مخاضة البحر الأسود
السبت, 28 نوفمبر, 2015 - 12:14 مساءً

بين روسيا القيصرية وتركيا العثمانية ذاكرة مثقلة بحمولة التاريخ الصراعي القديم والحديث رغم التقدم في مسار العلاقات الاقتصادية التي بلغت ذروتها في العقود الأخيرة.
 
إن حديث "بوتين" عن "تركيا الإسلامية" يعد دلالة واضحة على هاجس مقلق لدى الروس، له بواعثه القديمة المتجددة ؛ حيث تمظهر أخيرا من خلال التحرش بالدولة التركية واختراق مجالها الجوي، واستهداف التركمان شمال سوريا ، وترجم على لسان "القيصر الجديد" من خلال اتهام تركيا بممارسة الإرهاب وسيل من الألفاض الاستفزازية والتصعيدية التي جرت على لسانه ولسان القادة الروس بمنتهى الصفاقة والوضوح ، بما يعكس النية المبيته لاستهداف تركيا نتيجة للأسباب التقليدية المعروفة بين القوى المتنافسة والمخاوف من سرعة نمو إمبراطورية الأناضول إلى الجنوب من مخاضة البحر الأسود الذي أحكمت روسيا إغلاقه شمالا بانتزاع شبه جزيرة القرم من أوكرانيا والذي قوى من موقف روسيا الاتحادية داخليا باتجاه اتخاذ المزيد من الخطوات الجريئة لاستعادة التأثير والنفوذ الجيوسياسي في المنطقة والعالم كما كان الحال إبان الحقبة السوفياتية.
 
إن روسيا الاتحادية ترى في البحر الأسود الذي تتحكم تركيا بمداخله ومخارجه - من خلال البسفور والدردنيل-  بحيرتها ومتنفس نفوذها العالمي الوحيد كقوة برية تحاصرها وتتربص بها القوى البحرية الكبرى كأمريكا وأوربا الغربية من خلف حلف شمال الأطلسي الذي تعد تركيا عضوا اساسيا فيه منذ الحرب الكونية الثانية ،ولذا فإنها تجد الفرصة سانحة من خلال موقع سوريا الجيوستراتيجي المستباح والمفتوح على البحر المتوسط: فرصتها التاريخية الاستثنائية لممارسة نفوذ وتهديد أكبر لكل القوى المنافسة وعلى رأسها تركيا الصاعدة ،وهو مايجعل القوى الغربية المتوجسة والمتناقضة في ردود أفعالها واختلاط دوافعها تغذ السير إلى حوض المتوسط ضمن سلسلة إجراءات وأجندات مركبة ومعقدة الحسابات ، لتشكل في مجموعها ملمحا بارزا من ملامح وارهاصات الحرب القادمة إذا لم يتم احتوائها بشكل أو بآخر.
 
يحاول الرئيس الروسي "بوتين" إذا من خلال تصريحاته ومواقفه  الأخيرة  تكريس فكرة تركيا الإسلامية كبعبع وفزاعة لدى الغرب المسيحي بمذاهبة المتنافرة ، ليتسنى له شن حرب أو توجيه ضربة عسكرية على تركيا للحد من تنامي قوتها وهو الأمر الذي قد يلقى استحسانا لدى بعض الدول الغربية التي لايروق لها أن ترى في تركيا "الاسلامية" قوة إقليمية ودولية منفتحة على الشرق الإسلامي كمركز استقطاب سياسي وحضاري إقليمي تتحد عناصرة باتجاه ولادة مشروع عربي وإسلامي يستعيد أمجاد الخلافة بقيادة العثمانيين الجدد.

التعليقات