انتظار اللجوء.. قلق بلا نهاية بين الأمل والخوف
الجمعة, 28 مارس, 2025 - 02:45 مساءً

تُعتبر مرحلة انتظار أوراق اللجوء من أصعب المحطات التي يمر بها طالب اللجوء، فهي فترة تمتزج فيها مشاعر القلق والتوتر بعدم اليقين، مما يخلق حالة من الشتات الذهني والنفسي والعقلي. يعيش في ترقب دائم، يراقب مصيره المجهول بحذر بينما تراوده مخاوف الرفض والترحيل والضياع من جديد.
 
يزداد الأمر سوءا حين يرى من حوله يواجهون الرفض، بعضهم يلجأ للاستئناف، والبعض الآخر يجد نفسه مضطرا للمغادرة. في مثل هذه الأجواء المشحونة، يصبح انتظار القرار أشبه بعقوبة نفسية قاسية، حيث يُستنزف بين الأمل والخوف.
 
في كل صباح، ينظر طالب اللجوء حوله، يرى الناس يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، يذهبون إلى أعمالهم، إلى مدارسهم ، يخططون للمستقبل ، بينما هو عالق في دوامة من التساؤلات التي لا تنتهي: متى ستنتهي هذه المعاناة؟ متى سأصبح مثل هؤلاء الناس الذين يعيشون حياتهم بكل سهولة ويسر؟ متى سنتهي هذه القصة؟ متى سينتهي كابوس اللجوء والرفض والترحيل؟ أسئلة تتكرر بلا إجابة واضحة تزيد من شعوره بالعجز والضعف.
 
 وفي أوقات كثيرة يتساءل في نفسه: ما الذي فعلته لأستحق كل هذا الهم والضيق والتعب؟ لماذا عليّ أن أعيش كل هذا الخوف والقلق والتوتر؟
 
يختلف وقت الانتظار من شخص لآخر، فبينما يحصل البعض على الرد في وقت لا بأس به، يعيش آخرون لفترات طويلة في انتظار جواب قد يكون رفضًا قاسيا، أو قبولا ينهي معاناتهم.
 
وفي هذه المرحلة، تصبح أبسط الأمور ذات دلالات كبيرة، فمثلاً، تكتسب سيارة البريد قدسية خاصة في أوساط اللاجئين، حيث تصبح رمزا للأمل والخوف في آن واحد.
 
 في الوقت المعتاد لوصولها، يتحول المكان إلى مسرح للترقب، الجميع يراقب خطوات ساعي البريد، يحاول قراءة تعابير وجهه، يترقب اللحظة التي يفتح فيها باب السيارة الخلفي، يبحث في عينيه عن أي مؤشر لما قد يحمله لهم، يا لها من لحظات يصعب وصفها الا من عاشها.
 
عندما تصل الرسائل يضطرب الجميع، البعض يتجمد في مكانه، البعض الآخر يمد يده بتوتر لالتقاط الظرف الذي قد يحمل مصيره. هناك من يفتح الرسالة ويدخل في حالة من الصمت المطبق وهناك من يصرخ فرحا، محتفلا بقبول طلبه، ليصبح مركز التهاني والتبريكات من كل من حوله.
 
 إنها لحظة نادرة من السعادة، لحظة انتصار على المعاناة والتعب والسهر والقلق والتوتر، لحظة يتحقق فيها الحلم بعد انتظار مرير. أما من يحصل على الرفض، فتكون لحظته على العكس تمامًا، حيث ينهار عالمه في ثوانٍ معدودة، ويبدأ معركة جديدة من الألم والاستئناف والمحاولة مجددا.
 
إن رحلة اللجوء ليست مجرد انتقال من بلد إلى آخر كما يعتقده البعض مثل صديقي حسين القلعي (سعود)، بل هي اختبار قاسٍ للصبر والقدرة على التحمل. إنها تجربة تترك أثرا عميقا في النفس، وتعيد تشكيل الإنسان من الداخل، بين خيبات الأمل والانتصارات الصغيرة التي قد تغير مجرى حياته بالكامل.
 
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت أوربا أكثر تشددًا في سياسات اللجوء حيث باتت الإجراءات أكثر تعقيدًا، مما جعل رحلة البحث عن الأمان محفوفة بالعراقيل. لم يعد الطريق ممهدا كما كان في السابق، بل أصبح اللاجئون يواجهون قوانين أكثر صرامة وحدودًا أشد انغلاقًا.
 
هذه التغيرات لم تؤثر فقط على من يسعون إلى اللجوء اليوم، بل جعلت من تجربة اللجوء نفسها أكثر صعوبة، وكأن الأبواب التي فُتحت يومًا ما باتت تُغلق تدريجيًا، تاركة الكثيرين في حالة من الترقب والانتظار، وربما اليأس.
 

التعليقات