المُحبط بسبب إطالة أمد المعركة، وتنشئة فاسدين على هوامش المعركة الوطنية.
كما أن القادة الحقيقيين جرى تنحيتهم عن ميدان المعركة، أو تم استهدافهم بغارات خاطئة.
الحقيقة هي أنَّه ليس هناك منطق في حالة الاستلاب والنَّظرة المأخوذة بالدَّهشة لما يجري داخل السعودية سوى أنها تنسحب على شكل رؤى ووجهات نظر لتلميع سياساتها في البلاد بدافع الكيد وفساد الشرعية.
هذه ليست شرعيّتنا أصلًا، هذه نُخب العَار المتطلِّعة لما عندهم من أموال.
الشرعية الحقيقية لليمنيين هي تلك التي لا تزال في الجبهات؛ تدافع عن الوطن بما أوتيت من قوّة عقيدة وطنية، وفتات المال.